شكيب كاظم.
منذ أن غادر الأديب الناقد والشاعر رزاق إبراهيم حسن (١٩٤٦-٢٠٢٠) مدينة النجف، حيث ولد، إلى بغداد أوائل عقد السبعين من القرن العشرين، كي يعمل بالصحافة، وكانت بداياته في مجلة (وعي العمال) التي تولى رئاسة تحريرها الأديب المفكر عزيز السيد جاسم، والذي عُرِف عنه حدبه على مخايل الكفاءة وبذرتها، فيتعهدها السيد وينميها ويطلقها لدنيا البحث والكتابة.
العمل الصحفي، يستوجب كتابة المقالة الفنية الأدبية والنقدية، فالبحوث والدراسات مكانها المجلات والكتب، لذا زاول الأديب رزاق إبراهيم حسن، هذا اللون من ألوان الكتابة، الذي لم يعرفه العرب القدماء، بل جاءنا من الغرب عن طريق كتاب مصر والشأم: أحمد لطفي السيد، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وجبران خليل جبران، وزكي المحاسني، وأمين نخلة، ومارون عبود، و،و ، ليكون عندنا في العراق؛ أستاذي الدكتور علي جواد الطاهر؛ رائد كتابة المقالة الأدبية الفنية، التي بدأ بنشرها في مجلة (المعلم الجديد)؛ مجلة نقابة المعلمين العراقية، أواخر خمسينات القرن العشرين، غَبّ عودته من الدراسة في السوربون الفرنسي، وكان أديبنا رزاق من هذا الرعيل الذي زاول هذا الفن الكتابي إلى جانب: مهدي شاكر العبيدي، وحميد المطبعي، وعبد المجيد الشاوي، وماجد (صالح) السامرائي، وعبد الجبار عباس، وعبد المجيد لطفي، وشكيب كاظم، وقد كانت مقالته الأدبية أقرب إلى روح النقد؛ النقد الانطباعي التأثري التذوقي، فالنقد تذوق وانطباع، وليس لوغارتمات ومطلسمات أتت بها إلينا ما عرف بمناهج النقد في أوربة، فلكل مجتمع آراؤه وأفكاره المستمدة من حياته وبيئته، وليس من الصحة أن نلبس لبوس الآخرين، ولا سيما في مجالات الأدب والتذوق، وما زالت في الذاكرة مقولة المستشرق الفرنسي (ريجس بلاشيير) التي يبوح بها لتلميذه إبراهيم السامرائي: ألا ترى أني لا أدرك الوجه البلاغي في الآية” واشتعل الرأس شيبا” وهو ما سرده الأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي- رحمه الله- في كتابه المهم (حديث السنين- سيرة ذاتية).
لقد أصدر صديقنا وزميلنا الأديب الكاتب رزاق إبراهيم حسن، عديد الكتب التي نحت منحا نقدياً منها كتبه (الشخصية العمالية في القصة العراقية) فضلاً عن (الشخصية العمالية في الرواية العربية) وآخر عن الشاعر عبد الأمير الحصيري.
ولقد كان رزاق وفيا لأستاذه عزيز السيد جاسم، فخصّه بكتاب نقدي، درس فيه أغلب المنجز الإبداعي والفكري للسيد حمل عنوان (دراسات في أدبيات عزيز السيد جاسم) صدر في بغداد سنة ٢٠١٧، مناجياً فيه أستاذه” لا أذكر أني قرأت في أحد مؤلفاتك أنك أهديته لأحد قريب أو بعيد، فقد أردتها أن تخاطب القارىء بشكل مباشر، ويتواصل معها دون وساطة ودون تزكية من أحد، وأن لا يشفع لها غيرها، ثم إنك ترفض الصيغ التقليدية في العلاقة بين الكاتب والقارئ، ومنها الإهداء، ولكنك لم ترفض الإهداء الخاص أو الشخصي الذي يُهدى كتاب لشخص معين، ويسعدني أنك أهديت لي أغلب مؤلفاتك، ولأنني كتبت هذه الدراسات استناداً إلى عدد من مؤلفاتك، وتعبيراً عن حضورك فيها، فإنني أقدمت على إهداء هذا الكتاب لك، لا سيما وإنه يستمد عنوانه ومتنه من كتاباتك الأدبية (..) أيها المفكر والمؤرخ والناقد والصحفي والكاتب والقصصي والروائي، ومبدع كتب سيرة الصحابة والأولياء والصوفيين، أيها العزيز، عزيز السيد جاسم”.
في هذا الكتاب (دراسات في أدبيات عزيز السيد جاسم) وقفات عند عديد مؤلفات السيد ومنها كتابه (دراسات نقدية في الأدب الحديث) وهو من أوائل منجزات السيد، إذ صدر سنة ١٩٧٠، كما يقف عند كتبه التي درس فيها الشعراء: معروف الرصافي. قصة خمسين عاما في كبرياء الشعر، وحميد سعيد، وعبد الأمير الحصيري، منتقلا إلى منجز السيد الروائي، وأولى رواياته (المناضل) و(أزمة المفتون) وهو حديث نقدي عن روايته (المفتون) وأخيراً يقف دارسا لروايته (الزهر الشقي والبحث عن الآخر).
ولأن عزيز السيد جاسم، ما اكتفى بكتابة الروايات السياسية الناقدة للأوضاع وقتذاك فقط، بل كتب القصص القصيرة، الفن المحايث والمصاقب للفن الروائي، فقد خص الناقد رزاق هذا الجهد الإبداعي بدراسة نقدية، وتلمس في ذلك قربه من النقد الانطباعي.
كنت قريبا من صديقي الأديب رزاق إبراهيم حسن ومزاملاً له في جريدة ( الزمان)، على مدى عقد ونصف العقد من الزمن، منذ أن حط طائر الجريدة في العراق بعد سنة ٢٠٠٣،تسنم مسؤولية القسم الثقافي في الجريدة، بعد مغادرة الناقدُ السينمائي دمث الخلق الدكتور طاهر عبد مسلم علوان، العراقَ سنة ٢٠٠٦ واستقراره في بروكسل، وكنت أعمل في قسم التصحيح اللغوي، ولطالما تجاذبنا أطراف الحديث والآراء، وارى أن أشير لا بل أؤكد سمة في الكتابة لدى الأستاذ رزاق، فإذ يعسر القلم ويحرن ويتأبى لدى الكثير، فتراه يكتب ويشطب، فإن القلم يمضي رخاء منسابا عذباً، كأنه الجدول الرقراق، ولا يكف عن الكتابة، إلا بعد أن يكون المقال الأدبي النقدي المكثف، قد اكتمل واستوى على سوقه يعجب الزراع نباته.