بغداد – سمير خليل:
كعادته، يأخذنا الكاتب المخرج جواد الاسدي الى عوالم خاصة، عوالم بديلة يرسم ملامحها وشخوصها بدقة وبحرفنة، عوالم مكتظة بالهواجس الانسانية، بالقهر، الاستبداد، بالأمل، بالحب، بالتوق للحرية والانعتاق.
هذه المرة اختار الأسدي السيرك عالما لمسرحه، وهو اختيار ذكي، أراد من خلاله أن يعبر عن كل ما يجول بذائقته، باعتبار ان السيرك عالم مغاير يمكنك ان تلعب به كل الألاعيب دون رقيب، لكن هذا العالم اصطدم بالهم والوجع والقهر الانساني والحرب وتداعياتها، انساب واقعه كلمات حزينة مجروحة على لسان أبطاله.
سيرك جواد الأسدي كان عالما مختلفا، فقد أحاطه بجدران عالية طوقت الحدث وسارعت بتسخينه لينفض شخصيات العرض مكنوناتهم، ورغم سوداوية هذه الجدران ورهبتها الى أن أغصان ووريقات الشجر كانت تناضل لتتمدد داخل هذا الفضاء، شخصيات متنوعة المشاعر والأحاسيس لكنها كانت تعيش داخل عالم الأسدي لتنفجر في النهاية وتنثر ما كان مكبوتا في النفس، مع شاهد أو ضمير أخذ من جرف الحوار كثيرا هو الكلب “دودن” الذي رمّز الاسدي من خلاله قيم كثيرة.
ولأن الأسدي يهتم ويركز ويختار شخصياته بإمعان، فقد رفعت شخصيات العرض من إيقاع العمل وحرارة الأداء بحرفية عالية من المتألقة الكبيرة شذى سالم والرائعين أحمد شرجي وعلاء قحطان ومعهم المجموعة الرائعة من الشباب الباحث عن موطئ قدم في عالم المسرح الفسيح.
وأخيرا: ضمّن المخرج موقفه الإنساني الوطني النبيل من خلال المشهد الأخير الذي انفردت به شذى سالم “كميلة” لتسرد المعاناة والقهر والقتل فيما يتعرض له شعبنا العربي في لبنان وغزة.
المخرج جواد الاسدي كتب في فولدر العرض:
مسرحية “سيرك” تكريس لرسوخ فرضيتي بان الممثل هو الملاذ والمخلص الحقيقي للعرض المسرحي روحا وجسدا وشغف يشبه الصلاة للمقدس الذي يسكننا، وهو تلك الشراكة التي جمعتني بممثلين منفردين في تبتّلهم وانتمائهم ووعيهم الجمالي”.
الدكتورة شذى سالم تحدثت عن العرض فقالت:
بالنسبة لي هي التجربة الثانية مع جواد الاسدي، اشتغلنا مسرحية “نساء في الحرب” بعد عودته الى العراق عام 2004، أنا ومعي الدكتورة سهى سالم والفنانة آسيا كمال وقدمنا العرض في وارشو ببولندا والجزائر وبغداد في كلية الفنون الجميلة، وكان هذا الحلم ان اعمل معه دائما ولكن لم تسنح الفرصة، اما ان يكون هو مشغولا او اكون انا مشغولة، ولكن اتفقنا على هذا الموضوع من زمان حقيقة وجاءت الفرصة للعمل مع جواد الاسدي خلال هذه الاربع شهور، تمرّنا أكثر من اربع شهور وتناقشنا الى ان ظهر العمل بصورته اليوم، مثل شخصيتي في المسرحية تشدني جدا لأنها شخصيات إنسانية معبرة، امرأة مملوءة وليست مغلوبة على امرها، مملوءة بالأوجاع، بالإحباط، مملوءة بالأمل، بكل شيء، وكل ما حدث في المسرحية كما رأيتم هو اسقاط لما يحدث الآن، يعني في خطابها الاخير، لماذا يذهب شعبي كله للذبح؟ هذه هي عقدة المسرحية، ما حدث في لبنان والعراق، آلام كثيرة، بالنسبة للكلب دودن فهو ضمير وشاهد وهو بالنسبة لشخصية الامرأة في المسرحية ضمير وبالنسبة لبقية الاشياء هو شاهد “.
أما الفنان أحمد شرجي فقال:
أول مرة أعمل مع المخرج جواد الاسدي، هو متعب حد اللعنة، لكنه تعب لذيذ يجعل الممثل في تحدٍ كبير مع نفسه ، أستطيع التواصل مع وعيه واشتغاله ، وهذا ما يحفز الممثل يوصله الى إمكانية أن يغير جلده في ثواني وهذه ليست قضية سهلة، بل ميزة كبيرة، حريف بمعنى الكلمة، أول مرة أجسّد شخصية لبيد، وهذه التحولات الأدائية كانت تحديات مهمة في العمل، متعبة نفسيا وليس جسديا، العمل المتواصل، البروفات المتواصلة أوصلتنا لمرحلة أن نغير الأداء مثلما نغير قطعة الملابس ، هذا التنوع بالأداء على مستوى النص لأن النص فاعل، فيه شعرية عالية”.
الفنان علاء قحطان ذكر أنها المرة الأولى التي يعمل فيها مع المخرج جواد الاسدي وهو سعيد بذلك وهو راض وسعيد بشخصيته السلبية في العمل أيضا.