مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 58
جاسم محمد*

“الجهاد” والراديكالية عند تركيا
بدأت تركيا سياسة اكثر اندفاعا باتجاه تغير النظام في سوريا منذ عام 2011 ومن اجل ذلك سمحت تركيا بتدفق المقاتلين العرب و”الجهاديين” الى سوريا عبر اراضيها. التحقيقات والتقارير الوثائقية كشفت عن دخول المقاتليين العرب والاجانب من اوربا ومن مختلف دول العالم، عبر نقاط الحدود التركية ومطاراتها وبشكل علني من اجل العبور الى سوريا. أن تدفق “الجهاديين” من تركيا شيء محير وذلك لأن الأتراك لم ينضموا سابقاً لتنظيمات “جهادية” كالقاعدة و “الدولة الاسلامية”، بأعداد كبيرة، كما أن تقدم داعش في العراق وسوريا، جاء بثمن كبير دفعه الشعب التركي. ف”الراديكالية” في تركيا متناسبة تماماً مع ظهور مؤسسات سياسية ومجتمع مدني إسلامي خلال السنوات الأخيرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ولذلك لم تكن “ألراديكالية الإسلاموية” بارزة في صورة تركيا التي تطرح نفسها كنموذج للديموقراطية الإسلامية او الاسلام المعتدل. ولكن ترى المجلة “فورين أفيرز” الأمريكية أن الراديكالية في تركيا متناسبة تماماً مع ظهور مؤسسات سياسية ومجتمع مدني إسلامي، خلال السنوات الأخيرة، في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ولذا خرج من تركيا عدد كبير من “الجهاديين” وانضموا إلى داعش، حيث ولَّدَ مجتمع مدني ومؤسسات سياسية مهترئة، بيئة مواتية للراديكالية وتتابع المجلة “كما زرنا تركيا وحضرنا ندوات إسلامية طرحت فيها وجهات نظر مؤيدة “لجهاديين”، وذلك من أجل تكوين فهم أوسع حول الرديكالية في تركيا”. وان ترك حكومة اوردغان الحدود مفتوحة مع سوريا والعراق، ساعد على تسرب المقاتليين الاتراك الالتحاق بالجماعات القاعدية هناك.
وقال تقرير للاستخبارات نشرته صحيفة “ديلي حرييت” التركية، ان” ثلاثة ألاف تركي يضاف إلى هذا الرقم وجود ما يقارب من 700 الى 1000 مقاتل تركي، يحارب الى جانب تنظيم داعش في سوريا والعراق”، مبيناً أن “عودتهم المتوقعة الى تركيا تثير قلقاً لدى حكومة أنقرة”. ودعا التقرير الأمن إلى اجراء مسح ومراقبة لطبيعة صلة ومناصب هؤلاء في تنظيم داعش، وفيما اذا كان لهم نشاط داخل تركيا، واصفاً الـ3000 مقاتل بالخلايا النائمة. ورجح التقرير، إلى احتمال وقوع هجمات من قبل تنظيم داعش والقاعدة ضد قنصليات الدول الغربية داخل تركيا.

علاقة تركيا بألاخوان
اليوم تركيا تحتاج الى التموضع من جديد وتنظيم نفسها من الداخل، وإعادة النظر بدورها في التنظيم الدولي للإخوان في ضوء التطورات الجديدة في المنطقة. أما علاقاتها مع التنظيمات “الجهادية”وتنظيم “الدولة الاسلامية” فهو الاخر الذي لايقل اهمية عن دورها مع الأخوان إن لم يكن متداخلا معه بعد تحالف الاخوان والجهاديين في سيناء وليبيا والعراق وسوريا. التطورات الاقليمية تاتي سريعة وكبيرة الحجم يصعب احتوائها من قبل انقرة، لذا ردود أفعال أنقرة جائت بالإتجاه المعاكس. الدور التركي في ادارة ملف الاخوان الدولي، سيكون اوسع بعد قرار الدوحة بابعاد ومغادرة الجماعة المحظورة.
وفي هذا السياق حدد خبراء عسكريون أميركيون في أربيل ذخائر عسكرية مصدرها تركيا، وتحمل تلك الذخائر علامة تصنيع “شركة الصناعات الكيميائية والميكانيكية التركية (MKE) عثر عليها بعد قتال بين تنظيم “داعش” وقوات البشمركة الكردية شمال العراق .واكدت صحيفة “طرف” اليسارية التركية ذلك الخبر الى جانب قناة “سكاي نييوز” عربية في تقرير نشرته في اعقاب ذلك، مشيرة إلى أن بعض مقاتلي داعش الذين قتلوا عثر معهم على كميات كبيرة من الذخائر من تصنيع الشركة التركية. ويحاول الأتراك إقناع الأميركيين بأن تلك الذخائر ربما سرقت، أو غنمها مقاتلو داعش من مناطق سيطروا عليها في سوريا. لكن مايجري على الارض وعلى الحدود التركية السورية والحدود العراقية ايضا، لايمكن ان يتم بدون دور مؤسسة الجيش والاستخبارات للتعامل مع تنظيم داعش والجماعات “الجهادية” وان مرونة حركة هذه الجماعات على مستوى التنظيمات او مستوى افراد داخل تركيا او عبرها لايمكن ان يكون بدون مراقبة الى هذه الجماعات والى شبكات اتصالاتهم وهذا يؤكد دور الجيش التركي في صنع القرار على خلاف ماجاء في راي الخبير الاميركي “ال ستافورد”.
إن دور الجيش التركي في صنع القرار داخل تركيا وادارة خلايا وجماعات “جهادية” داخل تركيا او في سوريا والعراق، يعيد الى الاذهان الى مؤسسة الجيش والإستخبارات الباكستانية وعلاقتها مع طالبان والدور المزدوج مابين الاستخبارات المركزية ـ ال سي اي اية وطالبان افغانستان. المشهدد في تركيا ودور الجيش ربما لا يكون بعيدا من النموذح الباكستاني ومايدعم ذلك ان كلا المؤسستين الاستخباريتين في تركيا والباكستان تصنف ضمن المؤسسات الاستخبارية العميقة في المنطقة. وفي الحالة التركية من المرجح ان يمتد نشاط الاستخبارات التركية الى داخل سوريا والعراق، ضمن سياقات العمل الاستخباري والاجرائات الوقائية.

تركيا : قادة عسكريون يقاتلون الى جانب داعش
الجيش التركي وعناصر داعش علاقات تفاهم
تعمل تركيا والولايات المتحدة الاميركية بالاشتراك مع اطراف راعية اخرى بدعم اطراف المعارضة السوريةاقل تطرفا حسب وصفها، والتي تهدف الى تغير النظام في سوريا اكثر من مواجهة “دولة داعش”. التقارير كشفت عن تخرج اعداد من المقاتليين السوريين حصلوا على التدريب داخل الاراضي التركية، وتم تسليحهم هذه المرة باسلحة اكثر من الاسلحة الخفيفة وصواريخ مضادة للدروع والطيران. وسبق ان وقعت واشنطن وأنقرة وقطر منتصف شهر فبراير 2015 اتفاقا لتدريب عناصر سورية في قاعدة تركية بدء تنفيذه مطلع شهر مايو 2015. المشروع تشرف عليه “البنتاغون” ويمتد الى ثلاث اعوام بتخريج خمسة الاف مقاتل مدرب سنويا. إن لتركيا حدود واسعة مع كل من العراق وسوريا، وكانت لديها تجارب متعددة بدخول عمق الاراضي العراقية بمطاردة حزب العمال الكوردي، جماعة اوجلان وكذلك في مطاردة عناصر الحزب في سوريا. إن لتركيا كم من المعلومات والتفاصيل عن جغرافية المنطقة لكنها مازالت تعيش حالة انذار مسبق الى امنها الوطني. الجيش التركي نفذ عدد من العمليات العسكرية داخل الاراضي العراقية ونفذ ضربات جوية ضد مدن وقرى عراقية وسورية بذريعة تواجد عناصر حزب العمال الكوردي فيها. مايجري من تطورات في سوريا والعراق الان وتواجد تنظيم “الدولة الاسلامية” عند حزام تركيا، بالتأكيد هو موضع دراية ودراسة لدى الحكومة التركية. التقارير كشفت عن وجود قيادات عسكرية ومستشارين اتراك داخل سوريا تقدم الخبرات والمشورة للمعارضة السورية المسلحة واخرى تقود فصائل معارضة مسلحة على الارض.

الطيران التركي في الاجواء السورية
كشف الباحث التركي “محمد زاهد غول” تفاصيل الاتفاق التركي الاميركي، قائلا “السوريين الذين يتدرّبون عسكرياً ضمن برنامج التدريب الأميركي التركي، لن يستطعوا تغيير الوضع عسكرياً بعددهم إذا دخلوا إلى الاراضي السورية، لهذا فإن المقصود تسليحهم بسلاح نوعي، أو اللجوء إلى ما اقترحته تركيا بنوع من الاسناد الجوي الذي يجنّب هؤلاء مخاطر الطيران السوري”. وأضاف: “سيكون هناك دعم جوي وإسناد للعمليات العسكرية سواء كانت ضد “داعش” أو ضد النظام السوري من سلاح الجو التركي أو الأميركي. هذا يعكس، حقيقة ان الولايات المتحدة وتركيا والاطراف الداعمة وصلت الى حقيقة ان المعارضة السورية المسلحة لوحدها لا تستطيع ان تعمل شيء. ان دور الاستخبارات يظهر الى جانب العسكر خلال فترة الحروب والصراعات، وان دولة عميقة مثل تركيا، بالتأكيد لا تترك ان يكون هنالك نشاطا لتنظيمات وجماعات “جهادية” دون ان يكون لها دورا في ادارة هذا الصراع ميدانيا على مستوى الجيش ومعلوماتيا على صعيد الاستخبارات.

تورط الأستخبارات التركية في حرب سوريا
إن تنظيم “الدولة الاسلامية” اصلا نشأ في العراق على اساس كونه حلقة عسكرية استخبارية مغلقة وقام على خبرات عسكرية مؤدلجة . كشفت هيكلية تنظيم داعش بأن قيادات التنظيم اغلبها من ضباط النظام السابق في العراق ماقبل 2003، ابرزهم الحاج بكر الذي كان يعتبر القائد العسكري الفعلي للتنظيم والذي قتل في سوريا عام 2014 وابو مسلم التركماني الذي يعتبر الشخص الثاني في التنظيم، والذي قتل ايضا في العراق 2014 وابراهيم البيلاوي المسؤول الاستخباري للتنظيم والمشرف على امن ابو بكر البغدادي وهذا يعني ان هذه الجماعة لديها معرفة وخبرة في ادارة العلاقات العامة مع اطراف وشخصيات عسكرية تتطلبها مصلحة التنظيم، فهي لديها الامكانيات في قراءة تقدير الموقف مع الطرف التركي يساعدها بأيجاد علاقة تفاهم والتعاون المشترك . إن سياسة اردوغان وتعاملها مع ازمات الكورد في العراق ومع حزب العمال الكوردي، جماعة اوجلان، يرجح مشاركة بعض قيادات الجيش التركي الى جانب تنظيم ” دولة داعش” في تقديم الخبرات والمشورة وادارة العمليات وعلى مستوى المستشارين وهذا مبدء بات معروفا عند الاستخبارات ايام الصراعات والحروب، لايمكن استثناء الجيش والاستخبارات التركية منه.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة