المرأة الريفية.. معاناة مستمرة وضغوط مجتمعية رغم الانفتاح والتطور

الحلة – الصباح الجديد:
عقود من الزمن، ونحن نسمع عن تعرض المرأة الريفية الى الاضطهاد الاجتماعي والثقافي، سواء من قبل العائلة أولا أو من قبل المجتمع أو من قبل السلطة، وللأسف، رغم انحسار هذه الظاهرة الاجتماعية البعيدة عن القيم الدينية والأخلاقية، لكنها لازالت حاضرة في الأرياف، لازال الرجل والمجتمع يضهدان المرأة، في المناطق الريفية، وينتهكان حقوقها، خصوصا في الأرياف البعيدة عن المدن أو التي لازالت تعتمد الزراعة وتربية الحيوانات كمصدر أساس للمعيشة. فهناك يتم الاعتماد على المرأة بنسبة كبيرة، في تسيير الأمور اليومية للمزرعة وللحيوانات، من تغذيتها وتربيتها، وتهيئة كافة الوسائل اللازمة لرعايتها، كون أن الرجل، قد يكون مشغولا بأمور أخرى غير الزراعة وتربية الحيوانات، كالالتزام بالواجبات الاجتماعية التي يفرضها العرف، من حضور مجالس العزاء، وتلبية الدعوات الاجتماعية المختلفة التي لا يكاد يخلو يوم منها، بالتالي فلا يجد وقتا لممارسة تلك الأعمال، ففما يضطره الى تكليف زوجته أو ابنته أو حتى أمه بها. ومن الطبيعي أن انشغال المرأة الريفية بأعمال الزراعة وتربية الحيوانات، يعني عدم وجود وقت للدراسة أو للاهتمام بعائلتها بشكل كامل، ولأنها الطرف الأضعف، فلا يمكنها رفض ما يوجه لها من أوامر وتعليمات من الرجل، بضرورة عدم التهاون في واجباتها، وإلا ستتعرض للعنف اللفظي، وحتى الجسدي.
إن ما نتحدث عنه، يفترض أن يكون من الماضي، ويفترض أنها مجدر حكايات تسردها أمهاتنا وجداتنا، كون أن الانفتاح الكبير الذي يشهده البلد، سواء بالاتصالات والتقنيات التي أتاحت الوصول الى معلومات وحقائق لم تكن متوفرة فيما مضى، وتغير النظرة العامة للمرأة، إضافة الى التداخل الكبير بين الريف والمدينة، من حيث ذوبان الاختلافات بين الريف والمدينة من جوانب مختلفة، كوصول الخدمات الأساسية للريف، وتعبيد الطرق وبناء المدارس والمنشآت الخدمية التي تساهم الى حد كبير بتقليل الفوارق الاجتماعية والطبقية بين الريف والمدينة. وهذا كلام يصح في حال قرب الريف عن المدينة، لكن هنالك أرياف بعيدة جدا عن مراكز المدن، ولم تصلها أية خدمات، وحتى لو وصلتها فهي من عهد قريب، بالتالي، فإن العادات التي درج المجتمع الريفي عليها، منذ عهود طويلة، لا يمكن أن يتم تجاوزها خلال مدة قصيرة.
في مدينة الحلة، التي غالبا ما تسمى بـ بغداد الثانية، أو بغداد الصغيرة لقربها من العاصمة، وللتشابه القريب في العادات والتقاليد، نجد في أطرافها والنواحي والأقضية البعيدة عنها، نلاحظ وجود بقايا للعادات والتقاليد البالية التي عفا عليها الزمن، من حيث هضم حقوق المرأة، واستغلالها في القيام بأعمال لا تتناسب مع قدرتها البدنية، والسبب يعود الى غياب الوعي والثقافة، وعدم امتلاك القدرة على التغير والتطور وتغيير النظرة الدونية للمرأة التي يفترض كما قلنا أنها من الماضي.
أم إبراهيم، سيدة تسكن في أحد أطراف مدينة الحلة، تقول لنا: يومي متخم بالأعمال، وواجباتي لا تنتهي، منذ ساعات الصباح الأولى، حتى وقت الغروب. فمسؤوليتي تبدأ أولا من تهيئة مستلزمات المدرسة للأطفال، من ملبس ومأكل، وبعدها أتوجه الى الزرعة القريبة، حيث أقوم برعاية الأبقار، ثم أقوم بقطف المزروعات والعناية بها، وحين انتهي، أتوجه الى البيت، لأقوم بالتنظيف والطبخ وغسل الملابس. وعندما يحضر الأطفال من مدرستهم، يفترض أن أقوم بتدريسهم، لكني لا أملك الوقت لذلك، إذ لابد تهيئة الوجبة المسائية للأبقار..
مثل أم إبراهيم، حالات كثيرة، لا تسمح العادات ولا التقاليد بالوصول إليها، ولو وصلت، فلا يسمح لخا بالتكلم، لأن هذا يعني التعرض للرجل، وهذا ما لا يقبله. فما نحتاجه هو ضرورة إطلاق حملات واسعة للتوعية والإرشاد، ناهيك عن بث الوعي الديني الذي يساهم الى حد كبير، بالتذكير بحقوق المرأة، وحقها على الرجل، إذ لابد من السعي الى تفتيت المنظومة المتوارثة من القيم والعادات، فلا يعقل أن نكون في القرن الواحد والعشرين، ولازالت العادات التي نشأت منذ قرون تتحكم بنا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة