د. أسعد كاظم شبيب
تجلى الدور الغامض بطريقة تعامل الحكومات العراقية السابقة المشكلة من كتل وأحزاب عديدة ذات إيديولوجيات مختلفة، وبعضها ذات إنتماءات خارجية متباينة في إطار الإستفادة من ديمومة الدولة الهشة بعد إنهيار الدولة الشمولية المركزية المستبدة، ليس فقط في إدارة الملفات الداخلية، وإنما أيضا بغياب الرؤية الإستراتيجية في تجنيب العراق تأثير تداعيات أزمات المنطقة العربية السياسية والأمنية على كيانه ومستقبل شعبه الاقتصادي والأمني، في أجواء من حرب النفوذ والهيمنة ما بين دول الإقليم ذاتها، وهناك الدول الكبرى الساعية لرسم سيناريوهات سياسية، واقتصادية، وأمنية مختلفة، ودور أجهزة مخابراتها المحترفة المحرك الرئيسي في ذلك.
بالرغم من التغيير الإيجابي في النظام السياسي بعد عام 2003، لم يحقق ما أراده العراقيون لضعف القوى التي بمقدورها سياسيا أن تمثل منحاه، لكنها لم تستغل هذا التغيير بدءاً من الفترة التأسيسية (مجلس الحكم، ومرحلة كتابة الدستور)، والسبب هو أن عددا من الأحزاب والكتل السياسية النافذة تنتهج سياسة الإنقسام الإقليمي في داخل العراق، وهو ما كان واقع بأستمرار مع أي إنفعال أزموي خارجي فينعكس سلبا على المجال السياسي والأمني والاقتصادي، وما تقوله الخارجية العراقية بعد مرور خمسة عشر عاما من سقوط النظام الإستبدادي في رؤيتها الإستراتيجية من تبرير غير معقول: إن العراق الجديد ورث تركة ثقيلة من العداء وإنعدام الثقة نتيجة لسياسات النظام السابق غير المسؤولة تجاه القاصي والداني التي أدت إلى تراجع مكانة البلاد في المجتمع الدولي». إلى جانب أن العراق لا يتجرأ في تثبيت قدميه مع القوى الدولية المساندة للنظام السياسي الجديد عبر تبني سياسة (الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الدولية على نحو عادل -كما جاء في إستراتيجية وزارة الخارجية العراقية-. هذه السياسة أنتجت مشكلات كثيرة على مستوى موقع العراق بالنسبة لباقي دول العالم، وكذلك هشاشته سياسيا وضعفه أمنيا وتجلى ذلك في أكثر من حدث سياسي وأمني في ترك العراق يواجه دخول المجموعات الإرهابية (تنظيم داعش) لوحده، وتعرض أمنه القومي، والاقتصادي، وحتى الجيو جغرافي للخطر في ظل إطار الدول الساعية للأستفادة من التناحر السياسي والهشاشة الأمنية، والمنهك من حالة الفساد المالي والإداري المستشري في مؤسساته الرسمية للسيطرة على مناطق حدودية أو التوغل داخل الحدود العراقية بحجة محاربة الجماعات المسلحة كحالة حزب العمال الكُردستاني التركي في إقليم كُردستان العراق، فضلا عن سياسة الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران في أكثر من بلد عربي ومنه العراق وسوريا إلى جانب البحرين واليمن، وفي ضوء كل هذه الأزمات من الممكن لأي حكومة قوية ومقتدرة وعادلة أن تخرج العراق من عنق الزجاجة عبر عدد من المقترحات والمعالجات أهمها ما يلي:
1- إن الأزمات الخارجية المؤثرة على المستويات الداخلية في العراق وإن كان هناك مغذيات خارجية ولكن حلالها يبدأ من الداخل العراقي.
2- المساهمة بتعزيز التماسك الاجتماعي، وترسخ قيم دولة المواطنة خاصة بعد أن أسترجعت القوات الأمنية العراقية والقوات الساندة محلياً ودولياً الأراضي العراقية في غرب وشمال بغداد وإنهاء مسألة إستفتاء إقليم كُردستان العراق لصالح الكيان العراقي الواحد، والإسراع بإنهاء عدد من المخاطر الأمنية، والاجتماعية: إرهابية كانت أو قومية أو حزبية أو عشائرية.
3- الإسراع بإصلاح الجانب السياسي والدستوري وتقويم الإعوجاج الحاصل في العملية السياسية منذ أيامها التأسيسية الأولى وإلى مشكلات ما بعد إنتخابات مايو من عام 2018.
4- الحكومة العراقية الجديدة مطالبة بسياسة خارجية أكثر وضوحا في التعامل مع الملفات الشائكة كالمشكلات الحدودية، وأزمة المياه، والمجموعات المسلحة، على وفق طريقتي التعامل بالمثل، وإيجاد البدائل، إلى جانب معالجة مشكلات أخرى بأدوات المتابعة الأمنية والمخابراتية كمشكلة المخدرات الآخذه بالإستفحال منذ مدة.
5- إيقاف التوجهات الخارجية للأحزاب والكتل السياسية في العراق وردعها لا يتم بالإتهامات والخطابات وإنما بالضوابط القانونية تعديلاً وتشريعاً، خاصة تعديل قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 لضبط الحالة الحزبية الفوضوية إيديولوجياً، ومالياً، وسياسياً، وحتى عسكرياً، فضلاً عن تفعيل الرقابة النيابية والمؤسسات الرقابية الأخرى على المصادر الأخرى للتمويل المالي داخل العراق وخارجه، ومحاسبة المخالفين بأشد العقوبات القضائية.
6- تقارب العراق مع أشقائه العرب يأتي في سياقه التأريخي ــ العرقوي، ومعالجة التصدعات ما بين العراق وعدد من الدول العربية منذ حزب الخليج الثانية وإلى مرحلة صعود القوى العراقية المعارضة للنظام السابق إلى سدة الحكم، وقد يكون إدراك متأخر من قبل الدول العربية ذاتها لسياسة الرفض تجاه النظام السياسي الجديد في العراق وما أثرته سياسة الرفض من مخاوف أمنية، وسياسية، فعلى الحكومة العراقية المقبلة أيا كان توجهها محافظ أم إصلاحي تبني خيار الإنفتاح المتبادل مع العرب ودول الجوار عموما وعلى وفق سياسة حسن الجوار.
7- إبعاد العراق عن الصراعات الدولية كتلك المتعلق بالصراع الأميركي ــ الإيراني الشائك لأن من شأن نماذج هذه الصراعات أن تؤثر بصورة مباشرة على جميع المجالات في العراق، وعدم السماح لدولة معينة بجعل العراق في قبال المقايضات السياسية والعسكرية.
* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية.