على مشحوف سومري
فهد الصكر
” في الطريق الى الناصرية .. قد يصادفك مشحوف، لم يكتب عليه لفظ الجلالة، إنه يعود لبوذا، وقت جاء يتعلم العزف الجنوبي، في مضارب بني أسد.
نسيه عند جدتي التي أورثتني الضلالة السومرية اللذيذة
قد تسقط نظراتك على أطلال بئر، تحرسه أفعى خضراء
هذا منبع الأهوار، التي سكنها شعب يتلو على نفسه فقط الأبوذيات التي تكتبها النسوة، مدافة بالطين وبقايا القصب، ربما تسمع وأنت ذاهب الى الناصرية، أصواتا لم تسمعها، لا عليك، قبلك تحدثت (أجاثا كريستي) عن القطارات الصاعدة من البصرة الى بغداد وهتفت ” يا الله .. يا الله حتى أصوات القطارات تتغير حين تمر في الناصرية “.
من هنا ندرك أن هذا الفتى السومري، متشابه ومتوأم الى حد الثبات مع ناصريته التي أدهشت (أجاثا كريستي).
ومن هنا ندرك أيضا يعود بقصائده الى سحنته الأولى، أبجدية الأهوار والقصب والطين، أنها تراتيل قداس وحده يعلم صدى نواقيسها، وما تعني حين تعلن عن ولادة الشعر والفنون الأخرى في مدينة فطمت أو فطم أبناؤها ” أبوذيات ” الحزن السومري ومعنى الحب، وخطيئة اللون والحرف.
و” بريد الفتى السومري ” الذي وقعه الشاعر الفتى عدنان الفضلي، ليصدر عن الأتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، موشحا بلوحة الفنان المبدع ” محمد هاشم المنشد “.
يقول الفتى السومري
” لي …. ممكنات العشق والخبل
ودوني … هذيانات الذين تراخوا عند مدخل الإشتهاء
بكفي .. قبضت على غيمة وردية
سحبتها الى حقل أشتهائي .. فأمطرنا معا ”
إذن للبريد درب، ضوء معالمه ” غيمة وردية ” حبلى بالوضوء والمطر، تمتد حكاية لمدى الفتى السومري، وهو يحاكي شجن جنوبه المدجج بلحن الهوى، القاطف من أقصاه لعنة الجمال الذي لا يشبه بالمعنى أي جمال في ملكوت، هو وحده من يقرأ مساماته، فتى سومري القصيدة والعشق الناصري.
يبوح الفتى السومري
” من أول السين
الممتدة الى سقف كتفها
الى آخر الدال
المتقوسة كرسم الشفة
يرج لساني
ويدفع به الى الرخام ”
هنا يوقظ أحساسه الغير مرئي، لتصرخ به مفرداته خصب هذا البوح الشفيف اللذيذ، في أتون حكاية مرت كحلم، داعبت شغاف قلب تمعن في دفاتره ” الصفر ” لترتفع السطور من مرابع الورقة، تفاصيل لقاء، وغناء حوار، وأشتهاء قبلة، مسّت الشغاف، لترسم الشعر على شفاه ظامئة أبدا، قصب المكان، دفء حب لم يكن عابرا أبدا.
ويوجز الفتى السومري، في ” ما سقط من مسلة سومر ” (نذور، مرور، دماء، قيد، رجوع، ثمالة، جنون، نبيذ، حرب، عرق، كابوس، إخفاء، ظلام، ريح “.
هي لم تكن أسقاطات شاعر صدمته ” المسلة ” في هذيان غربتها، وخراب وحشتها، لكنه خشي اللصوص أن يفتحوا خزائن ذكرى ” أبيه ” ليحمل الخطيئة وحده،
أنه يخشى الصحراء من أن تأكل ما تبقى من الكتب السومرية.
هو يخشى الحرف من أن يسرق ثانية أثر حراس أغبياء، لم يمنحوا ” المسلة ” السهر حقها كي تنشر أخر حكايا اللصوص المعبئين بالخيانة تحت كابوس الفتى السومري
” كركرات الليل حين تغيب
يصير موعد الفجر أشبه بكابوس ”
أزعم أن الحكاية أكبر من ذلك بكثير، لكن رسمتها بما توحدت به الواني، كالرسم حين تصرخ بي مواقف يعج بها طريق اللاجدوى، ليمنحنا شهية الكتابة على عذابات ورق أبيض، ينوء الفراغ.
وأختم البوح للفتى السومري
” عندي ما يكفي من الهذيان
وعليه …
سأكلم نفسي كثيرا “.