منى العلمي
على الرغم من أن الوضع في سوريا قد بدأ يشهد بعض الاستقرار النسبي؛ إلا أن انتهاء الصراع هناك، ما زال بعيد المنال، خاصة بعد قيام إسرائيل بأسقاط طائرة سورية هذا الأسبوع. وحتى مع استعادة قوات النظام للمناطق الجنوبية من القنيطرة ودرعا؛ فإن مسألة إدارة الحدود السورية – الإسرائيلية قد أدت إلى بروز موجة من المفاوضات، مروراً باجتماع ترامب – بوتين الأخير في هلسنكي، وانتهاءاً بزيارة الوفد الروسي إلى إسرائيل. ومؤخراً، رفضت إسرائيل الأخير للعرض الروسي بإبقاء القوات الإيرانية على مسافة 62 ميلاً من الحدود الإسرائيلية، وهو ما يؤكد عدم تأهب الدور الروسي للعمل على الحد من النفوذ الإيراني في سوريا.
وإذا كانت المفاوضات غير المعلنة لروسيا، تعكس اهتمامها بالحفاظ على الاستقرار في جنوب سوريا؛ فإن بوتين قد لا يتمكن من إثبات قدرته على التوصل إلى حل وسط وناجح، وذلك لوجود مصالح إقليمية شديدة التضارب. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة استطاعت مؤخرا، أن تفرض سيطرتها على التحديات الحدودية التي قد تظهر في مجال نفوذها في شمال سوريا، وقد حققت في هذا الصدد نتائج فورية.
في ٤ حزيران/ يونيو، وافقت تركيا والولايات المتحدة على خارطة طريق لمدينة منبج السورية الشمالية تضمنت انسحاب «وحدات حماية الشعب» المدعومة من الولايات المتحدة. وجاء الاتفاق بعد أشهر حافلة بالتوتر بين البلدين، إذ انتقدت تركيا الدعم الأمريكي للمتمردين الأكراد السوريين، الذين يشكلون عنصرًا رئيسيًا في «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة. كما تنظر تركيا إلى «وحدات حماية الشعب» على أنها فرع سوري لـ «حزب العمال الكردستاني» الذي تعتبرها أنقرة جماعةً إرهابية. وبموجب هذا الاتفاق، ستنسحب «وحدات حماية الشعب» من منطقة منبج، وسيتم تنظيم دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا لتوفير الأمن ضد معاودة ظهور الجهاديين.
ويعكس اتفاق منبج المساعي الأمريكية الأشمل الرامية إلى الحفاظ على توازن دقيق في جميع أنحاء سوريا. وهذا ليس بالأمر السهل نظرًا للكم الهائل من المصالح الإقليمية والدولية التي أصبحت متشابكةً في البلاد. وفي هذا السياق، يعتبر الخبير الكردي فلاديمير فان ويلجنبرغ أن الهدف الرئيسي لاتفاق منبج في الشمال هو تجنب وقوع صدام عرضي بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والأتراك، وهو خطأ قد يحمل تداعيات سياسية خطيرة على العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا المتزعزعة أصلاً.
ويبدو أن الخطة في شمال سوريا تسير في المجرى الصحيح. ففي أعقاب اتفاق منبج، أصرّ المسؤولون الأمريكيون على أن إدارة المدينة الجديدة يجب أن يتولاها «السكان المحليون…على أن يتم التوافق عليهم بصورة متبادلة» من قبل الدولتين، وعلى أن تُبقي «وحدات حماية الشعب» على وجودها شرق الفرات. في غضون ذلك، يمكن القول أن تركيا والولايات المتحدة قد نجحا في تبديد مخاوف القوى الإقليمية على طول الحدود الشمالية السورية، وهي خطوة هامة لضمان الاستقرار في تلك المنطقة.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن روسيا تسعى إلى الوصول إلى نمط مماثل لهذا الاتفاق في الجنوب، حيث فقد تمكنت موسكو في السنوات الثلاث الأخيرة من مساندة نظام بشار الأسد ضد انهياره المحتمل، واستعادة جزء كبير من أراضيه التي كانت خارجةً عن سيطرته في السابق. وبالتالي، أصبح نظام الأسد الآن يسيطر على أكثر من ٦٥ في المئة من البلاد. وفي هذا الإطار، تكمن الأهداف الروسية في الحفاظ على نظام مستقر في سوريا يتوافق مع المصالح الروسية بينما تقوم بتدمير بقايا الفصائل الإسلامية والجهادية، التي قد تشكل تهديدًا لسيطرة الأسد على طول الطريق.
ولكن يتعين على روسيا مواجهة حقيقة أن التصعيد بين إيران وإسرائيل من خلال سوريا قد يعيد البلاد إلى الفوضى، ما يعرّض بدوره المكاسب الروسية للخطر. ففي البداية، بدت روسيا مستعدةً للعمل مع إسرائيل لمنع تأجيج المواجهات في الجنوب بين إيران وإسرائيل. وأعلنت في حزيران/يونيو أنه ينبغي سحب جميع القوات غير السورية العاملة على الجانب السوري من الحدود الإسرائيلية السورية. وبعد أيام قليلة، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القوات الإيرانية كانت تنسحب من الحدود التي تفصل إسرائيل عن جنوب سوريا.
ومع ذلك، يبدو أن خطة روسيا الأولية لاحتواء إيران في سوريا لا تسير بشكل سلسٍ، بحسب ما تكشفه الأحداث الجارية في الجنوب. وعلى عكس قوات السورية الديمقراطية، فإن سيطرة روسيا على التحركات الإيرانية محدودة للغاية، حيث أكّد أحد كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين العميد مسعود جزائري أن قوات بلاده لن تنسحب من سوريا.
كانت عملية درعا التي أدت إلى سقوط المنطقتين الغربية والوسطى في المحافظة، كانت بمشاركة القوات الموالية لإيران مثل «لواء الباقر» و»لواء ذو الفقار» إذ أبلغت مصادر مقربة من «حزب الله» الكاتب أن قادة «حزب الله» كانوا يديرون غرف العمليات العسكرية. علاوةً على ذلك، تتواجد قوات موالية لإيران في المناطق الصحراوية الشرقية بالقرب من خط التماس الذي يفصل مناطق النظام عن المناطق الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، ما يشير إلى تسرّب نفوذ إيران إلى الشرق أيضًا.
تدرك موسكو أن قوات الأسد في الوقت الحالي ضعيفة جدًا بحيث لا تستطيع أن تدير بشكل مستقل جبهات الصراع الواسعة. فإن وجود أكثر من ٣٤ ألف ميليشيا أجنبية موالية لإيران، يعتبر ضروريًا لتعزيز القوات الموالية للنظام في هذه المرحلة الأخيرة من الحرب. ولكن، في حين أن وجود هذه الميليشيات ضروري لنجاح النظام على المدى القصير، إن استمرار وجودها سيزيد بشكل مطرد من الانخراط الإيراني في المنطقة، وذلك على حساب الاستقرار والنفوذ الروسي في المستقبل. وعلى المدى الطويل، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها روسيا في سوريا، إلا أنها قد تفشل بالفعل في الحفاظ على سيطرتها على مجرى الأمور بالبلاد حتى مع استمرار تحالفها مع نظام الأسد.
وختاماً، إن لم تكن روسيا مستعدة لطرد إيران من سوريا واستبدال القوات الموالية لإيران بالقوات الروسية، فإن التوتر بين إيران وإسرائيل سوف يتصاعد، وبالطبع، سيكون النظام السوري طرفا في هذا الصراع. وهكذا، فإن إحكام نظام الأسد سيطرته على جنوب سوريا ستكون بمثابة إغلاق فصل من فصول الصراع الطويل هناك وبداية فصل جديد آخر.
منتدى فكرة، مبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. والآراء التي يطرحها مساهمو المنتدى تعبر فقط عن رأى أصاحبها
* منى العلمي، صحفية لبنانية فرنسية تركز كتاباتها على القضايا السياسية والاقتصادية في العالم العربي. وقد أجرت بحثاً موسعاً حول الحركات الإسلامية المتطرفة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والحركات السلفية في لبنان والأردن وحزب الله وتنظيم القاعدة في غرب لبنان. العلمي هي أيضا زميل في المجلس الأطلنطي وكبير الباحثين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية