عبد الناصر النجار
انتهت جولة جديدة من المواجهات الأسبوع الماضي بين قوات الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة، ولأول مرة تعترف الصحافة الإسرائيلية بنحو كامل وحتى المحلّلون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون بأن إسرائيل مُنِيَتْ بهزيمة في هذه الجولة، وأن حماس حصلت على وقف إطلاق نار بعد إطلاقها أكثر من 500 صاروخ وقذيفة باتجاه إسرائيل.
الجولة الجديدة بعيداً عن الانتصار والهزيمة كشفت عن عدة عيوب تشكل كارثة لأقوى جيش في المنطقة، والسادس أو الخامس على مستوى العالم على وفق بعض التصنيفات.
القضية الأولى، أكدت فشل منظومة «القبة الحديدية» وهو منظومة صاروخية إسرائيلية اخترعت من أجل التصدّي للصواريخ قصيرة المدى وحتى القذائف الصاروخية.
لقد أنفقت وحدات البحث العسكرية الإسرائيلية أموالاً طائلة لإنتاج هذه المنظومة، ونصبت قوات الاحتلال العديد من بطارياتها ابتداءً من حدود قطاع غزة وليس انتهاءً بمنطقة الخليل والبحر الميت وحتى مناطق غرب رام الله.
في المواجهة الأخيرة هناك إجماع إسرائيلي على أن هذه المنظومة فشلت في اعتراض الهجمات الفلسطينية، وأن كثافة إطلاق القذائف الصاروخية شتّت هذه المنظومة، وأثبتت عجزها عن ملاحقة هذه القذائف، إضافة إلى الكلفة الباهظة لكل صاروخ مطلَق من أجل التصدي لقذيفة واحدة.
روج جيش الاحتلال لهذه المنظومة في العالم، ونشر معلومات وأخباراً تقول إن بعض دول المنطقة ابتاعت هذا النظام من إسرائيل.
القضية الثانية، أن حماس لم تكن ترغب في التصعيد الشامل، بل أكثر من ذلك كانت تعي أهمية تخفيف ردود الفعل الإسرائيلية، والدليل على ذلك ما حدث للحافلة العسكرية التي تعرضت للتدمير بصاروخ «حمساوي».
وسائل الإعلام الإسرائيلية بشتى انتماءاتها السياسية، أعطت مساحات واسعة لتغطية الحدث، وأجمعت على أن حماس كانت قادرة على قتل عشرات الجنود لو كان هناك قرار بذلك، ولكنها اكتفت بإرسال إشارة مهمة وخطيرة إلى الجانب الإسرائيلي، وقد نجحت في ذلك، وربما اسهم هذا الحادث، أيضاً، في سرعة عقد الهدنة.
القضية الثالثة، انكشاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث إن مناطق مأهولة تعرضت للقصف وأصيبت مبان سكنية بنحو مباشر بالصواريخ، بل إن وحدات الجبهة الداخلية والإطفاء الإسرائيلي لم تتمكن من معرفة أن هناك قتيلاً وجرحى في أحد المباني التي تعرضت للقصف، وبعد إلحاح كبير من قاطني المنطقة عثر على القتيل والمصابين.
هذا الحادث، أيضاً، أكد أن الجبهة الداخلية على الرغم من كثرة الحديث عن تحصيناتها والأموال الطائلة التي أنفقت عليها ضعيفة وأن الحقيقة ربما تكون عكس ما تشيعه السلطات الإسرائيلية عن تماسك جبهتها الداخلية.
بالمقابل، حافظت قوات الاحتلال على ما يبدو على نوع من التوازن بحيث إنها قلصت عدد المستهدفين ما حال دون وقوع عدد أكبر من الشهداء حتى لا تصل الأمور إلى درجة اللا عودة والدخول في حرب شاملة. ولذلك كانت هناك إنذارات بإخلاء المباني للحيلولة دون سقوط عدد كبير من المدنيين كما حصل في عدوان العام 2014.
ربما كانت القضية الأهم في المواجهة الأخيرة أن حركة حماس خرجت أقوى، بل تمكنت من الحصول على جرعة أوكسجين طويلة المدى خفضت وتيرة انتقادها، فعلى المستوى الإعلامي لوحظ أن الحرب الإعلامية توقفت بين الضفة والقطاع بمعنى بين السلطة وفتح من جهة وحماس من جهة أخرى، واختفت عبارات التخوين والعمالة وبيع الوطن والاستسلام وغيرها من المصطلحات.
حماس اليوم لديها قدرة أكبر على المناورة سواء لفرض الهدنة طويلة المدى التي ربما تستمر سنوات إذا ما تم تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة وإعطاء الحركة متنفساً واسعاً سواء مالياً أو اقتصادياً أو حتى في حرية الحركة.
القضية المهمة الأخرى، تأثير هذه الجولة من المواجهات على المصالحة وإنهاء الانقسام.
من الواضح الآن أن إنهاء الانقسام لم يعد على الأجندة في غزة، بقدر قضية رفع الحصار.
وإذا ما خفف الحصار وأقيم ممر مائي باتجاه قبرص خلال أشهر، وفتح معبر رفح فترات طويلة وبشكل شبه دائم، وتدفقت الأموال من الخارج، وازدادت تحويلات المغتربين القدامى والجدد، فإن إدارة الانقسام تصبح واقعاً، وإنهاءه مجرد ذكريات ليس إلاّ.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية