سمير خليل
القهوة، المشروب الداكن الذي يتسيد المشروبات التي تندرج في باب الترف والجلسات المميزة ولحظات الهدوء، فكم واحد منا احتاج لوقت يختلي به مع نفسه ليفكر ويرسم افق مشروع أو عمل الا وفكّر بفنجان قهوة.
وللقهوة تاريخ عريض حيث من المعتقد أن أجداد قبيلة الأورومو في أثيوبيا، كانوا هم أول من اكتشف وتعرف على الأثر المنشط لنبات حبوب القهوة، ولم يُعثر على دليل مباشر يكشف بالتحديد عن مكان نمو القهوة في إفريقيا، أو يكشف عمن قد استخدمها على أنها منشط أو حتى يعرف عن ذلك قبل القرن السابع عشر، وظهر أقرب دليل موثوق به سواء على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن، في منتصف القرن الخامس عشر، في الأديرة الصوفية في اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، وقد انتشرت القهوة من إثيوبيا إلى اليمن ومصر وشبه الجزيرة العربية، وبحلول القرن الخامس عشر وصلت إلى أرمينيا وبلاد فارس وتركيا وشمالي أفريقيا، وقد انتشرت القهوة من العالم الإسلامي إلى إيطاليا ثم إلى بقية أوروبا وإندونيسيا وإلى الأمريكيتين.
ومثلما يتعامل الانسان مع الشاي فان القهوة لا تحدد وقتا خاصا من اليوم فهي حاضرة في كل الاوقات نظراً لكونها تتمتع بمذاق، ورائحة منعشة، ومنبهة لكافة حواس الإنسان. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة فإن معدل الاستهلاك السنوي من القهوة حول العالم يقدر بحوالي سبعة ملايين طن، ويتم احتسائها بطرق عدة سواء باختلاف المنطقة أو حتى في البلد ذاتها.
ومثل بقية الاغذية والاشربة، فإن تناول القهوة يجب أن يخضع لمعايير صحية أيضا، حيث أن شرب القهوة بكميات محددة له تأثير إيجابي على الجسم، أما الافراط في شربها فله تأثير عكسي على صحة الجسم.
ولطالما كانت القهوة مادة للأدب والشعر والغناء بداية من الشاعر ابو نؤاس حين قال” يا خاطب القهوة الصهباء، يا مهرها بالرطل، احذر ان تسمعّها فيحلف الكرم
ألا يحمل العنب”، وقال فيها الشاعر أبو تمام الطائي” وقهوة كوكبها يزهرُ، يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُ، وردية يحثها شادنٌ، كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ”، وفى الشعر النبطى، نظم الشاعر محمد بن عبد الله القاضى ” قصيدة القهوة” في جلسة تحداه فيها أصحابه أن ينظم قصيدةً لا غزل فيها ولا تقل عن 30 بيتًا.
كما يعد الشاعر الفلسطيني محمود درويش، أشهر من نُقل عنه اقتباسات عن القهوة، فقال عنها: ” لا أريد غير رائحة القهوة، لا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة، رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدمي”، أما أجمل اشعار درويش فقد ضمنها القهوة ايضا في قصيدة الى أمي التي لحنها وغناها الفنان اللبناني مرسيل خليفة : أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أُمي ولمسة أُمي، وتكبر فيَّ الطفولةُ يوماً على صدر يومِ وأعشَقُ عمرِي لأني إذا مُتُّ أخجل من دمع أُمي” ويقول: زارتني أمي في السجن، وحملت لي قهوة، واحتضنتني، وقبّلتني، فعلمت أنّ أمي لا تكرهني، فكتبت أحنّ إلى خبز أمي قصيدة مصالحة معها . هكذا جاء العنوان مختزلاً لكثير من معاني الأمومة، ومعبّراً عن تجربة قاسية عاشها الشاعر قسراً بعيداً عن دفء الأمومة وحنانها، الأمر الذي حمله على التغنّي بتلك المشاعر، أما شاعر الحب نزار قباني فقال في حب القهوة: ” يثب الفنجان من لهفته في يدي، شوقا إلى فنجانها”، وفى قصيدة أخرى قال” اشْرَبى القَهْوَةَ يا سيدتي، فالجميلاتُ قضاءٌ وقَدَرْ، والعيونُ الخُضْرُ والسُودُ، قضاءٌ وقَدَرٌ”.
هذا هو سحر القهوة بفنجانها الصغير الذي يحمل كل هذه المشاعر والكلمات بالإضافة لمذاقها الذي يحمل سحرا خاصا على صعيد الطعم وتهدئة الاعصاب ومراوغة الصداع فهي بحق المشروب الذي لا يمكن الاستغناء عنه.
القهوة.. عالم من المشاعر والأحاسيس في فنجان صغير
التعليقات مغلقة