ترجمة واعداد :عمار حميد مهدي
لكل شعب من شعوب العالم اساطير وشخصيات تشكل جزءا مهما من الفلكلور الخاص بها ويكون وجودها في اغلب الاحوال نتيجة الأحداث التاريخية التي عاشتها او الثقافات التي تمثلها وتتحول مع مرور الوقت شعارا وعلامة مميزة لها ولمدنها وغالبا ما تكون هذه الايقونة دمية تأخذ حيزا من تراث الشعوب التي تمثلها ففي روسيا هناك عرائس الماتروشكا المتداخلة مع بعضها البعض وكذلك دمى البونراكو في اليابان كذلك تتميز بلجيكا واقليمها الوالوني وعاصمته مدينة (لييج) بشخصيتها التراثية والثقافية التي تمثل هوية المدينة والتي تدعى (تشان تشيس) محور هذا الموضوع. حيث تمثل هذه الشخصية جزءا اساسيا ومحوريا في فلكلور وثقافة سكان مدينة (لييج) الوالونيين وهم احد الشعوب الفرنكوفونية الناطقة باللغة الفرنسية في اوربا ، تمثلت هذه الشخصية بدمية (ماريونيت –marionette) يقوم سكان المدينة بصناعتها وتعليقها كأيقونة في البيوت والساحات العامة خلال الاحتفالات والمهرجانات التي تقام.
الاصل التراثي لدمية الماريونيت في لييج:
يعود اصل هذه الدمية الى بدايات القرن التاسع عشر ويعزى اصلها بشكل مغلوط الى الصقليين في ايطاليا لكنها في الاصل تعود الى دمية تدعى (كونتي) ابتدعها التوسكانيين الايطاليين (نسبة الى اقليم توسكانيا في ايطاليا) الذين سكنوا في حي (اوتخموس) في مدينة (ليييج) حيث جلبوا معهم اسلوب مسرح الدمى الصقلّي سنة 1854 الا ان هذا الاصل غير الصحيح اصبح شائعا وترسخ بعد الحرب العالمية الثانية وتم الاستناد في ذلك الى ماذكر في رواية لأحد الكتّاب الوالونيين (ديدونيه سالم Dieudonné Salme) ولكن يبقى من غير المعروف الاصل الذي جائت منه هذه الدمية
ولكن ماهو مؤكد اننا نجد ادلة اخرى ذكرت من كتّاب اخرين تشير الى وجود هذه الدمية الخاصة بمدينة (لييج) قبل وصول الدمية الخاصة بالايطاليين (كونتي) حيث ان بعض الصحفيين البلجيك، بعد التحقيق في الموضوع ، يتحدثون عن أول مسرح ثابت للدمى (حيث كانت مسارح الدمى المتنقلة شائعة في اوربا خصوصا في فترة القرن التاسع عشر) قدّم هذا النوع من الدمى في عام 1826 في منطقة (اوتخموس Outremeuse).
وفي هذا النوع من المسارح التي كانت شائعة في القرن التاسع عشر فأن جميع الأعمال الأدبية يتم عرضها خصوصا الاعمال الادبية التي كانت تتناول موضوعات عصر الفروسية على شكل اعمال شعرية نثرية والتي تشير في مضامينها الى (شارلمان) احد ملوك اوربا المشهورين (يعتقد ان مكان ولادته في مدينة (لييج) البلجيكية حيث يتم بداية ادخال دمية تدعى (تشان تشيس) ويبدأ الجمهور (خصوصا جمهور الطبقة الوسطى) والذين كانوا اغلبهم من عمال المناجم بالتفاعل مع العرض عندما تتلاقى دميتا الشخصيتان (تشان تشيس) و(شارلمان).
اصل التسمية:
طبقا لـ(موريس بيرون) استاذ الادب واللغة الفرنسية البلجيكي وبالاضافة الى آخرين فأن كلمة تشان تشيس لغويا تأتي من اللغة الفلمنكية Petit Jean وفي اللغة الفلمنكية فأن كلمة Jantches تلفظ بالوالونية D›jan chess
وتم تهجئة الاسم بطرق عديدة مثل ((Chanchet, Tchantchet, Jantches, Jeanches) وخاصة في سجلات العاملين في مجال التعدين (وهو مايمكن ان يعلل شكل الدمية على شكل عامل في مناجم الفحم التي كانت منتشرة في الجانب الوالوني من بلجيكا) او ما ذكر من اسماء لهذه الدمية في الصحف المحلية خلال زمن ظهورها ، ولسبب وجيه فأن الوالونيين البلجيكيين قرروا كتابة الاسم كما يلفظونه بدون تهجئة حتى سنة 1950.
الا انه فقط عالم اللغويات البلجيكي (جين هوست Jean Haust) استطاع ان يدخل تعديلا على اسم Tchantchès بأضافة ès في نهاية الاسم حيث تم تثبيت هذا التعديل في الاسم على نصب الفنان (جوزيف سومرز) في (اوتخموس) الذي أُنشئ سنة 1937 والتي جعل الاسم اكثر شعبية.
الا انه وفي نهاية الخميسنيات سيقرر السياسيون المختصين في مجال الثقافة في مقاطعة (لييج) رسميا ان اسم (Tchantchès) يأتي من تعديل غير دقيق من اسم (Francis) في اللهجة الوالونية الأصلية على الرغم من انه ادبيا فأن الاسم Francoish او Françoisقد تم اشتقاقه من الاسم Françwès.
شخصية الدمية Tchantchès:
تعتبر شخصية (تشان تشيس) شخصية تمثل رمزية هامة لسكان مدينة (لييج) خصوصا حي (اوتخموس) الجزيرة التي تقع في منتصف المدينة حيث تفاعل معها سكان المدينة لما شعروا به من تمثيل رمزي لهم عن طريق هذه الدمية في فترة مسارح الدمى الخشبية وخلال فترة العشرينيات من القرن الماضي بعد اختفاء مسارح الطبقة البرجوازية المخصصة للطبقة الغنية في وقتها واغلاق ابوابها حيث انشغل روادها في انشطة اخرى ، لم يبق سوى المسارح المخصصة لطبقة العمال وعلى هذا الاساس تم تعديل الزي الخاص بدمية (تشان تشيس) والمتمثل ببنطال ابيض او اسود ومعطف ازرق كبير شبيه بمعاطف عمال المختبرات ووشاح احمر منقط بنقاط بيضاء وقبعة سوداء وهو الزي الشائع للعمال في فترة القرنين التاسع عشر والعشرين في شمال اوربا مع انف محمر دلالة على سكرة خفيفة نتجت عن شراب من خمر الفاكهة الممزوج بنكهة العرعر.
كما تجسد هذه الدمية روح سكان مدينة (لييج) الثائرة في وقت انشائها منتصف القرن التاسع عشر عندما قاموا بطرد الهولنديين خلال المعارك معهم… شخصية لاتتأثر بالمغريات ويتحلى بالشجاعة ويعشق الحرية لكنه ايضا حساس وعاطفي لذلك كان لشخصية هذا الرجل الدمية الذي يمثل النموذج الصالح في لييج.
تشان تشيس في المجلات المصورة:
خضعت شخصية تشان تشيس في مجلات الرسوم المتحركة الى تعديلان اثنان المرة الاولى سنة 1940 على يد الفنان البلجيكي آل بيكليرس (Al Peclers) مؤلف لمجلات الرسوم المتحركة (الكوميكس) حيث ظهرت الشخصية بشكل شريط رسومات يومي في صحيفة لييج (La Légia) وبعنوان (مغامرات تشان تشيس) اما التعديل الثاني يعود الى سنة 1988 ورسمت على يد الفنان البلجيكي فرانسوا والتيري (François Walthéry) ولازالت هذه الشخصية تحظى بالاهتمام الثقافي والاعلامي في ذلك الجزء من العالم.