ترجمة أحمد م. أحمد
تجلسُ وقد أسندتْ رأسَها بيدٍ، اليدُ
الأخرى تقلّبُ خاتَمًا عتيقًا تحت الضّوء
وعلى مدى ساعاتٍ تشظى حديثُنا
مثل مطرٍ على شاشات النّوافذ
حسَّ آبٍ والبرقَ القصيَّ
أنهضُ، لأعدَّ الشّايَ، أعودُ
ينظرُ كلٌّ منّا إلى الآخر
ثم تبادرُ هي بالقول (وهذا هو الموقفُ الذي أعيشُه
المرّةَ بعد المرّة)- تقولُ: لا أعرفُ
إن كان الجنسُ وهمًا
لا أعرفُ
ما كنتُه عندما قمتُ بأشياءَ كهذه
أو ما قلتُ إني كنتُه
أو إذا شئتُ أن ألمسَ حقيقةَ
ما قد قرأتُ عنه
أو مَن كان برفقتي في الواقع هناك
أو إذا كنتُ توصّلتُ، حتى في ذلك الحين
إلى أن ثمّة ارتيابًا كان يلفُّ هذه الأشياء
نخلصُ إلى أن سمفونيّة بتهوفن التاسعة
رسالة جنسيّة في نهاية الأمر
رجلٌ يعيشُ رُهابَ العِنَّةِ
أو العقمِ، دون أن يدرك الفرقَ
رجلٌ يحاولُ أن يقولَ شيئًا
يعوي من العجز الجنسيّ
موسيقى روحٍ
في أقصى عزلتِها
من نَفَقِ الأنا يصرخُ في وجه الغبطةِ
موسيقا بلا شبحِ امرئٍ
آخرَ في تضاعيفِها، موسيقا
تَجْهَدُ أن تقولَ
ما لا يريدُ الرّجلُ
أن يبوحَ به، بل سيُبقيَه لو استطاع
مُكمَّمًا وموثَقًا ومَسُوْطًا بأوتارِ الغبطةِ
حيث كلّ شيءٍ صمتٌ
ثمَّ خبطةُ قبضةٍ داميةٍ على
طاولةٍ متشقّقة
دلـتـا
إذا كنتَ أخذتَ هذا الرّكام من ماضيَّ
تنبشه بغيةَ كِسراتٍ قد يقيّض لك بيعها
فاعلمْ بأنني قد أوغلتُ منذ زمنٍ طويل
في الانتقال عمقًا إلى جوهر السؤال
إذا كنتَ تحسب أنه يمكنك الإحاطةَ بي، فكِّر بالأمر أكثر:
حكايتي تتدفّقُ في أكثرَ من اتّجاه
تنهضُ دلتا من حوضِ النّهر
وهي تفردُ أصابعها الخمس
ملاحظات أخيرة
لن تكون مسألة يسيرة، ولن تكلفك الكثير
ستأخذُ بعض الوقت، وستأخذ كلَّ تفكيرك
ستحتلّ كلَّ قلبك، ستحتل كلَّ أنفاسك
ستكون قصيرة الأمد، ولن تكون يسيرة
ستمَسُّ ضلوعك، ستحتل كلَّ قلبك
لن يطوْلَ أمدُها، وستشغل جلَّ فكرك
كما المدينةُ مشغولة، كما الفراشُ مشغول
ستأخذُ كلَّ لحمِك، ولن تكون يسيرة
أنتَ مُقْبِلٌ إلينا نحن الذين لا نستطيع أن نصمدَ أمامك
مقبلٌ إلينا نحن الذين لم نَشأْ أن نصمد أمامك
أنتَ الذي تقاسُمنا أجزاءً منّا في أماكنَ لم نخترْها
ثم تذهبُ بعيدًا آخذًا أجزاءً من حيواتنا
ستكون قصيرة، ستأخذُ كل أنفاسك
لن تكون يسيرةً، ستغدو مشيئَتَك
في تلك السّنوات
في هذه السنوات، سيقول النّاسُ، فقدنا مدلولَ
معنى نحن، معنى أنت
وجدنا أنّ ذواتَنا
قد تقزّمتْ إلى أنا
ليصبحَ الأمرُ برُمَّتِه
سخيفًا، فظيعًا، مريرًا:
كنّا نسعى لأن نعيشَ حياةً شخصيّة
و، نعم، تلك كانت الحياة الوحيدة
التي احتملنا أن نشهدَها
لكنّ طيورَ الظّلامِ العميمِ للتّاريخ زعقَتْ ثم فزعتْ
إلى طقسِنا الشخصيّ
كانتْ تقصدُ أمكنةً أخرى لولا أنّ مناقيرَها وقوادمَها اندفعَتْ
على امتداد الشّاطئ، عبر سُتُرِ الضّباب
حيث وقَفْنا، ونحن نقولُ (أنا)
غـزل
على قيد الحياة من أخمص القدمين حتى فروة الرّأس أمام مرآةِ النافذةِ السّوداء.
مطرُ الشّتاء الأوّلُ ــــــــــ ساعاتِ الصباحِ الوجيزة للغاية.
فلتَعُدْ إلى الغزلِ إذًا ــــــــ ماذا ستفعلُ هناك؟
لطالما كان نبضُ الحياةِ أقسى من السّطور.
هل تتذكّرُ الجدائلَ التي تقافزتْ من عينٍ إلى عين؟
اللسانَ الذي بلغَ كلَّ المواضعِ، متلفِّظًا بكلّ الأجزاء؟
كلُّ شيء هناك قُدَّ على هيئة رغبة.
صرخةُ المُخيّلة هي صرخةٌ جنسيّة.
أشيلُ جسدي معي أنّى حللتُ.
في أجماتِ التّجريد رَشَحَ جلديَ الدّمَ.
كانتِ الحياةُ على الدّوامِ أكثر طغيانًا… لم يستطع النّقّادُ أن يفهموها.
تقولُ الذّاكرةُ إنّ الموسيقى أبدًا سبقتِ الكلمات.