ضحايا ترامب على شتى الجبهات في العالم
اعداد ـ المحرر الاقتصادي:
أعلنت أنقرة، أمس الأربعاء، زيادة الرسوم الجمركية على عدد من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، وذلك ردا على إجراء مماثل اتخذته واشنطن ضد صادرات الصلب والألومنيوم من تركيا.
ونشرت الجريدة الرسمية التركية، قرارا رئاسيا ينص على مضاعفة الرسوم الجمركية، على بعض المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، منها مستحضرات التجميل وسيارات نقل الركاب، والكحوليات والتبغ. لكن الليرة واصلت ارتفاعها بعد إجراءات السيولة التي اتخذها البنك المركزي والتي كان لها أثر داعم للعملة.
ويأتي تحرك أنقرة في ظل تصاعد التوتر بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي بسبب احتجاز أنقرة قسا أميركيا فضلا عن قضايا دبلوماسية أخرى، وهو ما أسهم في هبوط الليرة إلى مستويات قياسية في مقابل الدولار.
وفقدت العملة التركية أكثر من 40 بالمئة من قيمتها في مقابل الدولار منذ بداية العام، بفعل المخاوف بشأن تنامي نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الاقتصاد ودعواته المتكررة لخفض أسعار الفائدة بالرغم من ارتفاع معدل التضخم.
وقاد التعافي الذي بلغت نسبته نحو ستة بالمئة أمس الأربعاء العملة التركية إلى الارتفاع لفترة وجيزة لتصل إلى أقل من ستة ليرات للدولار، وذلك بعد أن قلص البنك المركزي السيولة بالليرة في السوق، وهو ما رفع أسعار الفائدة فعليا وقدم دعما للعملة المحلية.
وسجلت العملة التركية 5.75 ليرة للدولار في تعاملات أمس، وبحلول الساعة 0943 بتوقيت جرينتش بلغت 6.08 ليرة.
ورفع مرسوم وقعه أردوغان الرسوم على سيارات الركوب إلى المثلين لتصل إلى 120 في المئة وعلى المشروبات الكحولية إلى 140 في المئة وعلى أوراق التبغ إلى 60 في المئة. وزادت الرسوم أيضا على سلع منها مساحيق التجميل والأرز والفحم.
ونقلت وكالة الأناضول للأنباء عن وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان قولها إن زيادة الرسوم الجمركية إلى المثلين على بعض السلع المستوردة من الولايات المتحدة ستصل إلى 533 مليون دولار.
وقال فؤاد أقطاي نائب الرئيس التركي على حسابه على تويتر ”رسوم الاستيراد زادت على بعض المنتجات، بموجب مبدأ المعاملة بالمثل، ردا على الهجمات المتعمدة من جانب الإدارة الأميركية على اقتصادنا“.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال يوم الجمعة الماضي إنه سمح بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا.
وكانت الولايات المتحدة رابع أكبر الموردين لتركيا في العام الماضي، إذ بلغت قيمة وارداتها لها 12 مليار دولار، وفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي. وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة العام الماضي 8.7 مليار دولار، مما جعلها خامس أكبر الأسواق التي تصدر لها تركيا.
في السياق، قالت وزارة المالية التركية أمس الأربعاء إن موازنة البلاد أظهرت فائضا قدره 1.1 مليار ليرة (182.54 مليون دولار) في تموز.
وتشير ميزانية تموز إلى تحقيق فائض أولي، يستبعد مدفوعات الفائدة، بلغ 9.3 مليار ليرة.
وبحسب البيانات، بلغ عجز الموازنة 45 مليار ليرة في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي.
نصيحة “لافروف”
وعدّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سوء استخدام واشنطن لعملتها الدولار سبيل إلى إضعافها كما سيدفع الدول للابتعاد عنها والانتقال إلى العملات الوطنية في التعاملات التجارية.
وقال، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو في أنقرة، أمس الأول: “متأكد من أن هذا الاستخدام السيء للدولار، كعملة احتياط عالمية سيؤدي إلى إضعاف دوره، ما سيقود إلى إضعاف قيمته، ويدفع المزيد والمزيد من دول العالم للابتعاد عن الدولار والاعتماد على شركاء أكثر موثوقية”.
وكذلك عدّ الوزير الروسي، العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد دول العالم، بما في ذلك ضد تركيا، تقويض لمبادئ منظمة التجارة العالمية.
من جهته أكد وزير الخارجية التركي، على أن “زمن البلطجة يجب أن ينتهي”، مؤكداً: “إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تبقى دولة معتبرة فلا يمكن أن يكون ذلك عبر الإملاءات”.
الصين العنيدة
ويحجم مستوردو النفط في الصين عن شراء الخام الأميركي خشية أن يكون قرار بكين استثناء النفط من قائمة الرسوم الجمركية في نزاع تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم مؤقتا.
وأظهرت بيانات رصد السفن على منصة تومسون رويترز ايكون عدم تحميل أي ناقلة نفط خاما من الولايات المتحدة إلى الصين منذ بداية أغسطس آب مقارنة مع نحو 300 ألف برميل يوميا في حزيران وتموز.
وشهدت الشهور القليلة الماضية نزاعا تجاريا متصاعدا بين الولايات المتحدة والصين لكن جرى استثناء الخام من القائمة الصينية النهائية للرسوم الجمركية على سلع أميركية بقيمة 16 مليار دولار أعلنتها بكين في الأسبوع الماضي.
وتلقي هذه الخطوة الضوء على تنامي أهمية الولايات المتحدة كمنتج نفط عالمي ومصدر مهم للإمدادات البديلة للصين، أكبر مستورد في العالم.
لكن المشترين المحتملين في الصين يخشون من أن يتحول النفط إلى وسيلة للمساومة في المفاوضات المستقبلية مع واشنطن، مما قد يؤدي إلى إضافته إلى قوائم الرسوم الجمركية إذا اتخذ النزاع التجاري منحنى نحو الأسوأ في المستقبل.
وقال مصدر في إحدى شركات التكرير الصينية إن الشركة ”تشاهد وتراقب“ كيفية تطور الوضع قبل أن تقدم طلبيات جديدة من النفط الأميركي.
ويأتي هذا بعدما علقت شركة يونيبك، أكبر مستورد للنفط في الصين، شحنات الخام من الولايات المتحدة في وقت سابق من الشهر الجاري.
وقال مصدر نفطي آخر مطلع على السوق الصينية إنه ربما يكون تم استثناء الخام الأميركي من قائمة الرسوم الجمركية ”لتسهيل تخليص الشحنات“ المتعاقد عليها بالفعل.
وأضاف المصدر ”ربما تريد (الحكومة) فرض (الرسوم) عندما لا يكون هناك أي خام أميركي في المياه بالفعل لذلك لن اعتبر هذا مغايرا للموقف السياسي تجاه الخام الأميركي“.
وكشفت بيانات شحن وتجار أن الصين تتجه إلى الشرق الأوسط وغرب أفريقيا وأمريكا اللاتينية لإيجاد بدائل للنفط الأميركي.
وأسهم هذا في شحن النفط من حوض الأطلسي إلى آسيا بأرباح أعلى مع تقارب فارق السعر بين خامي برنت ودبي.
وسجل فارق السعر يوم الأربعاء نحو نصف ما كان عليه قبل شهر ووصل إلى 1.63 دولار للبرميل.
وبالرغم من أن أكبر موردي نفط إلى الصين هم من الشرق الأوسط وروسيا وغرب أفريقيا، فإن الولايات المتحدة أصبحت موردا عالميا مهما منذ أن فتحت أسواقها للصادرات في عام 2016.
معارك تجارية
وانخرطت الولايات المتحدة قد في معارك تجارية على أكثر من جبهة خلال الأشهر الماضية.
وتعد الحرب التجارية مع الصين، أهم تلك الحروب التي يتصارع فيها أكبر اقتصادين في العالم من أجل بسط النفوذ في العالم.
ويقول البعض إن ترامب يسعى إلى تعزيز الضغوط على الصين قبل الانتخابات النصفية للكونغرس المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل.
وقالت الصين إنها ستفرض رسوما جمركية جديدة على أكثر من 5200 منتج أميركي، إذا مضت الولايات المتحدة قدما في تهديدها الأخير بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت مطلع العام الحالي فرض رسوم على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا، وردت هذه الدول بخطوات مماثلة.
ويبدو أن قطاع صناعة السيارات كان أكثر القطاعات تضررا، بعد أن حذرت ثلاث شركات مؤخرا من أن تغيير السياسات التجارية يضر بالأداء.
وخفضت شركتا “فورد” و”جنرال موتورز” توقعات الأرباح لعام 2018، واستشهدت الشركتان بارتفاع أسعـار الصلب والألومنيـوم نتيجـة الرسـوم الجمركيـة الجديـدة كسبـب للخطـوة.
كما خفضت شركة “كرايزلر” توقعات عائداتها عام 2018 بعد تراجع المبيعات في السوق الصينية، في الوقت الذي أرجأ فيه المشترون قرارات الشراء تحسبا لتراجع الرسوم الجمركية على السيارات.
وكانت الصين قد أعلنت في آيار الماضي أنها ستخفض الرسوم الجمركية على واردات السيارات من 25 في المئة إلى 15 في المئة اعتبارا من أول تموز في خطوة اعتبرت بمثابة محاولة من بكين للتخفيف من حدة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
لكن الصين رفعت بعد وقت قصير، في السادس من تموز تحديدا، الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات الأميركية إلى 40 في المئة في خطوة ثأرية ردا على إجراء أميركي بفرض ضرائب على 34 مليار دولار من البضائع الصينية.
وتحدثت شركة “جاغوار لاند روفر”، أكبر شركة لصناعة السيارات في بريطانيا، عن تسجيل خسائر للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات بعد تراجع المبيعات في الصين. وقالت إن الكثير من الزبائن أرجأ قرارات الشراء نتيجة تغير الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات.
كما تأثرت شركات صناعة السيارات الأوروبية والأميركية بسبب ارتفاع الأسعار في الصين.
وقالت شركة “بي إم دبليو” أخيرا إنها سترفع أسعار طرازين من سياراتها اعتبارا من 30 تموز نتيجة زيادة رسوم الاستيراد في الصين على السيارات المصنوعة في الولايات المتحدة. كما ذكرت شركة “تيسلا” أنها رفعت أسعار طرازين من سياراتها.
اليابان تراقب
ويراقب وزير المالية الياباني تارو آسو أمس الأربعاء تأثير الأزمة المالية التركية عن كثب، وإن كانت الأسواق المالية تستعيد هدوءها.
وأبلغ الوزير الصحافيين بعد اجتماع لمجلس الوزراء أن المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة تتحرك في اتجاه إيجابي صوب بناء علاقة ثقة، مع انتهاء البلدين من الجولة الأولى من المحادثات الأسبوع الماضي.
في الغضون، ارتفع المؤشر نيكي في بورصة طوكيو للأوراق المالية من أدنى مستوى في خمسة أسابيع، في الوقت الذي استفادت منه الشركات المصدرة من توقف موجة ارتفاع الين الذي يعد ملاذاً آمناً بعد تعاف جزئي لليرة التركية.
ويخفض ارتفاع الين أرباح الشركات اليابانية العاملة في قطاع الصناعات التحويلية المُحققة في الخارج حين يعاد تحويلها إلى داخل البلاد، وسمح توقف ارتفاع العملة للأسهم التي تكبدت خسائر في الآونة الأخيرة مثل شركات صناعة الآلات الكهربائية بالصعود بفضل تغطية مراكز مدينة، كما صعدت الأسهم ذات الثقل مثل سوفت بنك وفاست ريتيلينج.
وارتفع المؤشر نيكي القياس 1.2% ليغلق عند 22122.46 نقطة بعدما انخفض في اليوم السابق إلى 21851.32 نقطة وهو أدنى مستوياته منذ 11 تموز. وارتفعت أسهم طوكيو إلكترون 1.8% وتي.دي.كيه 2.4% وأدفانتست كورب 2.4%، وصعدت أسهم سوفت بنك 3.1% وفاست ريتيلينج 2.4% لتضيف 76 نقطة إلى المؤشر نيكي، وزاد المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.8% إلى 1697.35 نقطة.
تحرر الأسواق المؤقت
ونجحت الأسواق العالمية في التحرر ولو «مؤقتاً» من ضغوط النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا واستقرت جميع المؤشرات في المنطقة الخضراء. وارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية أمس مع تعزز التفاؤل بشأن الأرباح إثر نتائج فصلية إيجابية من عدد من الشركات، في حين انتعشت أسهم البنوك بعد أن قطعت العملة التركية موجة خسائرها التي دامت لثلاثة أسابيع.
وكانت الليرة التركية قد تماسكت بعد أن تحرك البنك المركزي لتخفيف الضغط عن العملة مما أوقد شرارة صعود بما يصل إلى 7% لتسجل 6.4 ليرات للدولار.
وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 0.41% إلى 25291.31 نقطة، وزاد المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.57% إلى 2838.08 نقطة، وصعد المؤشر ناسداك المجمع 0.60% إلى 7866.43 نقطة.
تعاف أوروبي
وارتفعت الأسهم الأوروبية بعد مبيعات كثيفة استمرت يومين، مع انحسار قلق المستثمرين قليلاً من انتقال عدوى أزمة عملة في تركيا، بفضل تطمينات متكررة من البنك المركزي والحكومة، كما تلقى المستثمرون بارتياح نبأ اعتزام وزير المالية التركي براءت ألبيرق عقد مؤتمر عبر الهاتف مع مستثمرين من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط غداً في أول مؤتمر له منذ توليه منصبه قبل شهرين تقريباً.
وكان القطاع المالي هو المحرك الرئيس للسوق مع ارتفاع مؤشر أسهم بنوك منطقة اليورو 0.8%، مما ساعد في دفع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي للصعود 0.4%. وكانت البنوك هي الأكثر تضرراً من المخاوف المرتبطة بتركيا، وهو ما دفع مؤشرها لأدنى مستـوى فـي 21 شهـراً.
وقفز المؤشر الإيطالي 0.8% مع ارتفاع أسهم البنوك في الوقت الذي انخفضت فيه عوائد السندات بعد أن قالت الحكومة إنها اتفقت على الحفاظ على استقرار المالية العامة للبلاد وخفض الدين العام. وتحول تركيز المستثمرين مجدداً إلى نتائج أعمال الشركات.
وانخفضت أسهم انتوفاجاستا 4.1% لتتصدر الأسهم الأسوأ أداء بعد أن أظهرت نتائج أعمال الشركة التشيلية المنتجة للنحاس انخفاض أرباحها في النصف الأول بسبب ضعف جودة المعدن الخام وارتفاع التكاليف، وقالت إن من المرجح أن تؤثر التوترات التجارية سلباً على الطلب.
وارتفعت أسهم آر.دبليو.إي الألمانية للمرافق 2.4% بعد أن قالت إن اتفاقها بخصوص إنوجي يمضي قدماً وأظهرت نتائج أعمالها عن النصف الأول أرباحاً تتماشى مع التوقعات.
وارتفعت أسعار الذهب من أدنى مستوياتها في 18 شهراً الذي بلغته في الجلسة السابقة، مع نزول المعدن دون مستوى نفسي مهم مما أثار إقبالاً على الشراء، بينما بدد الدولار مكاسبه بعدما صعد لأعلى مستوى في 13 شهراً.
وزاد الذهب في المعاملات الفورية 0.2% إلى 1195.51 دولاراً للأوقية (الأونصة). وفي الجلسة السابقة، بلغ المعدن أدنى مستوى له منذ 30 كانون الثاني 2017 عند 1191.35 دولاراً للأوقية، وصعد الذهب في العقود الأميركية الآجلة 0.3% إلى 1202.50 دولار للأوقية.
وتعافى اليورو من خسائر تكبدها في وقت سابق ترتبط بانهيار الليرة التركية، لكن المستثمرين يقولون إن انكشاف بنوك أوروبية على تركيا سيظل يسبب اضطراباً للعملة الموحدة.
موقف صندوق النقد
وقال صندوق النقد الدولي إن تصعيد خطوات فرض رسوم جمركية متبادلة قد يؤدي إلى خفض النمو العالمي بواقع 0.5 في المئة بحلول عام 2020.
وأظهرت بيانات منفصلة مؤخرا تباطؤ نمو قطاع الصناعة الصيني في تموز، كما تراجع أحد مؤشرات ثقة المستهلك الأميركي نتيجة مخاوف تتعلق بالرسوم الجمركية، وفقا لتقارير إعلامية.
ويتوقع بنك “مورغان ستانلي” أن يؤدي التصعيد الكامل للصراع التجاري على الأرجح إلى حدوث تراجع قدره 0.81 نقطة في المئة للنمو العالمي. وقد يدفع هذا السيناريو الولايات المتحدة إلى فرض رسوم بواقع 25 في المئة على جميع السلع من الصين والاتحاد الأوروبي، وسوف يردون بإجراءات مماثلة.
وقال البنك إن التأثير الأشد سيكون من خلال تعطيل نشاط سلاسل التوريد المحلية والدولية.