متابعة الصباح الجديد:
الموسيقى عادت إلى الموصل مرة أخرى وكذلك الكتب واللوحات الفنية، ومع غياب تنظيم (داعش) الإرهابي فإن أهالي الموصل يتمتعون الآن بالحرية الجديدة التي ينعمون بها واحتضانهم لإرثهم الثقافي.
في الساحة العامة بمدينة الموصل، حيث كان (داعش) يدرّب الأطفال على حمل السلاح، تجمع الآلاف من الأهالي لحضور مهرجان للكتاب مع عروض مسرحية وموسيقى ومناضد ملأت بكتب تم التبرع بها لأهالي مدينة الموصل.
علي البارودي، مدرس لغة إنجليزية في جامعة الموصل، والذي أصبح مؤرخاً ومدوّناً غير رسمي لأحداث الموصل اليومية وهو يطوف بدراجته الهوائية بين أحيائها ويلتقط صوراً للمباني المدمّرة وكذلك عملية إعادة إعمارها، قال في لقاء مع موقع DW الاخباري الألماني «نحن لا ندرك قيمة الاشياء الى أن نفقدها، تحرير الجانب الشرقي من الموصل العام الماضي من تنظيم (داعش) كان بمنزلة يوم ميلاد ثانٍ بالنسبة لي .» المعالم الفنية والثقافية في المدينة تعرضت للتدمير على يد (داعش)، حيث أقدم مسلحو التنظيم على إزالة وتحطيم تماثيل الشعراء والأدباء وكذلك إتلاف الاعمال الفنية لرسّامين، كذلك إحراق مكتبة جامعة الموصل التي تضم كثيراً من الكتب النادرة والثمينة. الكتب الثقافية كانت ممنوعة تحت حكم (داعش) والموسيقيون والفنانون كانوا يتعرضون للقتل .
ويمضي البارودي بقوله «داعش كان كالشبح، إنك لا تراه ولكن كان متواجداً هنا يجمع معلومات بشكل سرّي عنّا، كان يعمل بالخفاء منذ العام 2005 ثم ظهر بشكل علني عام 2014 لينفّذ أعماله الشريرة، إنه من الصعب جداً محو وجوده ولكن الشيء الرئيس على الموصل ان تفعله الآن هو أن تنسى خوفها .»
بدوره، يقول مروان طارق، مدرس في معهد الفنون الجميلة بجامعة الموصل، إنّ تنظيم (داعش) أقدم على تدمير كل ما له علاقة بالفن والموسيقى، حيث أقدم على تحطيم آلات البيانو والكيتار وتمزيق اللوحات الفنية والتماثيل التي كانت موجودة في بناية المعهد التي تعرضت للحرق مع بقية بنايات الجامعة .
وفي أول زيارة له للجامعة بعد تحرير المدينة قام طارق مع عدد من طلاب المعهد بتنظيف البناية واسترجاع ما يمكن استرجاعه من معدات، مشيراً الى أن وضع المعهد الآن أفضل مما كان عليه بعد تعرضه للتخريب من قبل داعش .الصور الفوتوغرافية الوثائقية لأحياء الموصل التي كان يلتقطها المدرس الجامعي البارودي وكذلك اللوحات الفنية والرسومات التي كان يحتفظ بها طارق قد تم عرضها خلال معرض مشترك أقيم في جامعة الموصل برفقة العزف الموسيقي الذي كان محرماً في زمن داعش.
وبعد الحريق الذي طال مكتبة الجامعة قام البارودي برفقة طلبة ومتطوعين آخرين هناك لتوثيق عملية إنقاذ واسترجاع مايقارب 6000 كتاب من بين الرماد.
واستجابةً لمناشدة من المؤرخ عمر محمد، الذي استقطب اهتمام العالم بتوثيقه لأحداث الموصل تحت حكم داعش عبر مدونته المعروفة باسم عين الموصل، فإن آلافاً من الكتب تبرع بها أجانب ستصل لاحقاً لتحل محل الكتب التي أتلفت في مكتبة الجامعة . الموسيقى لها حضور بارز أيضا في مقهى الكتاب الذي افتتح لأول مرة في الموصل مؤخراً، حيث يقوم صاحب المقهى فهد صباح وشريكه في العمل حارث ياسين، بإقامة حفلات موسيقية ومناظرات ثقافية أسبوعية ويعد مكاناً ثقافياً هادئاً للشباب والكبار من نساء ورجال لقراءة كتاب أو التمتع بتناول قدح شاي أو قهوة .
يقول صباح «لقد عادت الحياة الثقافية والفنية الى الموصل، كان من المستحيل إقامة مناظرات ثقافية في زمن (داعش). المجتع الموصلي الآن أكثر انفتاحاً من السابق والمكان الذي نحن فيه أكبر مثال على ذلك، زوار من عائلات نساء ورجال يرتادون المقهى، إنه أول مكان ثقافي عام يفتتح في الموصل لكلا الجنسين. علينا أن نتجرد من الافكار التخلفية التي كان (داعش) يحاول تكريسها بين أهالي المدينة، إنها الخطوة الاولى نحو هذا الطريق الذي يتطلب منا العمل والمثابرة لإحياء الجانب الثقافي من جديد».