بطاقة تعريفية
فوزي كريم (1945) شاعر وناقد ورسام عراقي وعاشقا وكاتبا عن الموسيقى, يعد واحدا من كبار الشعراء في الوطن العربي. ولد الشاعر فوزي كريم في بغداد عام 1945. أكمل دراسته الجامعية فيها ثم هاجر على الأثر إلى بيروت عام 1969. عاد إلى بغداد عام 1972، ثم غادرها ثانية عام 1978 إلى لندن، موطن إقامته الحالية. منذ مرحلة شبابه الأول كان فوزي كريم لا يجد مفارقة في اعتماد الموروث والحداثة (الماضي والحاضر) مصدرين أساسيين لثقافته وقصيدته. الموروث العربي يمده بالإحساس باللغة كمعقل لكيانه الروحي. ويمده بالإحساس بالتاريخ والتواصل. والثقافة الحديثة نافذة يطل منها على اللامحدود. الإحساس بالمنفى عميق لديه، لأنه من مطلع الشباب الأول ذاك عاش مجتمعاً ثقافياً، يعتمد ممارسة شعائر مقدسة متضاربة، هي شعائر الايمان العقائدي. وكان هو بمنأى عن هذا المصطرع. ولكنه لم يكن بمنأى عن رائحة احتراقاته ونزيفه. ولقد أشعره معترك الأفكار العمياء بالوحدة، والتطلع. الأمر الذي ميز قصيدته. في قصائد مجموعته الأولى “حيث تبدأ الأشياء” 1968 نجد ذلك التطلع يجعل حزن تلك الوحدة شفيفاً، وغنائياً. منفاه الاختياري الأول في بيروت عمق تلك الوحدة، وذلك التطلع. أعطاهما طبقة صوت محتجة، وغنائية مصوّتة. وضع قصائد بيروت في مجموعة “أرفع يدي احتجاج أرفع يدي احتجاجاً”، وصدرت عن [دار العودة] عام1973. السنوات التي قضاها في بغداد بين 72-1978 كانت على درجة عالية من التوتر، والاحباط، وانسداد المنافذ، بسبب الهيمنة المتزايدة لسلطة الحزب الواحد. قصائده صارت هي الأخرى متوترة، محبطة، وباحثة عبثاً عن إضاءة. التطلع فيها لم يعد في دم التجربة الشعرية ذاتها، في دم القصيدة. بل صار إشارة مباشرة مقصودة في آخر القصيدة. إلا أن هذه الخبرة الدامية علمته الكثير، لا في حقل كتابة القصيدة فقط، بل في حقل الإنسان، والتاريخ. تعلم الحذر من الأفكار في أن تتحول، بفعل غريزي، إلى عقيدة مقدسة. تعلم أن القصيدة إنما تولد من صراع الشاعر مع ذاته، لا مع الآخر. ترك كتباً أخرى أصدرها في بغداد: “من الغربة حتى وعي الغربة من الغربة حتى وعي الغربة” (وزارة الثقافة،1972)، “أدمون صبري” 1975 (وزارة الثقافة) ، و “جنون من حجر” (وزارة الثقافة 1977)، ثم هاجر إلى منفاه الجديد، لندن، آخر عام 1978. في سنوات هذا المنفى الطويلة دخل الشاعر رحاب الإنكليزية أدباً وثقافةً عامة. كما وقع على ضالته التي كانت مفقودة في حياته العربية السابقة، وهي الموسيقى. بدأ يعوض عما افتقده، في تأسيس مكتبته الشخصية من الموسيقى الكلاسيكية. وطوال ربع قرن لم ينقطع يوماً عن الإصغاء، والقراءة، والكتابة في الشأن الموسيقي. ولقد انتفعت قصيدته من هذا المصدر الموسيقي، الذي يعتبره الشاعر أسمى وأعمق مصادر البناء في النص الشعري. ولأنه يمارس فن الرسم بذات الشغف، ولكن ليس بذات التواصل، فقد وضع كتابه “الفضائل الموسيقية” في أجزاء أربعة: عن “الموسيقى والشعر” (صدر عن دار المدى 2002)، و”الموسيقى والرسم”، “الموسيقى والفلسفة” و”الموسيقى والتصوف”، (قيد الإعداد للنشر). في الشعر أصدر وهو يقيم في لندن: “عثرات الطائر” (المؤسسةالعربيةالمؤسسة العربية 1983])، “مكائد آدم” (دار صحارى1991)، “لا نرث الأرض” (دار الريس 1988)، “قارات الأوبئة” ( دار المدى] 1995)، “قصائد مختارة”(الهيئة المصرية 1995)، “قصائد من جزيرة مهجورة” (نشرت ضمن الأعمال الشعرية2000 التي صدرت في جزأين عن دار المدى عام 2001)، “السنوات اللقيطة” (دار المدى 2003)، “آخر الغجر2005)، “ليلُ أبي العلاء”. وفي النثر النقدي أصدر، بعد قصص “مدينة النحاس” (دار المدى 1995)، كتاب ” ثياب الامبراطور: الشعر ومرايا الحداثة الخادعة” (المدى2000)، “العودة إلى گاردينيا” (المدى 2004)، كتاب “يوميات نهاية الكابوس” (المدى 2004، كتاب “تهافت الستينيين: أهواء المثقف ومخاطر الفعل السياسي” (المدى2006). سعيه النقدي لتجريد الشعر العربي مما علق فيه من شوائب الشكلانية والميل العضلي، في موروثه وحداثته، وما استحوذ عليه من قوى الأفكار المتعالية والعقائدية، حفزه لإصدار مجلته الفصلية “اللحظة الشعرية”. تزوج في لندن في مطلع الثمانينيات وله ولدان: سامر وباس.
من مجموعة” حيث تبدأ الأشياء”
وتلويتُ مع الريحِ، تلويتُ شراعا
وعرفتُ الشمسَ في دمعةِ عينيك خداعا .
آه يا صوتَ بلادي
يا شراييني، التي مزقها نجمٌ وضاعا.
إنني أقسمُ بالخبزِ ، الذي يحملُ موتي
وبأيامي، التي تخطو مع الريحِ سراعا:
إنّ في دمعةِ عينيكَ بشائر
وأغاني ،
آه يا صوتَ بلادي،
آه لو أزرع في خديكَ قبلة
دونَ أن تحملني خلفَ ستورٍٍ لا أراها
أو تراني .
صدّقيني يا بلادي،
إن في دمعةِ عينيكِ ضياعي،
فإذا مزقتِ في الريحِ شراعي
سأغنيكِ شراعاً لا يهاجرْ
وإذا علمتني الصوتَ، ومزقتِ قناعي
سأغنيكِ، كما غناك شاعرْ
وإذا ألقيتِ ظلي مرةً دون وداعِ
سأغنيك، لأني
شاعرٌ أَقسمُ بالخبزِ الذي يجهلُ موتي
وبأيامي التي تخطو مع الريحِ سراعا.
يا بلادي
يا شراييني، التي مزّقها نجمٌ وضاعا.
تباشير عام 1966
مهِّدْ العالمَ كي أزرع قلبي
شجراً، يُثمر في الليلِ نجوماً تتوارى،
…وعلي صدرك ألويه سوارا.
مهِّدْ العالم لي خبزاً
وسوّيه من الخمرِ جرارا ،
لُفه من يبس التبغِ، القهِ
في صدر أنثي،
وردةً حمراءَ من قلبِ الصحاري.
…إنه يعرفُ صوتي:
بدمي الوحّلِ، به
يا شجرَ الموتِ تجذّرتَ مرارا.
خُفُّ صحراءٍ علي وجهي
ولي عشرون عامْ،
ما عرفتُ الليلَ فيها
جثثاً بيضاءَ كالخوفِ،
رحالاً وخيامْ،
وصحاري بثمارِ الدمعِ تغزوني،
وآثارَ كلامْ.
أيّ ليلٍ بي، على راحلتي
أيقظني اليومَ، ونامْ.
عرّش الإكليلُ في رأسي،
على ألواح طوفانٍ تخليتُ
ـ ولي عشرون عامْ ـ
عن نذورٍ، فوقَ جفنيَّ توّفاها الظلامْ.
وحسرتُ السخطَ عن وجهي
فما عدتُ صبياً،
طرّزت أحلامه الأولى
سياجاتُ الطفولة،
حاملاً خطوي إلى أقبيةِ الموت وسامْ.
1966/1