النسوية:- هل هي الاختيار الأفضل للكاتبة العربية ؟
عبدالغفار العطوي
هذا الكتاب من تأليف انستازيا فالاسوبوليس، محاضرة في الآداب العالمية جامعة مانشستر بريطانيا وقد كتبت العديد من المقالات عن الكاتبات العربيات، في هذا الكتاب سنتعرف عن كثب على قدراتها في تقديم تصور جيد ومفيد في ستة فصول (سيكون الكلام عن الفصول الثلاثة الاولى) عن روائيات عربيات معاصرات تتوجه به الى القراء غير العرب، كانت المقدمة تهدف الى إيضاح المبررات التي قادت المؤلفة في التحدث عن روائيات نسويات عربيات، أمام نتاجاتهن وهن يطرحن رؤية لم تألفها الثقافة العربية قبلهن، لقد تأثرت بالأمنية التي اطلقتها الكاتبة الفلسطينية آمال عميرة عام 2000 وهي تعوّل على مسألة إيصال اصواتهن للعالم الغربي، حين تشير الى مقتطف من كلام عميرة لو كان هناك (نقد ينبض بالحيوية فيما يختص بالأدب و الثقافة العربية في الغرب، يكون من شأنها ان يرتفع بمستوى النقد الذي يقدر بكل تواضع يشيد الكتاب من النسوة العرب لأنهن تجرأن ان يضعن قلما على ورق، وكانت عميرة تؤكد على جدية الاعمال الادبية المطروحة من الكاتبات العربيات، التي تنبض بالحياة، كان ذلك المقال قد كتبته عام 1996، مما حفز المؤلفة انستازيا على المشاركة مع اخريات، في تقديم دراسات حول الكاتبات العربيات، وتعاطفت كثيرا جدا مع ما كتبته عميرة إن ادب الكاتبات العربيات ليس وثائقيا، ومجمل ما طرحته انستازيا فالاسوبوليس في هذا الكتاب المهم، هو إثبات إن الكاتبات العربيات عندما يتبنين النسوية، فهذا لا يعني نقل العالم المأساوي للمرأة العربية بحذافيره، إنما اشتراط الوعي بالطريقة التي تدار بها إشكالية وجودها بهذا الوضع المأساوي.
في الفصل الاول والمهم تضع المؤلفة من منظور استغرابي الاعمال الادبية للكاتبات في البدايات، هنا اود ان اعرض الطريقة التي تم بها انتقاد اعمال الاديبات العربيات، وكيف تمت مناقشتها بكل اهتمام (ص21)، ولهذا ستكشف المؤلفة عن مفهوم النسوية العربية، وتعكف على مناقشة انخراط الروائيات العربيات بمشروع التوظيف النسوي في مجال الفكرالاجتماعي العربي، ومعرفة اسباب الصلة بين جهودهن في إطار الانثوية والتمثيل ما بعد الكولونيالي، وبذلك تكون تلك الصلة طريق مرور لما بعد الحداثة، و تعترف انستازيا ان النسوية العربية لها تاريخ طويل غير محدد، وهو مفهوم معقد في الشرق الأوسط ( ص31) يرتبط في بعض تداخلاته بالتأثير الأجنبي، الذي احكم على الوعي التخيلي الشعبي، ولما ارادت الكاتبة العربية النهوض به اصطدمت بعقبة التداخل بين تصور الفكر العربي التقليدي للمرأة، و بين التصور الاستشرافي لها، حتى إن حركة النهضة و الخطاب الاصلاحي ساهم في سياق رسم الصورة الاستغرابية عن المرأة، لهذا لم تجد الكاتبة العربية سوى الاعتقاد بالأثر الاستعماري في الوقوف حائلا دون تخطيها عقبة الايمان، بأن مفهوم النسوية العربية قوبل بالتعرض للمماحكات الاستعمارية، من هنا وجدت الكاتبات العربيات إن ادوارهن يجب ان تقف امام وعي الاثر الاستعماري في مجتمعاتهن، لنجد الكاتبات الجزائريات هن اوفر حظا، وذلك لبقاء الاستعمار الفرنسي مدة اطول، و ممارسته القمع الثقافي الى جانب القمع العسكري، فالخطاب ما بعد الكولونيالي الذي هو رد فعل للفعل القهري، الذي مارسه الفرنسيون في المغرب العربي ادى الى تبني الكاتبات الجانب التحريضي لمفهوم النسوية العربية باعتباره تحديا لأفاعيل الخطاب الاستعماري.
نمط النسوية لدى الكاتبة السعداوي
الفصل الثاني تناولت انستازيا الكاتبة نوال السعداوي و إشكالية النسوية الراديكالية، التي لم تكن نوال السعداوي تدرك إنها أدخلتها على ثقافة عربية، بيد إنها أشارت الى ثلاث سمات دقيقة تشكل نمط النسوية لدى السعداوي، الاولى الانتقال التتابعي لها من الطب الى السياسة ثم الرواية، أي انها لم تدخل للرواية من باب النسوية، بل تدرجت باكتشاف النسوية في عالم غير الرواية، لهذا توزعت مجاهراتها وتصريحاتها الصادمة للفكر الاجتماعي العربي التقليدي وهي تمتهن الطب او وهي تجرب السياسة، فالسمة الثانية لم تغط اعمالها الروائية عندما تجاوزتها الى المجتمع غير المهتم بالرواية، حتى ان السعداوي لم تنتج رواية ذات مستوى فني جيد، و السمة الثالثة (ص86) الروايات المبكرة لها ما انتجته من تصورات اغلبها تتعلق بالأنثوية، و علقت الكاتبة الجزائرية آسيا جبار في مقدمتها للترجمة الفرنسية لرواية (امرأة عند نقطة الصفر) ماالرواية الانثوية باللغة العربية اولا هي عبارة عن سرد، هنا إنما هو صوت صادر من جهنم الخ.
الفصل الثالث يتعلق بالحرب، وحينما يكون الابداع في مواجهة الخطر، بعض الروائيات العربيات عشن تجربة مريرة مع الحرب (روائيات الحرب اللبنانية) وتصف نوال السعداوي الحرب بالخطر: هل يوجد شيء أكثر من الخطر يمكن ان يحفز ابداعنا؟ هل هناك شيء يمكن ان يهدد ابداعنا أكثر من الخطر؟ في (غلاف الابداع و الخطر) حيث لا يد ان تساهم النساء في الحرب من قريب اومن بعيد، بل وتأتي قصص الحرب سواء على لسانها اوهي ضحيتها، و الاكيد إن المرتبة الاولى ان تفترس المرأة الحرب ( والحرب اللبنانية حصرا ) تقول الكاتبة اللبنانية إيفلين العقاد ان النضال السلمي هو الاستراتيجية الوحيدة المفعمة بالأمل و القابلة للتطبيق (الجنس و الحرب اقنعة اديبة الشرق الاوسط(ص118) لهذا كتبت المرأة في الحرب كي تثبت مصداقية رؤيتها للسلم، وجاءت الروائية اللبنانية حنان الشيخ في روايتها (قصة مريم) كي تعطي درسا في قدرة الكاتبة العربية في تبنيها للنسوية رغم النقد الموجه لها على اعتبار ان بطلة الرواية زهرة قد وجدت الحرب فرصة لتظهر جرأتها في مناكفة الحرب.
إحالات: الروائيات العربيات المعاصرات تعبير ثقافي في سياق تأليف أنستازيا فالاسوبوليس ترجمة سمير محفوظ بشير2017 المركز القومي للترجمة القاهرة الطبعة الأولى.