التخطيط: الحلول “قيد الدراسة للخروج بقرارات ناضجة”
الصباح الجديد ـ وكالات:
بعد قرار أوبك خفض الإنتاج النفطي، يتصاعد الحديث في العراق عن كيفية تجاوز الأزمة المالية التي تمرّ بها البلاد، في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً، والعجز الكبير في الموازنة العامة، ما قد يؤدي إلى عجز الحكومة عن سداد رواتب موظفيها، فضلاً عن إشكالات اقتصادية أخرى، في ظل اعتماد الموازنة العراقية بشكل شبه كامل على النفط.
إجراءات محتملة
ويبدو أن الحلول الاقتصادية المتوفرة صعبة جداً ولها آثار اقتصادية كبيرة، إذ يرى مراقبون أن هناك سيناريوهات رئيسة عدّة أمام الحكومة لتجاوز الأزمة، أولها أن يبيع العراق سندات الخزينة. أما السيناريو الثاني، فهو ما يتم الحديث عنه في أوساط عدّة، عن أن الحكومة ستقلّص رواتب الموظفين، والثالث ما تحدثت عنه اللجنة المالية البرلمانية، عن إمكانية تمويل رواتب الموظفين من خلال طباعة العملة أو بيع النفط للمواطنين أو تغيير سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية.
وبالرغم من كل ذلك، تغيب حتى الآن إجراءات حكومة عبد المهدي لتلافي تلك الإشكالية، إذ يرجّح اقتصاديون أن يتمكن العراق من سداد أجور الموظفين لهذا الشهر، إلّا أن تعقيداتها قد تبرز مطلع شهر أيار المقبل.
ولعل ما يؤخر حكومة تصريف الأعمال عن اتّخاذ إجراءات صارمة، محاولتها ترحيل تلك الأزمة إلى الحكومة المقبلة وعدم تحمّل الانتقادات المحتملة من الشرائح التي ستتضرّر.
أربعة حلول
في السياق ذاته، أكد عضو اللجنة المالية في البرلمان أحمد حمه رشيد لـ”اندبندنت عربية” أن “البلاد في مرحلة حرجة مالياً، وتعاني تضخماً هائلاً في الجهاز الوظيفي للدولة، إذ يبلغ عدد موظفي القطاع الحكومي نحو 3 ملايين موظف، تصل أجورهم شهرياً إلى نحو 3 مليار دولار”.
وتحدث عن أربعة حلول أمام العراق لتجاوز الأزمة المالية، قائلاً “من الممكن معالجة الأزمة من خلال بيع سندات الخزينة، أو التمويل بالتضخم من خلال تغيير سعر الدولار، أو طباعة العملة أو بيع النفط للمواطنين عن طريق صكوك”، وموضحاً “كلّ الحلول ستؤدي إلى تضخّم جامح”.
وكشف عن أن “واردات العراق انخفضت في شهر آذار إلى 2.9 مليار دولار، بانخفاض يُقدّر بنحو 2 مليار عن شهر شباط 2020، ويُتوقّع أن تنخفض بشكل أكبر هذا الشهر”، لافتاً إلى أن “البلاد تحتاج شهرياً إلى مليار دولار إضافي لتسديد الرواتب، عدا الالتزامات الأخرى واجبة السداد”.
وعن إمكانية الاقتراض لسدّ عجز الموازنة، بيّن رشيد أن “العراق ليس على جدول صندوق النقد الدولي”، موضحاً أن “الاقتراض الداخلي بات أمراً صعباً لأنّ الديون الداخلية تبلغ نحو 35 مليار دولار”.
واستبعد أن يجري اللجوء إلى قطع جزء من رواتب الموظفين، معلّلاً ذلك بأنه “سيتسبّب بأزمة وقد يخرج هؤلاء للاحتجاج في الشوارع”.
توقعات بارتفاع أسعار النفط
وكان وزير النفط ثامر الغضبان قد أعلن في وقت سابق، أن اجمالي إنتاج النفط الخام في البلاد بما في ذلك إقليم كردستان، يبلغ نحو 5 ملايين برميل يومياً، لافتاً إلى أن العراق سيخفّض إنتاجه من النفط الخام بمعدل مليون و61 ألف برميل يومياً ابتداء من شهر مايو المقبل وعلى مراحل.
في السياق ذاته، أورد بيان لوزارة النفط أن “ما تشهده السوق النفطية العالمية اليوم من بعض الانخفاض في الأسعار هو أمر مؤقت يعود إلى استمرار التأثير الكبير لجائحة كورونا والمعروض النفطي بأعلى مستوياته، إذ إنّ تطبيق الاتفاق يبدأ من الشهر المقبل”.
وأضاف البيان “يُتوقّع أن يتوقف تراجع الأسعار بل وتتجه نحو التحسن البطيء حتى سحب كميات محسوسة من المخزون النفطي العالمي وتراجع تأثير الجائحة لتحقيق مستويات جيدة، تبدأ من نهاية العام الحالي واستمراراً للعام المقبل مع تحقيق نسب التزام جيدة بالاتفاق”.
وأشار إلى أن “وزارة النفط أعدّت بدائل عدّة للتعامل مع التطورات الأخيرة بهدف تعظيم الموارد المالية من جراء تدني أسعار النفط منها تقليل كلفة الإنتاج والتعامل الأمثل مع شركات النفط العالمية المتعاقدة مع العراق وإدامة عمليات التصفية بالمعدلات المطلوبة وتوفير الوقود لمحطات الكهرباء لإنتاج الطاقة الكهربائية في البلاد”.
نصف مليار دولار للفقراء
ويبدو أن الحلول بالنسبة إلى القطاع الخاص ومحدودي الدخل تكاد تنعدم مع استمرار حظر التجوال ودخوله الشهر الثاني وتوقف شبه تام للحركة الاقتصادية.
وبالرغم من إعلان الحكومة العراقية نيتها إعطاء أموال لذوي الدخل المحدود، تُقدّر بنحو 50 دولاراً للفرد الواحد، مخصّصة لشريحة الفقراء الذين يُقدرّون بحسب الإحصاءات الرسمية بنحو 10 ملايين شخص، إلّا أنّ تلك الإجراءات لم ترَ النور حتى الآن، في ظلّ تنامي حالة النقمة الشعبية، تحديداً بين أوساط الفقراء.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي لـ “إندبندنت عربية” إن “الحكومة مستمرة بالعمل على وضع المعالجات اللازمة في مواجهة الأزمة المالية، بسبب قلّة الموارد”، مبيّناً أن “كل الجهود منصبّة على إيجاد معالجات لمواجهة الأزمة”.
وأضاف، “تجري مناقشة كل القضايا المتعلقة بالإنفاق وتوفير أرصدة مالية، لكنها لا تزال قيد الدراسة للخروج بقرارات ناضجة”، كاشفاً عن “انتهاء مدة التقديم للمنحة الحكومية وبدء عملية تدقيق بيانات المواطنين التي ستكتمل نهاية الأسبوع الحالي” ومشيراً إلى أنّ “13 مليون مواطن قدّموا طلبات للحصول على منحة”.
ولفت إلى أن “المنحة ستُصرف على دفعتين، الأولى الأسبوع المقبل والثانية مطلع الشهر المقبل”، موضحاً أن إجمالي المنحة يبلغ نحو نصف مليار دولار”.
عجز هائل في الموازنة
أما أستاذ الاقتصاد أحمد صبيح، فقال إن “على العراق تخفيض حجم مبيعات البنك المركزي من الدولار التي تبلغ الآن نحو 125 ألف دولار يومياً، في حين أن واردات النفط لا تتجاوز 65 مليون دولار يومياً”.
وأوضح أن “البلاد مقبلة على عجز مالي هائل، وأمام البنك المركزي إما الاعتماد على الاحتياطي النقدي وهذه كارثة، أو تخفيض المبيعات أو محاولة رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي”.
وتابع أنه “وفق الأسعار المعلنة في سوق النفط العالمي، فإن برميل النفط العراقي يُباع هذه الأيام بسعر 25 دولاراً، وهذا يعني أن مجمل الإيرادات النفطية لن تتجاوز 2 مليار دولار شهرياً ونحو 23.4 مليار دولار سنوياً، بعد أن احتسبت في موازنة 2020 بنحو 92 مليار دولار سنوياً قبل جائحة كورونا”، مبيناً أن “العجز المالي سيبلغ نحو 108 مليارات دولار وبنسبة 75 في المئة”.
رفع أسعار الدولار
وأشار صبيح إلى أن “رفع أسعار الدولار بنسبة مدروسة، بالرغم من كونه سيتسبّب بتضخم بسيط، سيسهم في سداد أجور الموظفين”.
وأوضح أن “على الحكومة محاولة تقليل نسب العجز في الموازنة من خلال تخفيض رواتب الدرجات العليا في الدولة وإلغاء تخصيصات الصيانة والأجور الثانوية وإيقاف الاستثمار، فضلاً عن حصر الأموال المتوفرة بالرواتب والأجور الأساسية”.
وعن الوسائل المتاحة لتجاوز الأزمة المالية، عدّ صبيح أنّ “من جملة الإجراءات الممكنة، تخفيض قيمة الدينار العراقي وتخفيض التكاليف الفائضة وإيجاد سبل أخرى للإيرادات العامة من خلال الضرائب والجمارك وضبطها”.
واستبعد أن يكون العراق قادراً على الإيفاء بالتزاماته في ما يتعلّق برواتب الموظفين، إذا لم يتَّخذ إجراءات عاجلة.