كشفت الاحداث الاخيرة في العراق وما صاحبها من حركات احتجاجية عن مدى التباعد بين المؤسسة السياسية كمؤسسة حاكمة تتمتع بالصلاحيات الدستورية وبين هموم ومعاناة الشارع الذي تمثله الجماهير الغاضبة والمحتجة على سوء الاداء والاهمال والتهميش وفساد المسؤولين بشتى عناوينهم ودرجاتهم ومن بين اهم الاسباب التي ادت الى هذه القطيعة وهذا التباعد هو التقاليد السيئة في سلوك السياسيين الذين اعتادوا تقمص ادوار سلبية اسهمت الى حد كبير في نفور الشعب منهم والبستهم لبوس الغرور والتعالي واظهرتهم بمظهر المخادعين والطامعين على حساب الامانة والاخلاص والتواضع فالشارع العراقي يضج منذ سنوات بعشرات الصور التي يفتقد فيها المواطن حضور المسؤولين الشخصي والمعنوي ولربما افتقدت الحكومات العراقية المتعاقبة مفهوم الحضور الميداني في العمل واستبدلته بمفهوم الجدران المغلقة فتردي الخدمات في البنى التحتية يحتاج الى مشاهدات عينية وميدانية وسوء الخدمات الصحية يحتاج الى معاينة مباشرة والزحام الكبير في شوارع بغداد وتردي خدمات الطرق يحتاج الى معايشة يومية والبطالة الواسعة التي تضرب اطنابها وسط عشرات الالوف من الخريجين بحاجة الى التفاتة وعي والى احساس وانسانية بحاضر ومستقبل ابناء العراق وتردي خدمات الماء والكهرباء يحتاج لمشاركة المسؤولين في اعلى الهرم وصولا الى اصغر موظف كي يعيشوا معاناة يومية لملايين العراقيين في الوسط والجنوب ويقتسموا معهم همومهم وتطلعهم للحصول على الحد الادنى من مقومات الحياة البشرية وقد تجلى هذا الغياب الواسع للمسؤولين في الدولة العراقية بشكل واضح في التظاهرات الاخيرة ومااعقبها من اجراءات حكومية اقدم عليها رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي اصدر سلسلة من القرارات السريعة لتدارك الانهيار الكبير في ملف الخدمات في شتى المدن العراقية حيث افصحت هذه القرارات عن غفلة او تغافل كبير مما يجري في الشارع او الميدان واعترف رئيس الوزراء العبادي خلال لقاءاته واجتماعاته بعدد من المحافظين وممثلي التظاهرات من ابناء المدن المحتجة ان المعلومات التي كانت تصل اليه حول واقع الحال في مدنهم كانت شحيحة وتفتقر الى المعلومات الدقيقة وفوجئ حسبما قال في هذه اللقاءات بعدم معرفته للكثير من النواقص والاحتياجات لهذه المدن مما يعكس اخفاقا واضحا في الانفتاح على الرأي العام العراقي وشفافية واقتراب من هموم الشعب العراقي بوصفه الراعي الاول للسلطة التنفيذية في البلاد ويسري مثل هذا الاخفاق على المسؤولين في السلطة التشريعية وفي مرافق الدولة الاخرى التي فشلت في تحقيق التناص والتشابك مع معاناة وهموم الملايين من ابناء الشعب ويصح القول ان خطاب المسؤول في السنوات السابقة كان مبتورا وقاصرا لايتعدى صداه مسافة الجدران المغلقة المسورة باسوار الخضراء فيما يتطلع العراقيون الى خطاب الميدان الذي ينزل فيه الراعي من برجه العاجي الى الرعية التي تكالبت عليها المصائب من دون ان يلتفت اليها احد او يستجيب لشكواها
د. علي شمخي
خطاب الجدران !
التعليقات مغلقة