د. صالح الرزوق
يتألف كتاب (فن الرواية في سرديات زيد الشهيد) من مقدمة مسهبة ومفصلة تلقي فيها الدكتورة فوزية الجابري حزمة من الأضواء على الأفكار الأساسية لعدد من روايات الكاتب. ويتبع ذلك 21 دراسة لـ 21 ناقدا تتناول جوانب مختلفة من هذه المغامرة الروائية.
وتؤكد الدكتورة الجابري في مقدمتها أن زيد الشهيد كاتب يهتم بالماضي ليعبر منه إلى أزمات الحاضر، فهو روائي تاريخي، ويتابع تقلبات أحوال بلده في فترات حرجة تميزت بالفوضى والعنف. وهو أيضا كاتب سياسي، رسم صورة للفساد المستشري ولسقوط الضمير المعاصر. وقاده ذلك أخيرا ليكون شاهدا على الماضي الحديث لبلاده بكل ما فيه من دماء وحروب. وربما لهذا السبب كانت حكاياته حزينة، يتخللها تبدل في سلوك الأفراد، وقصص حب فاشلة لا يكتب لها القدر النهاية المرجوة. وتبرر ذلك بأن شخصيات الشهيد لها هم أساسي وهو البحث عن الحرية المفقودة في الوطن ص 16، وتذكر أمثلة من عمله المعروف (فراسخ لآهات تنتظر). وتبني على هذه الملاحظة نقطة هامة إضافية.. أن هذه الشخصيات مثقفة، ولذلك كانت الروايات تكشف عن التكوين النفسي والفكري للمثقف الوطني. ص 16. وتصنف هذا المثقف في واحد من إثنين:
(1) المغترب في أوروبا الذي بارك غزو أمريكا للعراق. و(2) اللاجئ للدول العربية والذي عارض هذا الاحتلال. ص 17.
ثم تستدرك وتضيف نوعا ثالثا، وهو المثقف الذي صمد في وطنه، وانتهى أمره إما بالانتحار أو الموت تحت التعذيب. ص 17.
و تلاحظ أن هذه الاهتمامات تتوازى مع بناء سردي غير تقليدي. ص 18، تتخلله الأحلام والاستيهامات ص 18. وتخص بالذكر شعرية السرد واللغة. ص 19.
بعد المقدمة تبدأ بقية الدراسات التي يتم تبويبها في أربعة محاور.
المحور الأول
يتناول المشروع الفني لرواية (تراجيديا مدينة). ويبدو أنها بإجماع الآراء تلخص سيرة الكاتب من عدة جوانب. فهي تعيد تركيب وبناء مدينته السماوة، وتتابع تطور شخصيات من عامة الناس، اختزنهم الكاتب في ذاكرته ووعيه. لذلك كانت أكثر أعماله مصداقية كما يقول جمال العتابي. ص 34. وترتب على ذلك ابتعادها عن الغموض وخلوها من الأساطير والرموز، وتغليب التفسير الحضاري لمنطق الأحداث السياسية العامة كما قال العتابي أيضا. ص 35.
وقد أكد على هذه الملاحظات عبد عون الروضان حينما وجد في الرواية عتبة فنية هامة أعادت للمكان ذاكرته المفقودة. ص 46، وأغنته بحكايات من واقع الحياة سواء النشيطة منها أو الخاملة. ص 47. وبالمناسبة الخمول هنا لا يعني بطء السرد وإيقاع الأحداث ولكنه يدل على انفصال الواقع المجرد عن الأحلام الليلية المتخيلة.. وهذا يعني بمستوى لاحق إضافة تفاصيل معرفية للعالم المحسوس ولطريقة إدراكنا له كما يقول الروضان. ص 47.
المحور الثاني
هو حدود الفن الروائي في رواية (اسم العربة). وتتابع بحوث هذا المحور خصلة هامة من خصال زيد الشهيد، وهي تداخل الأساليب بحيث تتحول الرواية لعمل تركيبي يبدأ من الطريقة القديمة المعروفة في وصف الواقع والشخصيات. ثم يضيف إليها الأدوات الجديدة وفي مقدمتها تيار الشعور والمشاهد البانورامية والمونتاج في ترتيب الفقرات ( كما ورد على لسان داود سلمان الشويلي في مساهمته وعنوانها «عتبات الرواية» – ص 106). ويرى علي متعب جاسم أن هذا الأسلوب يعكس هما دائما أو هاجسا عند زيد الشهيد، فهو يحاول جهده لاختيار الشكل المناسب للموضوع. ص 116، أو ما يقول عنه لاحقا: علاقة اللفظ بالمعنى. فالشكل الأدبي هو إيديولوجيا يتبناها الكاتب. ص 117، وليس محض فانتازيا أو تعليب لمجموعة من الأفكار. ويسمي هذه الناحية باسم البوح السردي. فالرواية في ظل هذا النوع من الاهتمامات تكون شهادة نوعية تكشف الستار عن أحداث من الواقع ومن الذاكرة بالترتيب الذي تراه مناسبا لتوضيح موضعها من تطور السياق التاريخي للمكان. فكل شكل أدبي له نمط كتابة مفضل. ص 117. وهو ضروري للشخصيات والوقائع لأنه يوضح رؤية الكاتب وفهمه لما يجري. كما أن لكل صيغة أدبية كما يقول الشويلي قوانينها الخاصة. ص 118،و هي ملزمة. لأن الكاتب وحده لا يختار أسلوبه، بل يفرضه منطق الأحداث ووجهات نظر الشخصيات المتنوعة. ص 118. وأي فضاء صوري يكون مستقلا عن قصدية الكاتب إلا في حالات نادرة. ص 119.
المحور الثالث
عن المعنى الوطني للتاريخ في رواية (أفراس الأعوام). فالرواية كما يلاحظ كل من كتب عنها هي رواية الصراع من أجل الاستقلال والتحرير. ولكن شخصياتها بشكل أساسي شخصيات مهمومة بمشكلة البناء وإعادة تعريف معنى الحرية وعلاقة الأفراد بالدولة. فهي رواية مختلفة عن روايات معارك الاستقلال التي كتب عنها في سوريا فارس زرزور، ولا سيما روايته المعروفة (حسن جبل) ثم الرواية الرديفة (لن تسقط المدينة). لقد توقف زرزور مطولا عند تفاصيل المعارك والتنظيمات السرية وأساليب عملها، وبشكل وثائقي تقريبا. لكن زيد الشهيد راقب شخصياته من الداخل، وتابع شبكة علاقاتها مع المدينة كما يقول ليث الصندوق. ص 174. حتى أنه كان يعزو للمدينة الدور الأول باعتبار أنها رمز للوطن بشكل إجمالي. والمدينة لم تكن بوتقة تنصهر فيها انفعالات ومشاعر الأفراد لكن كان لها دور فاعل ومحرض. ومع أن عدد الشخصيات بلغ أكثر من تسعين شخصية غير أن دورها ثانووي ومكمل لشخصية المدينة. ص 175. إنها رواية تتداخل فيها الأزمنة مع التاريخ والوقائع لتحدد معنى «اللعنة الاجتماعية» لتلك الفترة، وكيف رسمت للمدينة مصيرها المأساوي. ص 218، بتعبير جاسم عايف. وعلى هذا الأساس قدمت محاولة جريئة لفهم أنماط الخطاب لنفهم بالتالي أنماط الطبيعة بتعبير محمد الأحمد.
المحور الأخير
تكلم عن الخصوصية اللغوية في (سبت يا ثلاثاء). وبهذا الاتجاه يرى حسن عبد الرزاق أن هذه الرواية هي تمويه أجناسي. فهي أشبه بقصيدة ملحمية، لكنه يدافع عن هذا الأسلوب بقوله: إن العمل لم يكن يعاني من خفوت في الصوت أو تشويش في الرؤية. ص 338. فقد كان لكل كلمة زمانها الخاص الذي تداخل مع أزمنة عامة تجاور فيها الماضي مع الحاضر. 339. ومع أن (سبت يا ثلاثاء) منغمسة بالسياسة لكنها لم تكن تروج لأفكار شعاراتية، وكانت تبحث عن أخطاء ارتكبها الآخر ولذلك ترتب على شخصيات الرواية تحمل الأعباء ص 339. وهو ما يعتقد فاضل التميمي أنه نتيجة تراكيب لصياغات لغوية ينجم عنها سياق خاص بكل جملة لنصل من خلاله لمعنى محدد. ص 342. بمعنى أن الرواية كانت مثل جدار من الزجاج الشفاف، ومن خلفه يتابع القارئ فوضى الواقع بكل تداخلاته ومعانيه دون أن يجد أية وسيلة لتلخيص المغزى المرجو من الأحداث. فاللغة والصياغة تغمر القارئ وبعد ذلك تتدفق المعاني ثم رسالة النص. ص 342. فقد اختارت الرواية لنفسها لغة مستعارة من فضاء الذهن وتحولات الذاكرة دون أن تكون هناك تفاصيل أو تزاحم أمكنة. 343. ثم يضيف: إن لغة الرواية كانت تنفتح على ما هو مجازي وتشبيهي. بالمجازي تنقلنا لعوالم الشعر و تفتح قناة للتأمل بالذات. والتشبيهي يعمل على الموازنة بين الحالات لإيجاد صلة حية بين طرفي التشبيه وتقديم طرف على آخر لغرض التوضيح. ص 345.