بالتعاون مع وزارة الثقافة والحكومة المحلية
البصرة – سعدي السند:
تباشر منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) قريبا، اعادة إحياء التراث البصري المادي بعد سنوات من الدراسات والتوثيق وبتمويل من الاتحاد الأوروبي والتعاون مع وزارة الثقافة والحكومة المحلية في البصرة .
المرحلة الأولى
الصباح الجديد علمت ان المرحلة الأولى ستشمل إعمار مقطع من نهر العشار المار في المنطقة التراثية مع دار – دار الشيخ خزعل الكعبي ودار عائلة النقيب ودار عبداللطيف المنديل ودار عبدالسلام المناصير ودار اتلوالي العثماني كما يشمل المشروع في مراحله اللاحقة جعل منطقة نظران والبصرة القديمة منطقة حفاظ تراثي واعمار 150 من الدور التراثية المميزة والمسجلة.
الدور المهم لوزارة الثقافة والسياحة والآثار
وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم في التقى قبل أيام مع سفير الاتحاد الأوروبي في بغداد مارتن هوث ومدير منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في بغداد باولو فونتاني، بحضور خبراء من هيئة الآثار والتراث، وناقشوا آخر تطورات العمل على إعادة تأهيل مدينتي البصرة والموصل القديمتين.
الاجتماع استعرض ملاحظات الجولة التي أجراها فريقا اليونسكو والاتحاد الأوروبي في مواقع العمل، وتقديم عرض تفصيلي عن المباني التراثية في البصرة القديمة البالغ عددها 400 بيتا، فضلاً عن القصور التراثية كقصر الشيخ خزعل في منطقة نظران.
وأشار المجتمعون إلى أن المباني التراثية في البصرة سيّما في منطقة نظران، قد تعرضت لأضرار كبيرة إثر الحروب والإهمال، وفاقمت التجاوزات السكانية من هذه الأضرار، فضلاً عن الإشارة إلى أهمية تأهيل نهر العشار لتأثيره الجوهري على تأهيل باقي البيوت التراثية القريبة منها
وكان هذا الاجتماع الثاني من نوعه، لبحث مسار العمل في المدينتين القديمتين ووضع آلية واضحة لتنفيذ الخطوات المجدولة وفق سقوف زمنية.
طابع معماري واحد
يذكر انه لم يبق من الشناشيل البصرية إلا العدد القليل في الأحياء القديمة التي استطاعت الصمود حتى الآن نتيجة التدمير والخراب التي سببتها الحروب بالإضافة إلى الزحف العمراني الحديث الذي أدى إلى تغيير الكثير من معالمها العمرانية الأصيلة.
والبيوت البصرية التراثية شأنها شأن البيوت في المدن العراقية، تتميز بخصائص تخطيطية وإنشائية ذات طابع معماري واحد يتمثل في إحلال الساحة الداخليـة المكشوفـة التي يطلق عليهـا بالعاميـة ( الحوش ) المكان الأول في التخطيط، وعادةً ما تمثل هذه الساحة محور البيت التي تنتظم حوله معظم الغرف والمرافق الأخرى ومن الواضح انه تقليد بنائي عراقي قديم تعود بداياته إلى فترة العهد البابلي القديم (مطلع الألف الثانية قبل الميلاد) حيث عثر على بقايا دور سكنية في أحد أحياء مدينة (أور) القديمة التي تقع إلى الغرب من مدينة البصرة تبرز الساحة الوسطية في مقدمة العناصر التصميمية، وغالباً ما تتوسطها حديقة صغيرة تزرع بشجرة واحدة أو أشجار عدة وبعض شجيرات الزهور.
وتُعتبر الساحة الوسطية أيضاً بمثابة قاعة مكشوفة ومحجوبة عن الأنظار، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في توزيع الإضاءة الطبيعية والتهوية للغرف المحيطة بها
ويعرف القسم الأمامي من البيت البصري والذي يضم مجالس الضيوف بـ(البراني)، أمّا القسم الخلفي والمحيط بالساحة الوسطية والذي يضم الغرف المخصصة لأفراد العائلة والمرافق الملحقة بها بالدخلاني .
تفاصيل عن بيوت الشناشيل
ومن الخصائص المميزة للبيوت البصرية وجود المدخل المنكسر المعروف بـ(المجاز) الذي يوصل المدخل أو ( الباب ) بالساحة الداخلية المكشوفة (الحوش).
والهدف منه هو عزل فضاء الساحة الداخلية عن الشارع أو الزقاق، وترطيب الهواء عبر اختراقه المجاز.
ومن العناصر الجوهرية في تصميم البيت البصري توفير ما يسمى بـ(الطارمة) المسقفة والمفتوحة من جهة الساحة الداخلية وهي الديوان المصغر للبيت.
وتستعمل أرضية (الطارمة) لتناول وجبات الطعام وشرب الشاي وبخاصة في فصل الصيف
ويتميز البيت البصري أيضاً بوجود مكان للراحة والهدوء يطلق عليه السرداب، وتقضي فيه العائلة ساعات طويلة في أيام الصيف الحارة، ويتصف بجدرانه السميكة وانخفاض مستوى أرضيته عن مستوى أرضية البيت، قد يصل في بعض الأحيان إلى أمتار عدة مما يساعد في حمايته من الحرارة الشديدة.
وتجري تهوية السرداب بواسطة فتحات صغيرة جانبية تكون عادة في مستوى أرضية الساحة الداخلية المكشوفة، وكذلك من أبواب المدخل والدرجات (السلالم) المؤدية إليه.
وهناك مجار عمودية للتهوية مبنية من الطابوق (الآجر) والجص، وهي عبارة عن فتحات داخل الجدار وفوهتها في أعلى سطح البيت تنقل الهواء من الأعلى عبر هذه الفتحات إلى مستوى منخفض في أرضية السرداب فيساعد الماء الذي يرش على أرضية السرداب بترطيب الهواء الخارجي الجاف الآتي من السطح عبر هذه الفتحات، وتسمى هذه المجاري العمودية بالملقف الهوائي، ويطلق عليها محلياً بالبادكير
ومن أهم المواد الأولية المصنعة محلياً والمستعملة في بناء البيوت البصرية الطابوق الطيني المفخور (الآجر) الذي يُعتبر العنصر الرئيسي في البناء، وذلك لوفرة مادته الأولية ولسهولة صناعته وقلة تكلفته.
ويمتاز أيضاً بمقاومة جيدة وقدرة كبيرة على عزل الحرارة والصوت.
ومن الخصائص التي امتاز بها البيت البصري بصورة عامة ارتفاع سقف غرف الطابق الأول وهناك مميزات إنشائية أخرى منها كثرة الشبابيك في الطابق الأول وارتفاعها خصوصاً في الواجهات التي تطل على الأزقة والشوارع.
أما ارتفاع الطابق الأرضي فيكون عادة أقل من الطابق الأول، ويتميز أيضاً بنوافذه التي تكون في الغالب فوق مستوى النظر وهى تطل على ا لأزقة والشوارع
الشناشيل من الفنون المعمارية المميزة
وتعتبر الشناشيل من الظواهر الرئيسية والمألوفة في البيوت البصرية التراثية، والتي تدل على الثراء، ففي بيوت الميسورين تتحول الشناشيل إلى قطع فنية رائعة، وذلك لجمال نقوشها الخشبية التي تتخللها قطع زجاجية صغيرة ملونة
وتشيد الشناشيل أساساً على قسم من بناء الطابق الأول يضاف إلى المساحة الأساسية للدار، وذلك عن طريق إحداث بروز يستند إلى روافد خشبية أو معدنية، وعندما يتسع البروز نسبياً يعمد المعمار إلى تدريج ألواح الخشب أو الروافد ليمكنه الحصول على نقاط استناد قوية تشيّد فوقها الشناشيل، ويتراوح البروز عادة ما بين متر واحد أو أكثر بقليل.
ويكون بناء الشناشيل من الخشب بدلاً من الآجر أو الحديد وذلك للتغلب على مشاكل الثقل في توسعة البناء، وكذلك مساعدة الخشب في تحقيق برودة الجو الداخلي للغرفة عن طريق تقليل كمية الحرارة الواصلة إلى البيت دون أن تمنع الضوء والهواء من الوصول إلى غرف الشناشيل من خلال الفتحات الخارجية المشبكة وكذلك تحفظ للسكان حرمتهم وخصوصيتهم فهي مصممة لحجب الرؤية من الخارج للجالسين في هذه الشرفات أو الغرف الملحقة بها.
والشناشيل المصطفة على طول الطريق العام توفر مظلّة طويلة يحتمي بها المشاة من شمس الصيف وأمطار الشتاء.
وستبقى شناشيل مدينة البصرة على الرغم من إزالة الكثير منها شاهداً حياً على جمالية العمارة البصرية وتقدمها خلال فترات من تاريخها الحضاري العريق
وقد التفتت منظمة اليونسكو الى المعالم المميزة لفنون العمارة البصرية ، ووضعت خطة لمشروع اعادة احياء صناعة الشناشيل والحفاظ على الخصوصية العمرانية المحلية لمدينة البصرة ، والاهتمام بهذا الفن المعماري الجميل والرائع .
يتضمن مشروع اليونسكو دعم وتشجيع النشاطات الابداعية في صناعة الشناشيل والفنون الاسلامية الاخرى والعناية بالحرفيين وتقدير دورهم ومكانتهم في المجتمع باعتبارهم عنصراً أساسياً في بقاء هذا التراث والحفاظ عليه
دعم مادي ومعنوي
ودعوة الخبراء والفنانين والحرفيين المتخصصين في هذا المجال لوضع رؤى وتصورات لاستخدام الشناشيل في العمارة البصرية ، واعادة ترميم وصيانة البيوت التراثية
والتعاون والتنسيق مع مركز الابحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية ـ ارسيكا ـ باسطنبول التابع لمنظمة التعاون الاسلامي والذي يقوم بمهام احياء تراث شعوب الدول الاسلامية .
وتأسيس مركز حرفي في مدينة البصرة متخصص بتطوير ميدان الصناعات والحرف المتعلقة بالشناشيل والفنون الاسلامية الاخرى ودعم وتشجيع اقامة الندوات والمؤتمرات والمعارض المتخصصة بفن الشناشيل والفنون الاسلامية الاخرى والقيام بمسح شامل للمباني التراثية في مدينة البصرة واعداد دراسة كاملة عنها ،لتكون مرجعاً يستعان به عند القيام بترميمها وصيانتها أو اعادة بنائها من جديد و توثيق جميع الابنية ذات القيمة التاريخية والتراثية لغرض الكشف عليها دورياً ، واعادة بناء الآيل للسقوط منها ، وفق تصاميم تجري الموافقة عليها من قبل المتخصصين في هذا المجال
وتشجيع ودعم المنظمات والمؤسسات التي تعنى بالحفاظ على التراث وتحسين البيئة، وتوعية السكان المحليين للمحافظة على مدينتهم ووضع جائزة سنوية للابتكار والابداع في صناعة الشناشيل واستخدامها في الابنية الجديدة ، و كذلك في ترميم وصيانة البيوت التراثية مع أهمية دور الاعلام في التعريف بالتراث البصري والحفاظ عليه.