خلافا لما هو معتاد في قبب المجالس النيابية في دول العالم المتحررة يريد بعض اعضاء مجلس النواب العراقي ترسيخ معالم الهيمنة الحزبية وعدم التخلي عن ثقافة الاستبداد في فرض الآراء من خلال القبول والاستسلام للأوامر والتوجيهات المركزية الصادرة من زعماء كتلهم السياسية التي تستهدف مصادرة آرائهم وتدوس على اراداتهم وتضحي بمواقفهم من اجل ان يعلو صوت الزعيم داخل قبة البرلمان.
ويستغرب المرء حينما يؤمن مثل هؤلاء النواب بهذه الفلسفة المتزمتة التي لا تليق سوى بالمتملقين والمتزلفين لملوك الاستبداد وانصار الديكتاتورية حينما كانوا يصوتون بطاعة عمياء خلف سيدهم وهم بذلك يفرطون بالفرصة الكبيرة التي حملتهم الى داخل اعظم مكان يمكن فيه استيعاب آرائهم بكل حرية ويكفل لهم الدستور صيانة حقوقهم في التعبير عن ما يشاؤون ويحصنهم من اي اعتداء او استهداف خارج قوانين السلطة التشريعية.
وقد يكون مفهوما ان يكون هناك تنسيق وبحث عن المصالح الحزبية داخل قبة البرلمان بما يتسق والاهداف والشعارات التي ترفعها تلك الاحزاب في حملاتها الانتخابية وقد يكون مفهوما ايضا احترام اصوات واراء زعماء الكتل والاحزاب السياسية لكن غير المفهوم هو الانقياد الاعمى من دون تبصر او حكمة او اتزان خلف مفاهيم مشوهة وقيم غريبة يؤمن بها بعض رؤساء الكتل ينظر اليهم البعض على انهم رموز في العملية السياسية الجارية في العراق ومن المهم القول هنا ان رمزية البعض من هؤلاء لا يدين بها سوى جمهور فاقد للوعي يتحرك بحركة القطيع ويستجيب لعناوين العاطفة الجياشة وتتحكم فيه بعض التقاليد البالية وبالتالي لايصح القول ان من تبوأ المقاعد العليا داخل قبة البرلمان وحاز اكثر الاصوات هو بالضرورة يمثل الارادة الشعبية بمعناها الجمعي وتكمن خطورة مايجري اليوم داخل قبة البرلمان العراقي من انعكاسات الولاء الكامل لزعماء بعض الكتل في التصويت على بعض القضايا المصيرية التي تتعلق بمستقبل الشعب العراقي وتتطلب مواقف وطنية عابرة للطوائف والمنافع الحزبية فاذا لم يملك بعض اعضاء مجلس النواب اراداتهم في هذا المكان واذا تم مصادرة حرية ارائهم في مثل هذه الفعاليات فان الاسس والاهداف التي بنيت عليها النافذة التشريعية تصبح مهددة وفاقدة لأهميتها ولربما تتحول قبة البرلمان في مثل هذا الانحدار والتشويه الى اداة لإجهاض كل محاولات الاصلاح والبناء وتؤسس لمرحلة من التخريب والهدم لكل مايتطلع اليه الشعب العراقي وما يتمناه وينتظره من اعلى واقوى سلطة تشريعية في البلاد .
د. علي شمخي