افرزت الاحداث المتوالية في العراق تمايزا طبقيا اسهم القرار الحكومي الى حد كبير في توسعته حتى باتت هناك هوة كبيرة بين من هم بقرب مكامن السلطة والنفوذ وبين من هم في ادنى درجات المعيشة والمتمثلة بملايين الفقراء الذين هم مضطرون للاكتفاء بمستلزمات العيش البسيط والاقتصار على ما تجود به مهاراتهم اليدوية من اجل تأمين غذاء وحاجات عيالهم واذا كان النظام الديكتاتوري السابق عمد الى تمييز افراد الطبقة الحاكمة بمجموعة من الامتيازات والعطايا والتسهيلات الا ان النظام القضائي والرقابة المالية في ذلك الوقت تحكمت الى حد كبير في مقدرات المال والاقتصاد ولم ينفذ من منظومة القوانين وسوط السلطة سوى مقربين من العائلة الحاكمة واتباع ارتبطوا بمصالح مالية واقتصادية برموز السلطة وكان من المأمول ان تنهار منظومة الاستئثار والجشع والاحتكار مع انهيار النظام وان تؤسس في البلاد قاعدة اخرى من منظومة القوانين تأخذ بنظر الاعتبار ماتم استباحته من المال العام وماتم سرقته من ثروات وان تستعيد المؤسسات المعنية بالقضاء ماتم تهريبه خارج البلاد وماتم الاستئثار به في الداخل الا ان ماحصل فعلا هو انطلاق حركة التفاف على ماجاء به الدستور العراقي وافراغ محتوى القرارات التي صدرت عن هيئة المساءلة والعدالة وتمييع مجموعة القرارات التي صدرت عن جهات قضائية تتعلق بملكية عقارات الدولة التي هي ملك للشعب العراقي جرى التغافل عنها وتحريفها وتزويرها بما ينفع مجاميع مختلفة ارتبط قسم منها بشخصيات سياسية مثلت دور المعارضة للنظام السابق وقسم آخر ارتبط بالاحزاب والكتل التي اسهمت في تشكيل الحكومات العراقية تدعمها قوى مسلحة تمثل الفصائل والميليشيات التي اخذت على عاتقها حماية هذه الاحزاب والكيانات وشخوصها فيما توسعت شبكة الفساد المالي بمشاركة مجموعة من الموظفين الاداريين في المؤسسات العراقية وجرى تقاسم المنافع المالية بين من هم في الداخل وبين من جاءوا من الخارج تحت مسمى قوى المعارضة والتغيير في العراق ولم تنفع القرارات والخطوات التي تبناها رؤساء الوزراء في الحكومات السابقة في ايقاف النهب في المال العام ولم تنفع تأسيس منظومة هيئة النزاهة التي تبنت انبثاقها سلطة الائتلاف المؤقتة بزعامة بول بريمر في وضع حد لمسلسل السرقات في العراق واسهم هذا التراجع والفشل في صنع النظام الطبقي الذي يعيشه العراق اليوم وهو يمثل انتكاسة كبيرة في صنع العدالة المجتمعية وتكريسا لمظاهر الدولة العميقة التي تضيع فيها معالم سلطة القانون وتبرز فيها سلطة الفصائل المتناحرة حول المال العام .
د. علي شمخي
ردم الهوة !
التعليقات مغلقة