أنسنة الطبيعة ومناجاتها في شعرية”ماجد البلداوي”

 الشعر، حالة من التسامي القائم على التخييل الذي فيه تتأكد ارادة الانسان المبدع، المنتج(من العالم المفروض عليه عالمه الذي يحلم به) على حد تعبير شاعر الخطايا بول ايلوار، بوسائله التعبيرية المكتظة بوظائفها الجمالية التي تتجسد بأشكال رمزية ودلالات تقترن بالواقع، لتحقيق رؤيته الابداعية التي هي القدرة على الابتكار والتصوير الذي يؤسس لفضاءات عوالمه الحالمة، المستفزة لذاكرة المستهلك(المتلقي) لاستنطاق عوالم النص وفتح باب التأويل..

  وباستحضار نصوص الشاعر(ماجد البلداوي) وتفحصها نجد انها تقوم على الصورة الاداة الكاشفة عن جوهر التجربة المحققة للذات موضوعيا، بتخطيها الحسابات الى أفق الرؤيا بمخاطبة الوجود والطبيعة بأشيائها بلغة الفكر والعاطفة المتشظية..

ياشجن الناي
وهو يترجم حزن الماء
وحزن الطين
سأجوب الأرض..
الخارطة العمياء

شواطئ ليل العشاق
أتدفأ بالماء
وبالآلام وبالأمطار
واصرخ : يا ااااااااااااااااااااسأرمم عطر الورود
وأوقظ مزمار قلبي
واهتف للبحر.. هيا تعال

 فالشاعر يتكئ في بناء نصه على الشيئية وعوالمها،اذ تعامله مع الاشياء وأنسنتها مع مناجاة نفسية تسهم في توالد الصور حتى نهاية التوتر مع توظيف الفعل الدرامي الذي ياخذ ابعادا(نفسية واجتماعية) تؤطر النص المزاوج بين الطبيعة والذات، بلغة تفيض بالانثيالات الروحية التي تغلف الفاظها البيئية وتراكيبها المنسوجة نسجا تراجيديا بالصور والاحداث تصويرا سرديا يعتمد الحركة والحدث الممزوج بالفكرة والحوار الذاتي(المنولوجي)..

قال: أن لليل أصحابه.. وللهو أصحابه

فاقترب.. حيثما يغرق الليل بالليل

 تعرى الشوارع

 يشتد صوت الجدار

 على قطعة من جليد

 ترجل وجه التي رافقتني

تعدد أكثر.. أكثر

حتى امتطى صهوة الريح

في هداة الريح

 أدركت طعم الرحيل

فكررتها من جديد

وأيقظني الحارس الواقف.. النائم.. المستحم على صفحة الليل

 أطلق صفارة….. فاستفقت.. تيقظت

أغلق أنفاسه وابتدأت المسير.

  فالشاعر يبوح بوحا وجدانيا من خلال استنطاق المكان بصفته دالا اشاريا وبؤرة مركزية تجتمع فيها خيوط النص وتمنح نسيجه تماسكا ووحدة موضوعية من خلال سرد شعري للمواقف المتوالدة من تفجير الفعل الدال على الحركة، فضلا عن استثماره التداعي  والتفاصيل اليومية لإضاءة بعض العوالم المعتمة بلغة محكية والفاظ بعيدة عن الضبابية والغموض، عبر خطاب الذات ومناخاتها فيكشف عن قدرة في اختيار الفاظه المشحونة بدلالات انسانية  من اجل التحليق في افق الصورة الشعرية عبر بنية نصية تعتمد التكثيف والايجاز والاختزال الجملي.. اضافة الى توظيفه تقنيات فنية واسلوبية كالتكرار التقنية الفنية الاسلوبية التي تشكل دلالة نفسية حيث(يفرغ الشاعر مشاعره المكبوتة ليعيد التوازن الى حالته الطبيعية)على حد  تعبير نازك الملائكة، اضافة الى انه نمط صوتي يسهم في تلاحم البناء النصي عبر نغمة مموسقة .. منتظمة.. وهذا يحقق امرين : اولهما دلالي.. وثانيهما ايقاعي، وهناك التقطيع الكلي( يا ااااااااااااااااااااسأرمم )دلالة التأزم النفسي والانفعال الذاتي، إضافة الى التنقيط (النص الصامت)ودلالة الحذف الذي يستدعي المستهلك(المتلقي) لتغطية فراغاته التشكيلية..

  وبذلك قدم الشاعر البلداوي نصوصا تتسم بالوعي الفكري الذي ينم عن تجربة محكمة في معانيها المحققة لسايكولوجية التواصل الشعري بوصفه خطابا غنيا بالدلالة ليحقق الامتاع الجمالي والاقناع الفكري بتوليد الاسئلة، عبر نص جامع ما بين الموقف الشعري والايحاء النفسي من خلال اللفظة المتوهجة ذات الدلالة التعبيرية التي تمازج ما بين الحسي والذهني.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة