يوسف عبود جويعد
في رواية (الاسم على الاخمص) للروائي ضياء جبيلي , وعندما يتطلب الأمر وضمن السياق الفني , أن يكون هنالك تعدد في الامكنة , والأزمنة , الامر الذي يحدو بالروائي , أن يكون متمكناً من معرفة طبيعة الحياة والبيئة فيها, فالاحداث التي ضمها هذا النص , لابد أن تكون فيه هاتين الاداتين فاعلتين بشكل واضح , كوننا سنكون في البصرة , وإيران , والولايات المتحدة الامريكية , والشيشان , وروسيا , وافغانستان, وبغداد, والكويت , والسعودية , والموصل , وشمال البلد , ولابد للازمنة أن تكون متلائمة وطبيعة كل مكان , بين تساقط الثلوج المستمر , في روسيا , والاعاصير المدمرة في أمريكا , والبرد القارص , في الشمال , والحرب المشتعلة في الموصل , وكذلك في محافظات العراق الباقية , وسوريا ايضاً لما يتطلبه تواجد شخوص الرواية , وهما شخصيتين اساسيتين, تتفرع منهما خطوط كثيرة وواسعة لتنضم الى رافد المبنى السردي , ينبري السارد العليم والذي يقوم بمهمة سرد الاحداث , ليتابع حركة حياتهما منذ نشأتهما الاولى , وحتى نهاية أحداث هذا النص , فهو لايقوم بتحريك الاحداث وفق السياق التقليدي لها , وانما يكون راصد ومتابع ومتنقل معهم اينما حلو وكيف ما رحلوا , وقد قسم الروائي البنية النصية داخل المتن , الى اربعة أقسام , وهكذا وأمام هذا التعدد الكبير للامكنة والازمنة , فأن من الطبيعة أن نشهد أحداث مكثفة زاخرة بالتنوع والغريب من المفاجآت التي حفلت بها , بأستخدام لغة تتلائم والسياق الفني لهذا الزخم من الاحداث , وفي القسم الاول , نكون مع البطل الاول نعيم الذي يعيش بين اب اعمى وعم اعمى ايضاً , وكان ابوه يميل الى التدين وتلاوة القرآن ويعتاش منها , بينما يعتاش العم الاعمى من خلال عمله بالفرق الشعبية للرقص والغناء , وعندما يكبر نعيم , يفضل حياة عمه ويعيش معه , ويترك ابيه , ثم يقع بعشق جسد زوجة عمه , وتحصل الخيانة ليكتشف العم هذه الخيانة بلحظتها , فيهجم على هنودة زوجة العم ويخنقها , الا أن نعيم يصل في اللحظة الاخيرة لينتزع الحزام ويخنق عمه حتى الموت , ( فجأة , أطبق عبد الحميد على ذلك العنق الصغير بقوة. كاد أن ينشب أظفاره في اللحم الطري .إنه في الثانية والستون من عمره , وما زال يمتلك من القوة ما يكفي لصرع مرأة بهذه الطريقة. حاولت هي أن تصرخ لكنها لم تستطع . ثم حاولت أن تطال يديه بأسنانها لتعضه, أيضاً فشلت.أجبرها على الجثو ليتم مهمته بشكل أسرع وأسهل . كانت هنودة في طريقها الى أن تلفظ أنفاسها الاخيرة عندما أقتحم نعيم المشهد فجأة ,إنتزع حزام بنطلونه ولفّه حول رقبة عمه , وراح ينتره بقوة لدقائق, قبل أن يشعر بثقل الموت)ً 35 . بعدها يفر لبغداد , يلقى القبض عليه, يسجن ويحكم بالاعدام ويخفف الحكم الى المؤبد , بعد خمس سنوات يطلق سراحه مشمولاً بالعفو, ثم يشارك في حرب الثمان سنوات , ويشارك ايضاً في حرب غزو الكويت , ثم يطلب اللجوء بعد ان يدخل الى الكويت لاجئاً , فينقل الى مخيم رفحة في السعودية , ويقدم من هناك اللجوء الى الولايات المتحدة الامريكية , ويقبل , وننتقل معه الى امريكا, ليتزوج هناك من صافي , التي هي من اصل فرنسي , ولكنها تقيم في امريكا , لينجب منها , عوف , وشالي , وعندما يكبران , لا يروق لنعيم الحياة التي لا تنتمي الى الحياة الشرقية , فينضم الى تنظيم القاعدة , وتظهر ابنته في اعلانات الملابس الداخلية ( البكيني ) وهي شبه عارية , ويراقبها ليجدها مع عشيقها في وشك ممارسة الجنس , فينقض عليهما , ويقتلهما , وهكذا يكون مطلوباً ومن الارهابيين في الولايات المتحدة الامريكية , فيذهب مع التنظيم الى الرقة في سوريا , ويتدرج في مناصب دولة الخلافة ليصل الى منصب مستشار الخليفة وبإسم حركي ابوعوف العراقي , بينما يكبر ابنه عوف , ليلتحق مع الجيش الامريكي من اجل العثورعلى ابيه وقتله , فيدخل العراق , ويستقر في الموصل قناصاً في الجيش الامريكي يصطاد الدواعش , وهكذا نكون مع الدوائر الدائرة من الامكنة والازمنة , التي تتناوب وفق ما تتطلبه العملية السردية والسياق الفني المطلوب لها , وهنا اود الإشارة الى أن الروائي على معرفة تامة بكل الطقوس والمناسبات والسلوكيات البيئية وطبيعة كل مكان بشكل دقيق ومفصل , متصل مع المسيرة السردية . ويحاول عوف الامريكي ابن المسلم نعيم عبد المجيد, ان يعثر ومن خلال جهاز الاتصال على احد الدواعش ,ويتعرف عليه ويطلب اسمه فيقول له أنا اسد الشيشان , وتبدأ بينهما دورات من الشتائم والكره , ويسأل بشكل غير لافت للنظر عن ابيه ويتأكد من وجوده , بالرغم من تمويه اسد الشيشان وتبليغه بأنه قتل بأحد المعارك , تزداد التحديات بينهما , الى الحد الذي يطلب فيه عوف ان يظهر في سطح البناية كذلك يفعل ليتبادلا الاطلاقات النارية , ومن يقتل من . الا ان هجوما كبيراً يحدث للجيش العراقي , ويصر عوف الصعود الى اعلى البناية, ليواجه اسد الشيشان . لنقف الى هذا الحد مع دورة الاحداث التي تخص شخصية نعيم وابنه عوف , وننتقل بعدها الى حياة السيد النائب , وهكذا أسماه الروائي من صغره وقبل ان يكون نائباً , وتتبادر الاسئلة عن الصلة بين حياة السيد النائب, وحياة نعيم واسرته , واين الربط بينهما , وماهي اوجه الاتصال ؟, بين ما حدث وماسوف يحدث , ونعيش دورة ثانية من تعددية في الامكنة والازمنة الجديدة, حيث أن النائب يعيش في البصرة , وينتقل ليدرس في جامعة بغداد , ويعود ليشتغل معلماً في البصرة , وبعد انتماءه الى الحزب الشيوعي , وبعد فترة قصيرة من ممارسته لمهنة التدريس في احدى المدارس الثانوية وقبل انقلاب القوميين على لحكم في 8 شباط 1963. صارعلى رأس الشيوعيين المطلوبين من قبل ميلشيا الحرس القومي , اضطر بعدها التخفي في بساتين النخيل , وعن طريق أذربيجان , بمساعدة عناصر من حزب توده الايراني , يصل الى موسكو, ويقبل لاجيء سياسي , ويتعرف على الفتاة الروسية نينل , ويتزوجها , وينجب منها ولد اسماه كوليا , وبما أن الحياة في المعسكرين الغربي والشرقي , لا تشبه حياتنا نحن المسلمين في الشرق الاوسط , لما تمتع بها الفتاة من حرية تصل حد الخيانة الامر الذي رفضه السيد النائب , فيفترقان بعد ان تترك ابنها مع ابيه , وبما ان انكسارات نفسية كبيرة اصيبت السيد النائب , فأنه يضطر لترك ابنه كوليا في الملجأ , ويغادر الى شمال العراق , ومن هناك يعيش في إيران , ويترك الحزب الشيوعي ليكون مع الثورة الاسلامية ومع السيد الخميني , ويقيم الصلاة يومياً, ليعود الى العراق , بعد سقوط صدام حسين , نائباً في البرلمان , ويتابع كوليا ابن السيد النائب , حركات أبيه ويتأكد من انه في العراق , واصبح نائباً معروفاً ويلقب بالحملدار, وتشاءالصدف بحكم علاقة نشأت بين كوليا وفتاة شيشانية , ان ينضم كوليا الى تنظيم الدولة الاسلامية , ويلقب بأسد الشيشان,ومن هنا نشعر بهذا الاتصال الكبير في مسار السرد , بعد ان نكتشف بأن ابن السيد النائب , هو اسد الشيشان , الذي كان يتبارز مع عوف ابن نعيم في بندقية القنص , ونكتشف أن الاثنين وصلا العراق من اجل غرض واحد , هو قتل هذا الاب العار , الذي ترك اولاده وهرب , فنعود الى عوف لنكتشف انه وجد ضالته , وعثر على ابيه في الطابق الثاني في نفس موقع المعارك في الموصل , وهناك يجد بندقية اسد الشيشان , ويجد اسمه الحقيقي على الاخمص , ليتضح خلال ذلك الارتباط الرائع بين النص وبنية العنونة , ونكتشف مدى استهتار ابناء دولة الخلافة بالقيم السماوية , إذ أن وبعد ان يعثر عوف على ابيه , وهو في الرمق الاخير, يجده يحتضن المصحف الكريم , وبعد حديث طويل يسحب عوف المصحف ويفتحه فينفجر, لينهي حياته وحيا ابيه , بينما يستطيع اسد الشيشان الوصول الى منزل ابيه , كونه قد شل بسبب عملية إغتيال حصلت له ,نجا منها , الا الاطلاقات التي اصابته اعاقت حركته واصيب بالشلل , وبعد حديث وعتاب طويل , يخنق اسد الشيشان أبيه بسلك , ويستسلم والده دون مقاومة , وهكذا فإن الدورات الزمكانية داخل متن هذا النص , كان لها حضور فاعل ومؤثر ,واعتمد عليها الروائي في عملية التدوين النصي , دون ان يغفل بقية الادوات التي كانت حاضرة ايضاً, الشكل ,المضمون, الشخوص والذي راعى فيها بشكل ملفت للنظر مدى انتمائها لبيئتها ومكانها , فنقل لكل بيئة الصفات التي تتسم بها تلك الشخصيات , والملامح التي تتميز بها . مع الاستفادة من الحرية التي إتيحت له في مساحة هذا النص,ليستفاد من قراءاته المتراكمة للادب الغربي , وتوظيفه في بناء النص , وجعله حالة مكملة للعملية السردية لإضفاء حالة المصداقية , وزج المتلقي في الاجواء الغربية من خلال استحضار هذه الجوانب , وكذلك فعل في توظيف الادب الشرقي الروسي , وتوظيفه ايضاً في مسار العملية السردية , فأدخل أسماء الادباء الكبار من الروس , وجانب من رواياتهم , وكذلك نقل لنا الروائي بشكل صادق الاجواء الصحيحة وطبيعة كل بلد , وكما واننا وقفنا على الاعاصير الكبير والفيضان الذي لحق بالمنطقة التي عاش فيها في الولايات المتحدةالامريكية , وكذلك نقل لنا شدة البرودة في روسيا ,وتفاصيل كبيرة وصادقة رافقت الاحداث, واهمها العادات والتقاليد والسلوكيات والطبائع لكلا الفئتين الجانب الغربي والجانب الشرقي , وعدم ملائمتها ومطابقتها وعاداتنا وتقاليدنا .
رواية (الاسم على الاخمص) للروائي ضياء جبيلي , خروج واضح من السرد الضيق المغلق , الى فضاء اوسع واكثر حرية , والى انتقالات كبيرة وواسعة , لا يمكن أن يتم احتوائها والسيطرة عليها وادارتها , الا بوعي تام وكبير ومعرفة لفن صناعة الرواية الحديثة .
من إصدارات دار سطور للنشر والتوزيع – بغداد – شارع المتنبي لعام 2018