نزار عثمان
اضطراب الماضي
تحت عنوان “اضطراب الماضي” أطلق متحف سرسق معرضه الذي تبلور بإطار ثقافي وثائقي بتنظيم من القيمتين رشا السلطي وكريستين خوري، وركز على البحوث التي أجريت حول المعرض الدولي للفن الذي كان محوره الأساس فلسطين وقد أقيم في جامعة بيروت العربية عام 1978. أدى بحث القيمتين إلى العثور على عدة هوامش تاريخية للمتاحف “في المنفى”، وهي معارض تزامنت مع معرض 1978، ومن بينها متحف مقاومة سلفادور ألليندي، وفنانين ضد الفصل العنصري، وفن الشعب في نيكاراغوا. تمثل المعرض بعروض عدة تراوحت بين الفيديو آرت والمواد الأرشيفية والأفلام والمقابلات والنصوص والوثائق. بالإضافة إلى هذا، فقد استضاف متحف سرسق معرضا للفنان اللبناني عبد القادري تحت عنوان “قصة شجرة الكاوتشوك”، ركز فيه الفنان من خلال الرسم والنحت والفيديو على البيوت المهجورة، وسبب هجرانها، عبر رصد الدوافع والآليات التي أدت إلى مثل هذا، مستحضرا الحرب الأهلية كعنوان بارز لمثل هذا التهجير. أما شجرة الكاوتشوك، فقد كانت محورا أساسا في ذاكرة أهل بيروت، بحسب ما ذهب إليه الفنان، إذ ابتدأت زراعتها في ثلاثينيات القرن العشرين، وباتت تشكل جزءا من المشهد اليومي لدى سكان العاصمة، فالربط بين الشجرة والبيوت المهجورة هو ربط بما هو ثابت ومستمر مهما تبدلت الظروف وتغيرت المعطيات، لأنهما ثابتان في ذاكرة من عايشهما.
فن البورتريه
أما غاليري أيام – بيروت، فقد عرض للفنان السوري مطيع مراد تحت عنوان “عتبات”، ويتميز مراد بعمله على التجريد الهندسي، من خلال أعمال يغلب عليها طابع المعادلات البصري والإيقاع اللوني والخطوط، في تمازج واضح بين الألوان الحارة والباردة والمتضاربة والمتناقضة في فضاء اللوحة بتخريج يقربها إلى المجسمات المشغولة بتقنية الأبعاد الثلاثية، مع كونها ثنائية الأبعاد، وبطريقة تذكرنا بأشكال المصفوفات على أجهزة الحاسوب، وقد كان هذا ديدن الفنان مراد منذ بداياته الأولى، ما زال العمل عليها قائما في تطور مطرد.
وفي غاليري صالح بركات الذي تأسس عام 2016، كامتداد لغاليري أجيال البيروتي، افتتح معرض جماعي تحت عنوان “فن البورتريه”، عرض فيه لنخبة من الفنانين المتعاونين مع الغاليري ولعدد آخر ممن قد اقتنى الغاليري لهم أعمالا من أمثال: أيمن بعلبكي، ومحمد سعيد بعلبكي، وأسامة بعلبكي، وعبد الرحمن قطناني وغيرهم. هذا وقد أطلق غاليري صالح بركات معرضا للفنان اللبناني أسامة بعلبكي تحت عنوان “ضوء ضد التيار”، لأعمال ابتدأ تأريخ إنجازها من عام 2010 إلى اليوم.
الفضاء وشكل المدينة
هذا وقد شهد غاليري تانيت معرضا للتشكيلي السوري كيفورك مراد، تحت عنوان “الفضاء في ما بين”، سعى فيه الفنان للتوليف بين الخط والزخرفة العربية والمنمنمات والنقوش الأرمنية، بمزج ملحوظ بين ما هو تعبيري وتجريدي مضاف إليهما بعض العناصر المستقاة ملامحها من الطبيعة، في أعمال تتبلور فيها الكتل اللونية وتزدان بخطوط سريعة تتشكل فيما بينها بطريقة تقرب من ملامح حياكة السجاد الشرقي، لتتشكل مستويات لونية مختلفة إنما متآلفة. هذا مع حضور عمل تجهيزي أطلق عليه الفنان اسم “طبقات من الذاكرة” يظهر المدينة معلقة بحبال إلى سقف قاعة العرض.
أما غاليري ليتيتيا، الذي افتتح أبوابه هذا العام، فقد استضاف الفنان البريطاني ناثانيال راكو، تحت عنوان “شكل المدينة”، وقد شمل المعرض أعمالا تجهيزية بمعظمها مع وجود لوحات زيتية ومنحوتات، وركز الفنان على الطوب، والحديد المسلح في المدن، وأعمال البناء والضجيج والتلوث، وما يصاحبها من برود وتبلد المشاعر أمام الكتل الإسمنتية الشاهقة، بتفاصيل تختصر حركية المدن التي لا ينتهي الهدم والبناء فيها، في توثيق بارز للقلق وانعدام الانتماء.
في النهاية يرصد من خلال هذا العام والأعوام القليلة الماضية غياب، أو على الأقل حضور خفيف، للمزادات الفنية، وقد كانت تقوم على عاتق عدد من الغاليريات في بيروت في بدايات العقد الثاني من هذا القرن، ففي حين باتت مدن خليجية محطة لدور المزادات العالمية ككريستيز وسوثبي وغيرهما، تراجعت بيروت في هذا الإطار، بعد أن كانت تشق طريقها بدأب نحو استقطاب عدد من تلك الدور. تجدر الإشارة هنا إلى تراجع الفن الواقعي، وغياب الهايبر رياليزم، أو الواقعية المفرطة، التي انطلقت من ستينيات القرن الماضي، ففي حين تلمع هذه المدرسة في العواصم الفنية الكبرى لا نجد لها أثرا أو تقبلا في الغاليريات اللبنانية. هذا وإن شهدت العاصمة بيروت معارض استعادية عدة في السنوات القليلة الماضية، فقد خفت هذه المعارض هذا العام، ولعل المقبل من الأيام يجلب لنا خبرا عن معارض استعادية جديدة.
*موقع ضفة ثانية