محمد جبير
هل يمكن أن يقع النصّ في سجنه الذاتي ليكون منغلقا على ذاته بذاته؟ وكيف يفتح لنفسه كوّة تمزق ظلام ما يركد في أعماق النصّ بعثا لروح جديدة تبعث الأمل على الرغم من أن البيت لا باب له؟ وهل وصلنا إلى نهاية الشوط في الحياة حتى نسكن داخل جدران مغلقة؟. وبماذا نفكر عند الوصول إلى نقطة المنتهى؟
أسئلة كثيرة أثارها نصّ «في المنتهى.. لاباب للبيت» للشاعر علي الشلاه والمنشور على الصفحة الأخيرة لمجلة الشبكة، عدد 335 في 24 نيسان 2019، فقد جسّد هذا النص مقطعا مهما من الحياة اليومية للإنسان في واقعه بما يفرزه من أقبية مظلمة وبما يفكر به المبدع من الإخلاص من تلك الجدران والأسيجة التي تسوّر الفكر بسور الظلام، وتطفئ ذلك الوهج الإنساني المتجدد في الروح الطليعية والتنويرية للإنسان للمبدع «لا معنى للحرية بتعدد الجدران، ولا جدران تحجز معنى الحرية المتعدد».
لكن السؤال الذي يبقى سابحا في فضاء النصّ، لماذا الباب؟ ألم يكن في الإمكان تأثيث النصّ بنوافذ أخرى من مكونات البيت؟ ولماذا «في المنتهى» وليس «النهاية»؟ إن اختيار مفردات العتبة النصية تشكّل في حد ذاتها عتبة دلالية وجمالية لمفاتيح النصّ، وترسم خريطة التلقّي في ضوء موجهات العتبة، فهذا النصّ يختلف اختلافا كلّيا عن نصوص الشلاه السابقة، لما يحمله من إشكالية وجودية فضلا عن الإشكالية الواقعية النفسية.
يدرك الإنسان في نهاية المطاف أو مشوار رحلة العمر القصير أو الطويل أن هناك في «المنتهى» مسكنا لا باب ولا نافذة وإنما عتمة خانقة لا تُضاء إلا بفكر إنساني أو منجز يضيء، لذلك يرى الشاعر أن في «الباب لحظة سجن وإن كانت لحظة حرية»،كأنه يريد أن يقول إن الداخل لهذه الدنيا مثل الخارج منها، وهي ليست لحظة يأس أو ضعف وإنما قد تكون نقطة تحوّل جديدة تؤدّي إلى رفض ماهو موجود لخلق ماهو مبتغى، وهذه هي نافذة وباب الإنسان المبدع الذي يكسر طوق الأسيجة ويشتّت ظلام ما يراد له أن يسود على الرغم من إشراقات الأمل في الآتي من ضوء الأيام وليس المترسب من ظلام السجن «ما بعد الباب غاية السجن وغاية الحرية».
تشكل الأشياء مصدرا لغائية النصّ في تشكيل خطابه الثنائي الذي ارتكز على جدلية العلاقة بين الشيء ونقيضه،أو نص ونقيضه،أو المفردة ونقيضها، ليحقق من وراء ذلك غايته في تشكيل صورة مضادة أو مغايرة لما تجسّده مفردات النص،فالباب عتبة حرية وسجن في آن واحد، عتبة خروج ودخول، خروج إلى فضاء الحرية أو السجن، ومثله كذلك عتبة الدخول إلى فضاء الحرية أو السجن، هذا النصّ الإشكالي يثير الأسئلة ويترك الإجابات معلقة، فالنصّ لايبحث عن يقين المفردة بقدر التشكيك بلايقينية كل المفردات المتداولة التي تريد أن تؤطّر حياتنا بالأسوار وتكمّم العقول بغلق نوافذ المعرفة، هو نصّ احتجاج مثلما هو نصّ بوح ذاتي.
«في باب الموت لا تجد بابا
في باب الموت لاتجد بيتا
في باب الموت كن ما تشاء»
ويمكن لأيٍّ منا أن يقرأ هذا النصّ كما يشاء بقدر الوجع الذي يحمله في رحلة آخر العمر وفي حساب الذات قبل الدخول إلى بيت الأبدية حيث لا باب ولا نافذة نطلّ أو يطلّ علينا الآخرون من خلالها هو الانقطاع والعزلة، وهو التواصل عبر روح محلّقة في فضاءات بعيدة ترسم أفقها الخاص لحياة جديدة.