الكلام صفة المتكلم حكمة لم تغادر خواطرنا , ونحن نتحدث او نصغي الى الآخر, فالكلام هو نوع من العلامات التي تفصح عن عنوان صاحبها, وهو اشارة واضحة لقبول محدثك او رفضه أيا كان •
وفي الأدبيات الدينية و الأخلاقية ,وحتى في السياسة ,هناك تعريفات خاصة بأدب الكلام ,فقد قال حكماؤنا قديما (المرء عالم حتى يتكلم ),وبهذه المقولة اختصروا علينا توصيف المتكلم وقدموا في ذلك الصمت على الكلام.
غير اننا لانعدم في زماننا هذا من يحول الاعلان عن نفسه في كل مناسبة ,وفرض خطابه الأحادي بالقسر او المداهنة ,وان كانت هذه المناسبة معدة للهو او تزجية الوقت ,وكأنه مفوه منبر لا يشق له غبار ,ناسيا او متناسيا أن قيمة الإنسان بصمته , فالتعبير عن الذات يفسد الكثير من تبديات العفوية التي نتمناها في أي خطاب.
إن واقعنا الثقافي الراهن مليء بهذه الإشكاليات غير المألوفة ,اذ نرى الشاعر والقاص والناقد ,وكل من يتعاطى مع الفعل الثقافي يتصيد الفرصة لحجز مساحة زمنية يرينا بها ما لم تجهر به السنة العارفين وضمائر المادحين ,وكأنه مبشر جديد يعول على جسارته ونبرته العالية في اقتحام سكينتنا وهدوئنا بالمحو والابتذال.
المبدع….هو مبدع بقناعاته الذاتية ,وليس باستجداء مرضاة المريدين ,وفنه وأدواته المعرفية هي من توميء إليه , وليس بالإعلان الرخيص عن (فتوحاته ) والاستمرار في جلدنا بالتماعاته التي مللنا من ترديدها في كل زمان ومكان.
أقول ,هناك الكثير من الأدباء الكبار قد غادرونا الى العالم الآخر ولم نرهم , أو نسمع أصواتهم , غير أنهم مازالوا إحياء في أعماقنا بسمو إبداعهم , وليس بالإلحاح على امتطاء اعواد المنابر التي ما عادت صالحة لتسويق المعروض , فالإنسان اليوم مشتت بين سطوة الفضائيات , وايقاع الإعلام السريع الذي لم يمنحه الفرصة للتأمل , والتقاط الأنفاس , واصبح هذا الإنسان حائرا بين فوضى هذه الموجهات الجديدة ,والاستسلام للعابر , ولم يتبق امامه الا المختلف النقي الذي يغزو ذاته بالقبول الوجداني , وليس باضطهاد الجمهور بالمستهلك والمكرور من القول , وقد سبقنا شيخ المتصوفة النفري الى ذلك بقرون , وهو ما برح يردد ( يا بني إذا تكلمت فتكلم , واذا صمت فاصمت )….!
عبد الأمير خليل مراد
اذا تكلمت فتكلم
التعليقات مغلقة