كاظم حسوني
ما كدت افرغ من قراءة قصص كتاب (مرادي المعيل) والذي صدر بطبعتة الثانية للقاص د. سلمان كيوش حتى شعرت برغبة الكتابة لأقول ان هذه القصص الفاجعة بأنسانيتها، الفاجعة بعشقها ، بتمردها ، لا يمكن ان تفيض بالمتعة الهائلة ، وبهذا الزخم المتواصل الا على قلم القاص الذي شغفت بكتاباته من قبل ، د. سلمان كيوش ، فحتى القصب والصرائف والطيور والمراكب والاهوار لن يصفها احد بحذق كما وصفها ،هو ، هذا المزيج الزاخر بالمفارقة والتضاد البارع ، هو مزيجك وحدك صديقي كيوش ، حتى بات لنا ان نزهو بمبدع في الفن القصصي بمستوى لن يقاسمك اياه الا نفر قليل ممن كتب عن الاهوار من المبدعين، وهم الراحل فهد الاسدي ووارد بدر السالم وجاسم عاصي ، وشوقي كريم .. واعتقد ان قصص (مرادي المعيل) من الكتب التي تترك وشمها في ذاكرة القارئ، وهو يتذوق ويستمتع بكل سطر وبكل كلمة، لما تخلفه من أثر في النفس قد لا تحققه الحادثة ذاتها، كما تحصل في صيغتها الواقعية! بما يمتلك القاص من قدرة على تشكيل الحدث وصياغته وشحنه، بحيث يصبح الوهم والتمخيل عميقا ومؤثرا كالواقع، بل يكون اشد تأثيرا من الواقع نفسه! فشخصياته تبق حقيقة ماثلة في الاذهان، شاخصة بشجنها وكدحها وصلابتها، وغرابة عشقها الفريد، ترى اي خيال عارم؟ اي حسية؟ وهو يصنع عوالم مكتضة بالدهشة وحرارة التجربة ، عبر عمق انغماسه وتعلقه ببيئة الاهوار واناسها وطبيعتها الخاصة، وهذا هو شأن الفنان الحقيقي الذي يخلق من التجربة وصنع الخيال واقعا ملموسا ينبض بالإحساس ويفجر فينا اشياء كان يجب ان تقال ، واشياء يختزنها اللاوعي قد لا نجيد التعبير عنها، فقصصه ذات نكهة خاصة بامتياز من امثال (هموم رجل اعور) و(لقاء على اعتاب الستين ) و(صرة فطيم ) و( حميد ) وسواها، هذه القصص لها القدرة اللعب بعوطف القارئ، وتملك عليه قلبه وخياله، فالعشق عنده ملئ بخواطر الموت، وصبواته مضمخة بالخوف، بين مياه الاهوار وغابات البردي والقصب ، بهذا المزج الباهر بين الحقيقي والوهمي، المزج المتواصل بين الحب للناس والاهوار والحيوانات والاهوار والطيور، والمغمس غالبا بالحزن السادر والغادر الذي من شانه ان يرافق كل حب . . لقد وضعت كتابك صديقي د كيوش بقربي وقد شعرت بالأسف حين فرغت منه، برغبة العودة اليه مرة اخرى لتذوق متعته.