هشام المدفعي
اعتادت الصباح الجديد ، انطلاقاً من مبادئ أخلاقيات المهنة أن تولي اهتماماً كبيرًا لرموز العراق ورواده في مجالات المعرفة والفكر والإبداع ، وممن أسهم في إغناء مسيرة العراق من خلال المنجز الوطني الذي ترك بصماته عبر سفر التاريخ ، لتكون شاهداً على حجم العطاء الثري والانتمائية العراقية .
واستعرضنا في أعداد سابقة العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت شتى صنوف المعرفة والتخصص وفي مجالات متنوعة ، بهدف أن نسهم في إيصال ما تحمله من أفكار ورؤى ، نعتقد أن فيها الكثير مما يمكن أن يحقق إضافات في إغناء المسيرة الإنمائية للتجربة العراقية الجديدة .
وبناءً على ذلك تبدأ الصباح الجديد بنشر فصول من كتاب المهندس المعماري الرائد هشام المدفعي ، تقديرًا واعتزازًا بهذا الجهد التوثيقي والعلمي في مجال الفن المعماري ، والذي شكل إضافة مهمة في مجال الهندسة العمرانية والبنائية وما يحيط بهما في تأريخ العراق .
الكتاب يقع في (670) صفحة من القطع الكبير، صدر حديثاً عن مطابع دار الأديب في عمان-الأردن، وموثق بعشرات الصور التأريخية.
الحلقة 57
الفصل التاسع عشر
مشاريع كبرى في إعمار العراق
2009 – 2014
اولاً : تحديات تخطيط المدن
الدعوة الى مجلس الاعمار مرة اخرى , تحديث التصميم الأساس لمدن القاسم والمسيب والهندية ، الانفتاح على أعمال أوسع ، التصميم الاساسي لمدينة الخالص – ديالى , التصميم الاساس لمدن الزبيدية والشيخ سعد , التصميم الاساس لمدن الموفقية وواسط والشحيمية , مفاهيم التصميم الأساس , التجديد الحضري لمدينة الكوفة القديمة
ثانياً : الخطط الهيكلية لتطوير المحافظات
الخطة الهيكلية لتطوير محافظة المثنى ، الخطة الهيكلية لتطوير محافظة بابل ،
الخطة الهيكلية لتطوير محافظة صلاح الدين ، الخطة الهيكلية لتطوير محافظة الأنبار
، الخطة الهيكلية لتطوير محافظة كربلاء
ثالثاً : طريق محمد القاسم السريع في بغداد
دعوة الى تكوين مجلس الاعمار
بعد تغيير النظام في سنة 2003 من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، كنت قد اعطيت نفسي خمس سنوات للعمل مرة اخرى على الاعمال الاستشارية متوقعا ان تعمل امريكا على تطوير العراق مثلما عملت في كوريا الجنوبية ، اوربا والمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية . كل ذلك كان طموحاً او حلماً . بالفعل باشرت اعمالي تدريجيا كما بينت في الفصول الاولى ، إلا اني عملت الكثير لاقنع السياسيين الذين اعرفهم على (ضرورة استحداث مجلس للإعمار) ، ليأخذ على عاتقه هذة المهمات ، إلا انه اتضح لي وكما يتبين من الفصول اللاحقة ، ان السياسيين كانوا مشغولين بأمور مادية تهم انفسهم والكتل السياسية التي ينتمون لها ، وهذه الامور أعمت أبصارهم عن إعمار البلد وترك العراق يتدهور خلاف ما كنا نطمح اليه حيث اعتقدنا ان التغيير جاء لبناء العراق مجددا وليس فقط الإطاحة بصدام حسين . أمور مؤلمة جدا لكن لا حول للمهندس الفرد ولا قوة اذا ما علمنا ان ليست هناك اي نقابة منتخبة للمهندسين ولاسلطة تستمع لما يعاني منه المجتمع . حاول الآخرون كذلك وبحث الأمر في مجلس النواب كما اتضح لي بعدئذ ، إلا ان الفكرة اختفت لحد الآن .
اكتفيت بما اقوم به من مشاريع عن طريق مكتبي الشخصي والخاص مطمئنأ نفسي بما قال لي صديقي د. مهدي الحافظ « ان عملك في مشروع مسودة قانون التخطيط العمراني هو مدخلك للمساهمة في اعمار العراق»
كنت قد تحدثت سابقا عن عملي قبل 2006 مع الشركات الأمريكية الى أن بدأ الارهاب يتجذر في المنطقة . وبعد 2006 – 2008 عملت من عمان مع وزارة البلديات على مشاريع التجديد الحضري لمدينة الموصل القديمة وهيكلية المثنى ، ومشروع مسودة القانون، وهنا وبعد انتقالنا من عمان الى بغداد. واقدم الآن فكرة عن المشاريع التي اخترت العمل عليها خلال هذه الفترة من الزمن والتي شغلتني بشكل كثيف وكامل مع العديد من المهندسين العراقيين وشركائي الاوربيين وفرق المسح الميداني ومهندسي جمع المعلومات من المدن والمحافظات في ظروف قاسية جدا من الناحية الأمنية احيانا ونواحي التنقل بين المدن والمحافظات والسيطرات العسكرية. كما ابين بهذا الفصل نبذة مختصرة عن نتائج المشاريع التي أنجزتها والتي حققتها وقمت بادارتها والاشراف الاستشاري على توجيهها أو المساهمة الفعالة في بعض جوانبها بمساعدة نخبة فريدة من المهندسين المبدعين في مختلف الاختصاصات خلال الفترة من 2009 وحتى منتصف 2015 .
أولاً : تحديات تخطيط المدن
تحديث التصميم الأساس لمدن المسيب والقاسم والهندية
بعد إنجاز مشروع التجديد الحضري لمدينة ؤالقديمة في عمان سنة 2008، شجعنا زميلي تغلب الوائلي بصفته مخطط مدن ذو خبرة على الدخول في أعمال تخطيط المدن مع وزارة البلديات . لم توجد لدي فكرة ان أقوم بهذه الأعمال كونها ليست من اختصاصاتي ولا يوجد لدي في المكتب من المخططين آنذاك ، لذا اتفقنا مع شركائنا الايطاليين وأقدمنا على تقديم عروض للدراسات الاستشارية في مناقصات « تحديث التصميم الأساس لمدن القاسم والمسيب « في محافظة بابل و» تحديث التصميم الأساس لمدينة الهندية « في محافظة كربلاء ، معتمدا على تغلب وشركائي الايطاليين . حدث هذا في عمان قبل انتقال مكتبنا الى بغداد في أول كانون ثاني 2009 . لا أريد أن أتحدث في مواضيع تخطيط المدن وفنون هذا الاختصاص ، ولكن سأتحدث مكتفيا بصورة عامة عن قيادة وتوجيه مسارات الاعمال والأحداث في المكتب ونتائج الدراسات .
أحيلت في شهر آب 2008 علينا «دار العمارة بالمشاركة مع SGI الشركة الايطالية « ، مناقصات تلك المدن بعد منافسة شديدة حول الاسعار ومدة العمل . بدأنا من عمان بالتحضير للقيام بهذه الأعمال في بغداد ، إلا ان تغلب في الايام الأخيرة امتنع عن الاستمرار بالعمل مالم يؤسس مكتباً و يدخل معي كشريك مع دار العمارة. لم اوافق أبدا على ذلك لكوني لم ارَ لدى تغلب ، لا هو ولا في مكتبه ان وجد ، من الخبرات والتجارب ما يضاهي دار العمارة كيما يدخل كشريك متكافئ . انسحب تغلب من العمل معنا وهنا ظهرت لي اشكالية ايجاد معماري مخطط مدن ليتسلم مسؤولية العمل كمدير مشروع . لم أجد أفضل من الاتفاق مع الاستاذ علي نوري الذي اتفقت معه سابقا على مشروع قانون التخطيط العمراني ، ولذا أنطت به هذه المسؤولية لقناعتي بكفاءته في انجاز هذه المشاريع.
ما استهواني للعمل في هذه المشاريع هو متطلبات المشروع ، وذلك باجراء المسوح المطلوبة وجمع المعلومات لتهيئة قاعدة بيانات كاملة من دراسات لجوانب وخواص المدن المختلفة من النواحي الاجتماعية والدينية والاقتصادية والطبيعية والمعمارية ، وهذا ما يتماشى مع هواياتي عند زياراتي للمدن والتعرف عليها ومراقبة تطوراتها عبر السنين . لذا جاءت متطلبات الأعمال الاستشارية هذه ، متوافقة مع رغباتي في التعرف على المدن العراقية التي نعمل عليها. شاركت في وضع خطط العمل لبعض المهندسين وساهمت بالعمل ايضا على تهيئة بعض التقارير أو جمعها ، عبر المسوح الحقلية والمكتبية التي يقوم بها مهندسونا والدراسات التاريخية والاجتماعية التي قام بجمعها مختصونا في المكتب . وبالطبع يستمر الاستاذ علي نوري صحبة فرق العمل التي تعمل معه على اعمال تخطيط المدن ، بالتنسيق مع مكاتب «ستوديو كالي» أو شركة ( SGI ) في مدينة ( بادوا – الايطالية ) لاكمال الدراسات التخطيطية لتحديث التصاميم .
في الواقع فأن عدد سكان العراق , يتضاعف كل 22 سنة تقريباً . لذا يتطلب العمل على مضاعفة رقعة المدن عند تحديث التصاميم الأساسية للمدن العراقية لاستيعاب الزيادة في الوحدات السكنية الاضافية وتوسيع شبكاتها الخدمية ، وتحديث التصاميم لتلك المدن على ضوء متطلبات العصر.
مدينة القاسم هي مدينة هادئة جميلة آمنة ( نفوسها 57115 نسمة حسب تقديرات الجهاز المركزي للاحصاء عام 2005) اي ما يقرب من (4) اضعاف عدد السكان في عام 1977. معظم نشاطاتها زراعية تشتهر بكثرة الحقول الزراعية والبساتين ومراعي تربية الحيوان و أنهارها تتفرع من شط الحلة وتشتهر كذلك بوجود ضريح الإمام القاسم (ابن الامام موسى الكاظم) الذي يؤم لزيارته نحو نصف مليون زائر اسبوعيا .أما مدينة المسيب والتي نفوسها حاليا زهاء (52486 نسمة حسب تقديرات عام 2005) ، فهي المدينة العراقية المشهورة المعروفة بموقعها على نهر الفرات والتي تشتهر بمزارعها وانتاجاتها من الالبان والتمور والحبوب ووقوعها على الطريق الرئيس المؤدي الى مدينة كربلاء وقربها منها وهذا جعلها مدينة المضيف نسبة لأهالي كربلاء . أما مدينة الهندية المعروفة ب (طويريج) والتي نفوسها ( 60616 نسمة حسب تقديرات عام 2005) فهي المدينة الأقرب الى كربلاء والواقعة على نهر (الفرات) ، كما انها معروفة ببساتين النخيل وانتاج تمور الزهدي وكثرة مزارعها المعروفة بإنتاجاتها الغزيرة .
على خلاف ما كان يستعمل في المسوحات الميدانية الارضية قبل خمسين سنة (أي استعمال لوحة المسح والشعيرة (Plain Table Survey)) واستعمال جهاز قراءة المناسيب (Level) واستعمال جهاز قياس زوايا الارتفاع ال (Theodolite) ، والتي عن طريقها تتمكن من القيام بمسوح المدينة ووضع الخرائط المسحية لها حيث تستغرق فترات طويلة . تطورت العلوم واساليب المسح ، اتبعنا الطرق الحديثة في أعمال المسوح والتخطيط عن طريق الصور الفضائية عالية الدقة للمدينة والتي تبين واقع المدينة بشكل صورة ملتقطة حديثاً من الاقمار الصناعية بشكل كامل وتضبط الاحداثيات لكافة الأبنية والاحياء السكنية والطرق الخ … وباستخدام جهاز ال (GPS جهاز تحديد المواقع الجغرافية ) تثبت احداثيات مواقع جميع المنشآت حيث يقوم المساحون بتثبيت مواقع الأبنية والمعالم الجديدة مثل محطات تحويل الكهرباء أو محطات الماء وتسقيط أو تسجيل كل المعالم الطبيعية وشبكات الخدمات على الأرض ، وتنقل المعلومات هذه الى نظام ال ( GIS نظام المعلومات الجغرافية ) على الحاسوب وتسقيطها على الصور الفضائية المستحصلة عن طريق الاقمار الصناعية ، التي يتم الحصول عليها من شركات عالمية متخصصة بدقة مناسبة تبلغ ( 60 سم) لتفاصيل التصاميم الأساسية للمدينة .
يشترط عادة في العقود وضع ثلاثة بدائل تخطيطية اولية للتوسع الحضري للمدينة ومركزها لتعرض هذه البدائل على المجالس المحلية للمدن ومستشاريها لدراستها والتوصل للبديل المفضل لتلك المدينة بغية تطويره واكمال تفاصيله . لم يكن باستطاعة شركائنا الايطاليين زيارة العراق وحضور تلك الاجتماعات في اغلب الأحيان بسبب الظروف الأمنية للبلد . لذا كان على كادر مكتب دار العمارة ان يزور كل مدينة ويعقد اجتماعاً مشتركاً لبحث تلك المرحلة ويلتقي مع المسؤولين هناك مثل القائممقام او مدير الناحية أو رئيس البلدية و لقاء أعضاء مجالس الادارة لشرح الافكار التصميمية الجديدة المقترحة واتجاهات التوسع وواقع الشوارع والساحات والأراضي المجاورة وعلاقاتها مع شبكات الطرق أو شبكات الأنهر الرئيسية …. الى آخره من متطلبات تخطيطية وبيان الجوانب الايجابية أو السلبية لكل مقترح والاهداف … لتمكين المجلس من اتخاذ القرار لاختيار البديل المفضل . وقد طالت فترة اتخاذ القرار في بعض الاحيان بسبب مصالح البعض في توسعات المدينة وكم كان علينا مع شركائنا في ايطاليا تعديل التصاميم بسبب تعريض طريق أو إعادة النظر في التخطيط لتعارضه مع مصلحة معينة …. ومع ذلك فقد تمت على الأغلب المصادقات واستمرت الأعمال بشكل اعتيادي مع تأخيرات اثرت بالمدينة من حيث سرعة التنفيذ والاقرار .
ومن متطلبات العقود الاستشارية التخطيطية كذلك أن تعقد لقاءات استشاريه في بلد شركائنا الايطاليين . رحبت بتلك الفكرة أولا لأنها موضوع تعاقدي ثقافي تعليمي وثانيا لأني أعلم كم عانى العراقيون من منع السفر خارج العراق طيلة فترة الحصار . الكثير من العراقيين وأقول منهم المتخصصون ، لم يغادروا العراق للدراسة أو الاطلاع على التطورات الحديثة في العالم ، لا في زيارات سياحية ولا في مهام وظيفية مما حجب عنهم متابعة التطورات في المجتمعات المتقدمة .
كوّن الاستاذ علي نوري في دار العمارة فريق عمل كفء للتعاون مع شركائنا الايطاليين في وضع التصاميم المطلوبة لخرائط التصاميم الاساس للمدن. ومن المهندسين انضم الينا وللعمل مع علي نوري المخطط المعماري مصطفى عبد المجيد الشمري وبعدئذٍ التحق معنا د. علاء عجام . وتكاتف هذا الفريق مع عدد من المهندسين المعماريين حديثي التخرج للعمل على كافة المشاريع ويساعدهم عدد من الفنيين والمهنيين ، وعملوا بكل اندفاع واهتمام لوضع الدراسات التفصيلية والتقارير والدراسات المطلوبة . كانت المعلومات التي يقدمها الاستاذ علي نوري عن المؤشرات التصميمية والمواصفات العالمية المطلوبة لوضع تصاميم المدن ساعدت مخططينا ومخططي شركائنا الايطاليين على تحقيق اهداف وضع التصاميم الاساسية بشكل ينسجم مع المتطلبات والظروف العراقية المحلية.
ساعد الفريق المعماري والمخططين ، عدد من المعماريين والمخططين الاخرين في جمع المعلومات الميدانية من مواقع المدن . عمل كل من المعماري عجمي العاني والمخطط عاصم عبد الامير في المواقع على جمع المعلومات ووضع الدراسات الميدانية لعلاقات المدن في المحافظة مع مجاوراتها في المحافظات الاخرى وما يتطلب من جمع المعلومات من الوزارات والدوائر الاحصائية لإكمال الدراسات الاقليمية بما يساعد المخططين على اكمال اعمالهم بدقة .
تهيأ شركاؤنا لعقد اللقاءات الاستشارية ، وكنا نحن « دار العمارة « نهيئ كل ما يتطلب من اجراءات تحضيرا للسفر من بغداد لنصل مع الوفد الاستشاري الى ( ايطاليا – بادوفا ) الواقعة في شمال ايطاليا للبقاء هناك لمدة خمسة ايام لدراسة ومناقشة التقارير الفنية والمخططات والدراسات و المقترحات وتعديلها بموجب المتطلبات ، وكنا هناك نصادق على المقترحات والاهداف للتصاميم المقدمة بشكل أولي بغية الانتقال الى المرحلة التي تليها وهي بلورة احد البدائل وتطويره . كنا عادة نخصص عدداً من الأيام لزيارة بعض المدن الايطالية، منها مدن تاريخية لمشاهدة كيفية المحافظة على الآثار أو السلطات هناك للابنية التراثية ، و بالوقت نفسة الاطلاع على كيفية معالجة المدن وإدارة المدينة واساليب ادامتها والحفاظ عليها .
رتب شركاؤنا أحيانا للبعض من المستشارين اجتماعات ولقاءات مع نظرائهم من المسؤولين في بعض المدن الايطالية ومنها مدينة «البندقية Venice» للتداول والحوار وتبادل الأفكار حول اختصاصاتهم . وفرت تلك الزيارات لمن لم يغادر العراق سابقا ، مجالا واسعا للتعرف على عالم مختلف عن العراق والشرق الأوسط ، عالم مليء بالمتغيرات والتحديات السياسية والاجتماعية والعمرانية، وللبعض الآخر وفرت مشاهدات جديدة مفيدة عن تطور المدن الاوربية التي اعيد انشاؤها مجددا بعد الحرب العالمية الثانية ، كما وفرت تلك الزيارات مجالا مفتوحا للتسوق وشراء ما تحتاجه عوائلهم من الاسواق الاوربية وزيارة بعضهم للاقارب في الدول المجاورة لايطاليا.
لم تخلَ تلك الزيارات من احراجات لشركائنا الايطاليين بسبب بعض التصرفات الشخصية الناجمة عن تصرف مخالف للتقاليد المحلية مما أثار البعض هناك ، إلا أن زملاءنا الايطاليين الذين قدروا الى درجة عالية اسباب تصرف ضيوفنا ، استطاعوا أن يتداركوا تلك الصعوبات بروحية وخلق عال .
تعرفت على الكثير من اعضاء المجالس المحلية لادارة النواحي او الاقضية العراقية و من الموظفين الاداريين المحليين المتميزين الذين حدثونا عن مدنهم وعشائر المنطقة و وانتشارها وأفخاذها وعاداتها كما ان البعض منهم له هوايات مختلفة فمنهم الصياد الذي حدثنا عن انواع الطيور وجمالياتها في منطقته ومواسم هجراتها ومناطق تكاثرها ، ومنهم المزارع الملاك الذي يفتخر بإنتاجه السنوي من محاصيل الحنطة او مكاثرة طيور النعام ومنهم الشاعر والتاجر . التجول في انحاء العراق المختلفة والتعرف على الطبيعة وساكنيها ورموزها والمجتمعات وتراثها هي مواضيع حققت رغباتي وهواياتي وتمتعت بكل ساعة من تلك الأعمال وخلقت لي اصدقاء عديدين في تلك المدن رغم صعوبات العمل .
استمرت أعمالنا في إكمال مشاريع محافظة بابل وتحديث التصاميم الأساسية لمدن القاسم والمسيب وعقدنا العديد من الندوات مع المحافظة في مدينة الحلة والمدن الاخرى لشرح الاسس التخطيطية للمشاريع التي نعمل عليها واساليب العمل ومجالات التعاون بين الاستشاري والمحافظة. كما عقدنا لقاءات في بادوفا – ايطاليا لكل مدينة مع الخبراء الايطاليين لشرح جوانب الأعمال ومفاهيمها ، انتهت جميعها بالتفاهم المشترك حول الاهداف التخطيطية . انتهت بعد جهود كبيرة أعمال تحديث التصاميم الأساسية لمدن القاسم والمسيب وكذلك مشروع تحديث التصميم الأساس لمدينة الهندية بعد اعلان التصميم المقترح للجمهور لمدة ستين يوماً , عملنا بعدها على تعديل التصاميم على ضوء الاعتراضات المقبولة واصدار الخارطة النهائية وبهذا نكون قد اعددنا لكل مدينة :
o تقرير كامل عن اعمال المسح الميداني وتحضير قاعدة بيانات عن السكان والانشطة المختلفة في المدينة.
o تقرير عن المعلومات المجمعة عن تاريخ المدينة وواقعها ومكوناتها ونفوسها، اضافة الى معلومات عن كل القطاعات في المدينة من الدوائر الرسمية في المدينة ومقر المحافظة والوزارات المعنية.
o تقرير عن علاقة المدينة بمحيطها الاقليمي من قرى ومدن مجاورة وحركة البضائع والسكان والمحددات التخطيطية ونطاق التأثير المتبادل بين المدينة والاقليم.
o تحليل البيانات لمقارنة واقع الحال مع المعايير التخطيطية وتقصي مستقبليات المدينة واتجاهات نموها .
o اقتراح بدائل تخطيطية ثلاثة واختيار البديل المفضل .
o مسودة التخطيط الأساس الجديد لعرضها على مسؤولي المدينة والمحافظة.
o خارطة نهائية للتصميم الأساسي لكل مدينة لعرضها على الجمهور.
لم تخلُ أعمال تحديث التصاميم الاساس للمدن من مشاكل واعتراضات وتعديلات وتباين آراء بين الاستشاريين ، إلا انها جميعا انصبت في تحسين نتائج الأعمال ومصادقة الخرائط النهائية ، إلا ان المشاريع لم تنتهِ كما سيتضح …
عقدنا أكثر من (16) اجتماعاً استشارياً في ايطاليا ل (16) وفداً خلال تلك الفترة ، ورافقنا أكثر من 30 عضواً من أعضاء مجالس البلديات ومهندسيها ومخططيها الى ايطاليا لزيارة مكاتب شركائنا والاطلاع على أعمال تحديث التصاميم الأساسية ومناقشة التصاميم وتعديلها أو توجيه دراساتنا . في كل من هذه الزيارات يقوم مخطط أقدم أو أحد المدراء من دار العمارة ليكون هو رئيس للوفود الاستشارية .
أعتقد ان اداء مكتبنا الجيد وانجازاته والالتزام بالاوقات ومناهج العمل والتعاون مع جميع الفرقاء والعمل كاستشاريين بموجب متطلبات المهنة ومقاييسها والمقاييس التي يعمل بموجبها شركاؤنا الاوربيون قد دفع المحافظات وبعض الدوائر الهندسية الى الاتصال بنا طالبين الاشتراك بالمناقصات المعلنة من قبلهم لتقديم خدمات استشارية لمدن اخرى .
نحو عراق جديد سبعون عاماً من البناء والإعمار
التعليقات مغلقة