رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 29
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
المصالحة المؤقتة بين البارزاني
و المكتب السياسي
* بعد رجوعكم الى كردستان كيف كان تعامل الملا مصطفى معكم؟
– عندما عدت من إيران ذهبت مع بعض الرفاق الى الملا مصطفى، لم أكن مكروها جدا بنظره بعد، فقال “إبقوا شهرين أو ثلاثة ثم سنجلس لنتفاوض معا”..ووفر لنا الملا مكانا لمبيتنا بالقرب من مقره في منطقة بالكايتي. وبعد إنتهاء المهلة ذهبنا اليه وقلنا له “لقد مضت المدة التي وعدتنا بها وها نحن جالسون بلا شغل ولاعمل، وإتفقنا أن نوحد الحزب أو نبحث عن حل آخر فماذا تقول الان”؟، قال “حسنا، إذهبوا أنتم الى (دولة رقة) وأقيموا لكم هناك مقرا، وسآتيكم بعد أيام لنتباحث معا لحل المشاكل”. ذهبنا الى هناك وبعد فترة جاء الملا مصطفى وأمضينا معه بعض الوقت نتفاوض معا، وشيئا فشيئا تبين لنا بأنه لا فائدة ترجى من بقائنا معه، وخاصة أنه تلك الفترة جاء حميد عثمان الذي كان يعمل لصالح الحكومة ويقبض راتبا منها، فأنيطت به مسؤولية محددة وهي أن يحول دون نجاح تقاربنا وتصالحنا مع الملا مصطفى.وسبق أن إلتقى بالملا مصطفى وتحدث معه طويلا. وكان حميد هذا رجلا ماكرا، رغم أنه يظهر نفسه بائسا، ولكنه في الحقيقة كان ثعلبا في جلد خروف ومتآمرا من طراز عجيب، وأفهم البارزاني بأنه في حال تصالح معنا فإننا سوف نسيطر على الحزب وننحيه، وأن الناس جميعا سينضمون إلينا، كما أبلغه بأنه بسبب ضعف وهوان الحزب الشيوعي، فإننا سنكون القوة المركزية الأولى في الساحة وسيكون لنا نفوذ كبير وسط الجماهير.
* وما كان موقف البارزاني مما سمع، وهل إستمع الى مثل هذه النداءات، وما كان قراركم النهائي في التفاوض معه؟
– لقد تراجع الملا مصطفى من كل التعهدات التي قدمها لنا، فقلنا له “أنت وعدتنا بأن تفرج عن علي حمدي ومحمود حاج توفيق وعدد آخر من كوادرنا ولكنك لم تفعل”؟، أجاب “أنا سأذهب الى ماوت ثم عند رجوعي سألتقيكم ونحاول أن نتفاهم وسأطلق سراح المذكورين”، ولكنه حين مر من هناك شدد عليهم أكثر، وعلمنا ذلك من مصادر زرعناها عنده على مستوى التنظيمات والبيشمركة وحتى المكتب التنفيذي كنا نتلقى منه الأخبار أول بأول. فكان مصطفى قرداغي صديقا مقربا لي ويعلم بكل شيء هناك، ولذلك كان يمدني بالأخبار ويحيطني علما بما يجري عندهم، ومضت فترة أشهر لم أسمع منه شيئا خاصة فيما يتعلق بوعود الملا مصطفى، وكنا قد قررنا مسبقا أن الملا إذا تراجع عن تكليف رفاقنا بالقيادة بمسؤوليات في ظرف ستة أشهر، عندها سنكون في حل من إلتزاماتنا معه وعلى رفاقنا أن يهربوا من هناك ويتجهوا الى المدن لإعادة تنظيم صفوفهم والبدء بالنضال السري كي لايبقوا تحت رحمة الملا مصطفى.
الفترة التي قضيناها بدون أي عمل كنا نعتبرها إقامة جبرية فرضت علينا، وبعد ستة أو سبعة أشهر تلقينا خبرا مفجعا وهو إخراج علي حمدي من سجن ماوت وقتله، وفي البدء لم نصدق أنه قتل، ولكن بعد التحقيق تأكدنا بأن علي إبراهيم درويش مدير السجن قد أخرجه بذكاء ثم قتله.طلبوا من علي إبراهيم أن يخرجه ثم يقتله،
لكنه كان فطنا فقال إذا لم تأتوني برسالة خطية من الملا مصطفى لن أفعل شئيا كهذا، وإستحسن البارزاني موقفه هذا طن أنه دليل على إخلاص شديد من علي إبراهيم، ولذلك كتب الرسالة بخط يده قال فيها “يجب تسليم علي حمدي للقتل، فهو خائن”.
وكان قتل علي حمدي إشارة مرعبة لنا، لأننا تصالحنا معه، وكان علي حمدي أكثرنا إتزانا من بين أعضاء اللجنة المركزية، وكان بحق رجلا مناضلا وأحد الكوادر الأساسية في الحركة التحررية، وهو رجل نزيه طاهر الكف يشبه الدراويش المتصوفين في عشقه للنضال من أجل شعبه، وكان أحد مؤسسي البارتي وحزب رزكاري وله دور كبير في إعلان الثورة بمنطقة بهدينان، ولذلك كان قتله كارثة حقيقية.
* وهل مقتل كادر حزبي يكفي لإندلاع القتال بينكم مرة أخرى، أم كانت هناك أسباب و دوافع أخرى؟
– فعلا لم يكن مقتله هو السبب الأساس.فبعد فترة قصيرة حلت كارثة أخرى، حين نقل الينا نوشيروان فؤاد مستي وهو أحد عناصرنا المزروعة عند الملا مصطفى برسالة مكتوبة بخط يد البارزاني عممت على جميع امراء الهيزات يقول فيها: “كل من ينتمي الى جماعة ابراهيم احمد وجلال طالباني اقتلوهم البتة “بمعنى ان كل من يثبت انتماؤه لنا يقتل دون تردد.وأحدثت هذه الرسالة دويا كبيرا وسط قوات البيشمركة، لأنه كانت لنا مئات العناصر من البيشمركة بينهم وكنا نخاف ان يقتلوهم جميعا وهذه ستكون كارثة كبرى.
إعلان الحرب على المكتب السياسي
* السؤال الكبير هو، كيف تجاسر البارزاني بطلب قتلكم جميعا و بهذا الشكل العلني؟
– الرسالة مازالت موجودة وتم نشرها في وقته بمجلة رزكاري وجريدة خبات، كنا نفكر بالرحيل فأرسل مصطفى قرداغي خبرا يقول فيه “أبلغوا مام جلال كي يحذر من تحركاته”، فأخذنا إحتياطاتنا. وذات يوم كنا أنا وحلمي علي شريف لم نكن متزوجين بعد، ولكن النوريين (نوري شاويس ونوري أحمد طه) والعليين (علي عبدالله وعلي عسكري) متزوجون فطلبوا الرخصة من الملا مصطفى لزيارة عوائلهم. وسأروي لك حادثة قد لا تصلح للنشر ولكني سأرويها وشهودها مازالوا أحياء، كانت تلك المرة الأولى التي يتلقى فيها نوري شاويس شتيمة مقذعة، فقد كنا أرسلنا عبدالرحمن روتة الى الملا مصطفى لكي يسترخصه في إجازة الإخوان المتزوجين، وكما قلت سابقا عبدالرحمن هذا يرتبط بصلة قرابة مع نوري شاويس وهما أبناء أخوال، وحين رجع من عند الملا كنا نتمشى و وصل عبدالرحمن الى قرب علي عسكري الذي بادره بالسؤال “ماذا حصل هل وافق على طلبنا”؟، فأجابه “لا والله لم يوافق”! فسأله علي “وماذا قال”؟، أجاب “لقد شتمكم ولكن أعفوني من نقلها”، وكانت لدى علي عسكري عادة غريبة وهي أنه يضحك في كل المواقف، كنا بعيدين عنهما، ولما جاء روتة إلينا توقعنا أن تكون لديه أخبار سارة، وكان علي عبدالله يتمشى وسبحته بيده، و نوري شاويس متمددا تحت الشمس، وأذكر هذا المنظر جيدا، وكنت أنا و نوري أحمد طه و حلمي نتحادث فصاح علي عبدالله من بعيد “ها روتة أسد أنت أم ثعلب”؟، فأجابه “ثعلب”!، سأله “ولم”؟، قال “لم يرخص لكم بل شتمكم “سأله علي ثانية “وما كانت شتيمته”؟، قال روتة “لا، أعذرني فهي شتيمة قبيحة جدا لاأستطيع ذكرها”، فقالوا جميعا “بالله عليك قل لنا ماكانت شتيمته”، قال “يقول الملا لا أسمح لهم بالإجازة”، سألته ، ولم ؟ “فبدأ بتوجيه شتائم مقذعة ( … )”،. وقال علي عبدالله “أوف..كم هو شخص لعان وقذر اللسان “، قالها هامسا خوفا من أن يسمعه أحد، وقال نوري شاويس كلاما لايصلح للنشر هنا. هذا الموقف وكذلك قتل علي حمدي و رسالته التهديدية بقتل البيشمركة كل ذلك عقدت المشاكل أكثر فأكثر، وحل الشتاء وفي شهر كانون الثاني عام 1966 فوجئنا ذات يوم بزيارة عدد من البارزانيين يحملون معهم رسالة من إدريس البارزاني الى حلمي علي شريف.
* ما كانت فحوى الرسالة؟
– يقول إدريس في رسالته “بناء على أمر من البارزاني عليكما ( يقصد حلمي وأنا) أن تلتحقا بنا وتنقلا مقركم إلينا”، وكان قائد هذه المجموعة هو أحد البارزانيين الذين درسوا في روسيا، وكان بينهم عدد ممن لهم ميول نحو الحزب منهم حمدأمين ميرخان، سألته “وأنت ما رأيك، هل تنصحنا بالذهاب إليه “؟، فقال “هذا أمر يعود إليكم، وإذا أردتم سنعطيكم مهلة يومين لتفكروا بالأمر”، قلنا “حسنا”. وفي المساء أخذ هذا الشخص بيد علي عسكري ونحاه جانبا وقال له “أتقسم لي إذا كشفت لك سرا أن لا تأتي بإسمي”، أجابه “نعم أقسم”، قال “حسنا إسمعني جيدا، لقد كلفنا بأخذ حلمي ومام جلال وأن نقتلهما في الطريق بحجة أنهما حاولا الهرب ونحن صحنا بهما لكنهما لم يتوقفا ولذلك قتلناهما معا”. وأضاف “أرجوك إكتم ذلك فإذا ظهر بأنني قلت لك هذا تعرف ماذا سيكون مصيري ومصير عائلتي، كلنا سنتعرض للإبادة”(5).
لم نكن نجتمع في مكان واحد، كنا نسكن في واد بعيدين بعضنا عن بعض، وكنت أنا وحدي أسكن في منطقة بعيدة عنهم مشغولا بالكتابة، وإخترت ذلك المكان بالتحديد لأكون بعيدا عنهم وأنشغل بالكتابة بعد أن حصلت على بعض الكتب والوثائق وبدأت بتأليف كتابي “كردستان والحركة القومية الكردية”، وذات ليلة طلبني للإجتماع النوريان والعليان وعمر دبابة وحلمي.
* وأين كان الأستاذ إبراهيم أحمد والأعضاء الآخرون، وهل قررتم الذهاب الى الملا مصطفى؟
– كان الأستاذ إبراهيم في طهران، وسيد عزيز في إيران، والبقية مختفون، حدثني علي عسكري بما سمع، وتناقشنا فيما يمكن أن نفعله؟،
وبعد نقاش طويل قررنا أن لانذهب، وكان ذلك قرار الجميع نحن السبعة، وكنا قد قررنا مسبقا أنه إذا لم يسلمنا الملا مصطفى أي عمل خلال ستة أو سبعة أشهرعندها سنعود الى داخل المدن ونمارس عملنا هناك بصورة سرية.وفي الصباح التالي ذهبنا الى عباس مامند اغا وقلنا له “كاك عباس لقد أرسلوا بطلبنا وينوون قتلنا”.
فتقدم بإقتراح ينص على أن يرسل هو ببرقية الى الملا مصطفى يقول فيها انه بدلا من حلمي ومام جلال قررنا أن نأتي إليه جميعا ثم ننتظر ماذا يكون رده عندها نعرف حقيقة نواياه”.
وقررنا أن نمضي نحو (سيتەك) ونأخذ الشيخ لطيف معنا في الطريق، ثم نسير عبر طريق (خدران) لكي نبلغ كاكة زياد اغا بالموقف حتى لايقع هو أيضا فيما لا يحمد عقباه. وفي الصباح أبرق عباس اغا الى الملا بتلك البرقية فجاء الرد “لاحاجة لأن تأتوا جميعا، فليمتثل جلال وحلمي للأمر ويذهبا الى إدريس وأنا سأراهم فيما بعد”.
المشاركة في الحكومة بوزيرين من إتجاهين مخلفين
* هل صحيح أنه كان مقررا أن تعينوا وزيرا منكم و آخر عن البارزاني في الحكومة الجديدة؟
– نعم هذا صحيح، فالحكومة قررت تخصيص حقيبتين للكرد، نحن من المكتب السياسي رشحنا الأستاذ فوزي جميل صائب، وجماعة الملا رشحوا اللواء أحمد كمال الكركوكي، ولكنهم أبلغوه مسبقا إذا عين ممثلنا وزيرا فعليه أن ينسحب، هاتفني الأستاذ فوزي وقال “لقد أرسلوا بطلبي في القصر، وأعتقد بأن الأمر يتعلق بأداء القسم، قلنا له “حسنا، شايف خير”، ولكن بعد أن ذهب فوزي الى القصر الجمهوري أبلغوه أمام الباب بأن إسمه ليس مدرجا ضمن قائمة الوزراء!، ويبدو أن أحمد كمال سبق فوزي بالحضور و أبلغ عبدالرحمن وغيره بأنهم إذا قبلوا بفوزي وزيرا فإنه سينسحب بأمر البارزاني، وأنه في هذه الحالة سيعاود البارزاني قتالهم. لقد أراد أن يظهر نفسه كحمامة سلام، ولذلك إقتنع عارف ومن معه بما طرحه كركوكي، وقالوا “إن جماعة المكتب السياسي هم رجال وطنيون وسيتفهمون موقفنا ونستطيع إقناعهم”، وهكذا خلت وزارة ناجي طالب من ممثل عنا رغم أننا كنا نود ذلك بشدة.
لم يكن الأستاذ فوزي عضوا بالحزب، لكنه كان صديقا مقربا لنا، وأحدثت هذه الواقعة ضجة كبرى، ولكني لست نادما على ماحصل الى اليوم، فناجي طالب كان رجلا هادئا ومحترما ذا أخلاق عالية، وكان شيعيا وطنيا ومن الضباط الأحرار وصديقا مقربا من عبدالناصر، ولم يكن يـستحق قتله وإعدامه.
كما ضـمت وزارته شخصيات وطنية كبيرة مثل أديب الجادر الناصري الوطني الذي تولى وزارة الصناعة.
جماعة الملا و جماعة طالباني (جلاليون و ملائيون )
* أظن في ذلك الوقت أطلقت عليكم تسمية (جماعة جحوش 66) أليس كذلك؟
– في تلك الفترة شنت جماعة الملا مصطفى حملة دعائية كبيرة ضدنا، وصفونا بالجحوش وخدم الأجنبي، وبالمقابل وصفناهم بجحوش السنتو والإستعمار وبأنهم يريدون تسليم إرادة الحركة التحررية للإمبريالية.
* حسنا، لماذا وصفوكم بجحوش الحكومة، ألم يكونوا هم أيضا مع الحكومة؟
– هذا صحيح، لقد حللوا لأنفسهم ما حرموها علينا!، أجازوا لأنفسهم أن يأخذوا مساعدات ورواتب شهرية من الحكومة وأن يكون لهم وزراء فيها ويصدروا جرائدهم، ولكن حرام علينا ذلك. وكانوا بالأساس يشنون هجماتهم علينا بالدعم المادي الذي يتلقونه من الحكومة، وبأسلحة الحكومة و رصاصاتها حاربونا، والحكومة سمحت بأن تمر قواتهم من داخل السليمانية لمهاجمتنا.كنا نقول لهم، إذا كانت العلاقة مع الحكومة أمرا مشينا، فلماذا تتعاملون معها؟، إذا كانت الحكومة سيئة الى هذه الدرجة فلماذا تشاركونها بوزرائكم؟، قلنا بأن الملا مصطفى يريد إحتكار الساحة لنفسه وأعوانه ولذلك يريد خلق الفتنة وشن القتال الأخوي ضدنا. لقد كان الملا يبحث عن ذريعة لكي يحلل القتال الأخوي وذلك بوصفنا بجحوش ومرتزقة.
وقع القتال، وكانت الحرب سجالا بيننا، مرة نهزمهم ومرة يهزموننا، ولكننا صمدنا ولم نتزجزح من مناطقنا، وكانت الحملة شديدة خاصة حين كانوا يروجون لكذبة بأننا أخضعنا أنفسنا لإيران، ولذلك بادرنا فورا بإعادة الأستاذ إبراهيم أحمد من إيران وقطعنا علاقتنا معها، وكانت الإتهامات متبادلة بيننا، نصفهم بالذيلية للإمبريالة وحلف السنتو وإيران وإسرائيل، ونؤكد بأنه سيأتي يوم وتتكشف فيه كل الوثائق عن تلك العلاقات المشبوهة، وسنقدم شهادة شمس الدين المفتي دليلا على تلك العلاقات.
* وما كانت طبيعة علاقتكم مع القوى العراقية الأخرى آنذاك؟
– كانت علاقاتنا مع الحزب الشيوعي والأحزاب القومية جيدة، وللحقيقة والتايخ أقول كان موقف الشيوعيين منقسما بين جماعة عزيز الحاج المعروفة بـ”القيادة المركزية”، وجماعة اللجنة المركزية، هذه الأخيرة كانت ترفض حرب الملا مصطفى ضدنا، وعلاقتنا معهم لم تكن سيئة، ولكنهم حاولوا أن يسبغوا بعض الشرعية على تصرفات البارزاني ويرفضوا الدخول معنا بجبهة سياسية كما أن علاقتنا مع الحركة الإشتراكية العربية وحزب الوحدة الإشتراكية الناصري والجناح اليساري لحزب البعث وحزب العمال الثوري اليساري جيدة أيضا. وللتذكير فقد حاولنا مرتين أن نستولي على الحكم مع هذه القوى الصديقة. المرة الأولى عام 1966 وأخرى في عام 1967.
فـقد كـانت علاقـتنا جيـدة جـدا مع الـقوى العربية وتشهـد تـطـورا ملـحوظا خصوصا مع مصـر، وكنا عـلـى إتـصال دائم بسـفارة مـصر في بـغداد، وذهبـت الى بيـروت وجـاء مـنـدوبين عـن عبدالناصر و إلـتقيناهم ووعـدونـا بـوعــود طيبة و أن يمـدوا لنا يد المساعدة.