علوان السلمان
الخطاب الشعري..تجليات الذات المنتجة لتحقيق صيرورتها عبر الوعي الجدلي الخالق لتراكيبه الصورية عبر لغة مشكلة لبنائه الجمالي والفني..انه بوح وجداني الرؤى بمساراته الممازجة بين الواقعي والتخييلي الذي يستدعي المستهلك(المتلقي) للوقوف على نسجه اللغوي واستنطاق صوره والكشف عن جدلية الواقع بكل تناقضاته التي تكشف عن قدرة منتجه(الشاعر) على استحضار حالته الشعورية والنفسية المحققة للفعل الشعري عبر الصور والرموز التي تشكل معمار النص مبنى ومعنى…
وبتحليل وتفكيك عوالم المجموعة الشعرية (بريد العائلة) التي نسجت عوالمها الحالمة انامل مبدعها ومهندس هيكلها البنائي الشاعر فراس طه الصكر واسهمت دار نينوى على نشرها وانتشارها/2018..كونها تتشكل وفق تصميم دقيق ينم عن اشتغال عميق على النص الشعري عبر رؤية ترقى من المحسوس الى الذهني..وهي تكرس مفهوم قصيدة النثر والارتقاء بها من خلال الاشتغال على المقطعية النصية بوحدة موضوعية وعمق معرفي ملم بالتراث وموظفا له جماليا ودلاليا..فضلا عن التقاط الجزئيات وتوظيف اليومي بلغة بعيدة عن التقعر والغموض الجملي..ابتداء من العنوان الايقونة الدالة التي يتجاذبها فونيمين شكلا جملة مضافة حذف احد اركانها يعبران عن دينامية حركية محملة بدلالات معنوية تكشف عن ذات مأزومة..مع عتبة اهدائية شكلت نصا موازيا اسهم في الكشف عن المضامين النصية..( الى أبي/ وحده//لاشريك له..) ص5..
بعيدا عن الاسى
وبكل هذه الجهات
سأروي عنك
عن مساء غامض أضعناه معا..
عن المرايا الخادعة
سنواتك يا ابي/سأمحو كل ايامها/ سوى سنة واحدة
سقطت في واد عميق/لم يتسع لصراخنا
كان هواؤه أخرس
لايصلح عورة لتاريخ أرمد..
بعيدا عن الاسى
وفي كل هذه الجهات
سأذرف ما تبقى من حياتنا الآسنة
سأبيع آخر هدنة في ملاجيء النسيان..
ربما سأقف الآن / ص9 ـ ص10
فالنص يعبر عن لحظة انفعالية تجنح الى الايجاز والتركيز وهي تتكىء على محمولات لفظية تكشف عن صور حسية(بصرية) تنطلق من الاطار الذاتي (ساروي عنك/ عن مساء غامض اضعناه معا)/ص10.. وتبلغ ذروتها معانقة التجربة الانسانية..(ماذا تبقى من المرايا الخائنة/غير وجوه لا صلة لها بذلك الشتاء/لانها في النهاية/سترثي/أبا واحدا/على الاطلاق..)/ص12.. باعتماد آلية السرد الشعري التي اضفت على النص دينامية حركية..فضلا عن التعبير بالصورة بوصفها مشهدا بصريا مرئيا لتحقيق المتعة الجمالية المنبعثة من بين ثنايا النص والمعانقة للتقانات الفنية والاسلوبية التي يوظفها المنتج(الشاعر) كتقنية التكرار الاسلوبية (بعيدا عن الاسى) الدالة على التوكيد والاهتمام والتي تشكل مشهدية في حركة النص المتماهي والحس الانساني عبر صوره التي تترجم عمق المشاعر بتصوير الجزئيات والتركيز على المفارقة المتناغمة والبناء الدرامي من خلال فاعلية البوح الذاتي الذي يكشف عنه التكرار الدائري الذي شكل لازمة النص التي اضفت نبرة موسيقية على جسده باعتبارها منظومة دلالية صوتية ملازمة للبناء الصوري المنبثق من معطيات واقعية أضفت اضاءات جمالية مستفزة للذاكرة ونابشة للخزانة الفكرية للمستهلك (المتلقي) من اجل استنطاق الصور النصية وما خلفها..اضافة الى تقنية التنقيط( النص الصامت) الدال على المسكوت عنه والذي يستدعي المستهلك(المتلقي) لملىء بياضاته..
أنظري الى هذه الحروب
انها تلملم أوزارها وتغادر
وقد دونت اسماءنا كلنا في(دفاتر النسيان):ـ
ساق يسرى
ذراع يمنى
عين سوداء
ورأس اسمر..
أترين ذلك يا حبيبتي؟
انهم يحفظوننا
بأسماء أعضائنا المبتورة / ص75
فالشاعر في نصه يستخدم الثنائيات لابراز ما يكثف الموقف الوجداني او الشعوري..اضافة الى انه يتخطى الكينونة الذاتية الى الـ (الانا) الجمعي الآخر بصور من واقع التجربة التي تختزل الموقف الفكري وتعتمد الخيال الشعري..اما دلالاتها فتتجلى فيها كمنظومة ثقافية مكتنزة بالادراك الحسي..اضافة الى انه يستفيد من تقنيات قصيدة النثر باستخدامه البناء الكتلي لتحقيق ما يقتضيه نسق التكثيف والايجاز مع تسريع لوتيرة السرد الشعري ونثر تفاصيل الصور من خلال مشاهد نصية..اضافة الى توظيف المجاز الموحي الذي يخلق دلالات نفسية تسهم في توسيع القدرة التخييلية ومديات النص…
وبذلك حمل(بريد العائلة) نصوصا تستفز الذاكرة عبر وحدة موضوعية تشكل نسقا جماليا متداخلا والفعل الشعري الخالق لصوره التي تمازج بين المبنيين الحسي والذهني بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وتحولاتها الشعرية..