إعداد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية
بالتزامن مع مساعي الرئيس الاميركي دونالد ترامب من جعل بلاده كشرطي العالم، يفرض على المنطقة قواعد بعيدة عن القانون الدولي، يدور حديث الإعلام حول عبارة أطلقتها وسائل إعلامية تحت مسمى (صفقة القرن)، التي جهزها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الاميركي دونالد ترامب، لإحلال السلام في الشرق الأوسط –بحسب إعتقاده-، تحت ادعاء الحل الاقتصادي والبُعد الإنساني لأزمة غزة، وإغلاق الأفق السياسي الذى يؤدي إلى استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والبحث عن حلول جزئية للقضية الفلسطينية خارج الشرعية الدولية وإسقاط مبدأ حل الدولتين.
صفقة تجارية إستثمارية
بدأت تطفو على السطح معالم صفقة القرن المبهمة، فهي خطة إقتصادية إستثمارية بدون أي أفق أو حل سياسي، فهي تحدثت -وفقا لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية- عن دولة فلسطينية (منقوصة)، وطالبت بإنسحاب إسرائيلي من أربع أو خمس قرى شرق القدس المحتلة وشمالها (شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وأبو ديس)، تكون إحداها (أبو ديس) عاصمة للدولة الفلسطينية، مع إبقاء البلدة القديمة المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، تحت الإحتلال. مع عدم التعرض إلى المستوطنات التي أقيمت بعد عام 1967 والإبقاء والإستمرار ببناء وتوسيع المستعمرات الإستيطانية في الضفة الغربية، وبخاصة في مدينة القدس، وتحويلها إلى مدينة عبرية تتغلب فيها التركيبة الديمغرافية اليهودية، بحيث يتقلص عدد العرب من 39% إلى أقل من 10%، وفق إستراتيجية صفقة القرن التي في حقيقتها تعمل على إنهاء واقع السلطة الفلسطينية، وإعلان سيادة الدولة القومية اليهودية وإلغاء ملفات حق العودة والحدود واللاجئين والمياه والقدس، وجعل إسرائيل البوليس للشرق الأوسط، وعزل القيادة الفلسطينية ووسم الفصائل بالإرهاب، وأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة الجيش والسلاح الثقيل، لضرب مشروع القضية الفلسطينية في المنطقة.
عزل غزة عن الضفة
أوضح مراقبون في الشأن الإسرائيلي إلى أن صفقة القرن قديمة جديدة، تهدف إلى عزل غزة عن الضفة الغربية، من خلال إعطاء غزة 712 كيلو مترا مربعا من منطقة سيناء، والبدء بخمسة مشاريع كبرى تقدر بمليارات الدولارات، مقابل إعطاء الجانب المصري مثلهم في النقب، أما بالنسبة للضفة الغربية، فستكون تحت الرعاية الأردنية، مع احتفاظ إسرائيل بغور الأردن وثلاثة كتل إستيطانية كبيرة، إضافة إلى إخراج القدس من التسوية النهائية.
لذا فإن محاولة تجزئة المسار السياسي الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن، بات في هذه المرحلة يشكل خطورة كبيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، فالتسلل من بوابة الإغاثة الإنسانية لغزة والمساعدات والحديث عن بعض المشاريع بالرغم من ما يعيشه قطاع غزة من مستويات عالية من الفقر والبؤس والأهم هو إنعدام الأمل للغزيين في العيش بحياة كريمة. ما هو إلا مقدمة لفصل القطاع عن القضية الفلسطينية والمس بوحدة الفلسطينيين السياسية وبالتمثيل السياسي لمنظمة التحرير، وأن هذه الإجراءات ما هي إلا قضايا إنسانية فقط.
خلاف زعماء العرب حول الصفقة
أعلنت المملكة العربية السعودية موقفها من القضية الفلسطينية وإنهاء النزاع العربي- الإسرائيلي، كما نقلته صحيفة هاآرتس الاسرائيلية ما وصفته بـ(تباين وجهات النظر) حول صفقة القرن بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وقالت الصحيفة: «يعد الأمير محمد بن سلمان من المؤيدين المتحمسين للخطة الاميركية، لكن والده الملك سلمان يشعر بالقلق من النقد الذي يتوقعه إذا ما تخلى عن القضية الفلسطينية وموقف المملكة من القدس الشرقية».
لكن مصر، والقول لهاآرتس، لا تقبل بالصفقة الاميركية بصورة كاملة، خاصة وأنها أعلنت يوم الخميس الماضي، بدعم مصر لجميع الجهود والمبادرات التي تهدف للوصول إلى اتفاق شامل، يمكن على أساس قيام دولتين في حدود 1967 وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وأعلنت قبولها لمشاريع الإستثمار والتجارة في سيناء دون التخلي عن سيناء للغزيين.
وقالت الصحيفة أيضا: «إن الموقف المصري الرافض التخلي عن القدس الشرقية يتزامن مع إنزعاج العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني من الصفقة، خاصة فيما يتعلق بموقفه من القدس الشرقية، وإزالة رعاية الأردن على الأماكن المقدسة، واستمرار سيطرة إسرائيل على وادي الأردن».
ونقلت هاآرتس أيضا عن مصادر قولهم إن هذا ليس فقط مصدر الخلاف بين الزعماء العرب على صفقة القرن، لكن تصريح ترامب حول أنه سيطلب من السعودية والإمارات وقطر المشاركة في تمويل مشاريع جديدة في غزة.
ورفض الرئيس الفلسطيني التعاطي مع الزائرين الأميركيين أو استقبالهما، الأمر الذي يطرح التساؤل عن الأوراق التي تمتلكها القيادة الفلسطينية لمواجهة المسعى الاميركي، وتفويت استهدافه. وربما يجدر التذكير هنا أن الولايات المتحدة هي أحد أهم المصادر السياسية لتشريع وجود الكيان الفلسطيني، كما أنها أحد أهم مصادر تمويل السلطة الفلسطينية.
حل الدولتين (25) عامًا من الصراع
اقتُرح حل الدولتين لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 قبل الحرب الشهيرة التي عرفت تأريخيا باسم النكسة.
– عام 1993 وقعت إتفاقية أوسلو التي تضمنت اعتراف الطرفين ببعضهما وإقامة سلام دائم.
– عام 2000 حدثت قمة كامب ديفيد التي باءت بالفشل من أجل إيجاد حل سلمي.
– عام 2002 طرحت مبادرة السلام العربية المتضمنة على قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
– عام 2003 حدثت إتفاقية جنيف التي نصت على العودة إلى حدود عام 1967 وتعتبر القدس مدينة مفتوحة للطرفين وتخلي الفلسطينيين عن حق العودة.
– عام 2007 عقد مؤتمر أنابوليس الذي خرج بالتزام الطرفين بتنفيذ التزاماتهما بموجب خارطة الطريق المستندة الى حل الدولتين.
– عام 2010 عقدت محادثات مباشرة بين الطرفين في البيت الأبيض أدت إلى إنهيار المفاوضات بسبب إنتهاء العمل في إسرائيل بالتجميد الجزئي للاستيطان.
– عام 2011 رفض إسرائيل دعوة أميركية إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 تضم الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
– عام 2013 فشل المفاوضات المباشرة في التوصل إلى أي اتفاقيات.
– عام 2014 تقديم المشروع الفلسطيني العربي إلى مجلس الأمن، وتأكيد الحاجة لتحقيق رؤية دولتين مستقلة وديمقراطية ومزدهرة.
– عام 2015 إنسحاب فلسطين من إتفاقية أوسلو.
– عام 2017 إعلان دونالد ترامب عدم تمسكه بحل الدولتين.
– عام 2018 إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة إسرائيل.
كلمة أخيرة
المبادرة الاميركية لن تقدم شيئاً جديدا لواقع الفلسطينيين أو لحقوقهم، بقدر ما تضفي شرعية على الكيان الفلسطيني الناشئ في الضفة، الذي سيبقى بناء المستعمرات الإسرائيلية عليها، فهو كيان بمنزلة أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة، وتحت هيمنة إسرائيل، التي ستبقى مسيطرة على الحدود والمعابر والموارد.
لذا فإن وضع السلطة الفلسطينية في غاية الصعوبة والتعقيد، فهي أولاً: تعتمد في شرعيتها بوجود الكيان الفلسطيني على الخارج. ثانيا: تعتمد على المساعدات المالية المتأتية من الدول المانحة، ومن عمليات المقاصة مع إسرائيل، وهذان يغطيان ثلاثة أرباع موازنة السلطة الفلسطينية. ثالثا: في حال الإنقسام الفلسطيني، بين سلطتي الضفة وغزة، وبين حركتي فتح وحماس، سيضعف الفلسطينيين ويحد من قدراتهم، ناهيك عن تنمية مشاعر الإحباط عندهم. رابعا: لا توجد حاضنة عربية للموقف الفلسطيني بحكم اضطراب الأوضاع في المنطقة والتدخلات الإيرانية، لا سيما في المشرق العربي، وغياب إجماع عربي في مختلف الشؤون العربية.