د. عبد الأمير رحيمة العبود
صدر عن دار الثقافة للتوزيع والنشر في عمّان عام 2017 كتاب بعنوان ” مفاوضات سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2008 ” تأليف الدكتور محمد الحاج حمود .
والكتاب يتكون من 439 صفحة ، ويشتمل على ستة فصول . ويُعتبر مؤلف الكتاب الدكتور محمد الحاج حمود من أبرز الدبلوماسيين وخبراء القانون على مستوى العراق والبلاد العربية .
وهو من مواليد 1936 ، وقد حصل على شهادة الدكتوراه في القانون العام من الجامعات الفرنسية عام 1967 ، ومارس العمل في تدريس العلوم القانونية في الجامعات العراقية لسنين عديدة منذ عام 1969 ، وكذلك مارس العمل الدبلوماسي في وزارة الخارجية العراقية منذ عام 1983 بضمنها وكيلاً لوزراة الخارجية العراقية طوال الفترة 2004 – 2010 .
وقد نُشرت له العديد من الكتب والدراسات في الشؤون القانونية والدبلوماسية ، وكان لكفائته وخبرته دور مهم في إدارة المفاوضات التي يتناولها هذا الكتاب .
يتناول الفصل الأول جوانب متعددة الغرض منها تعريف القارئ بأهم مواد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ذات العلاقة بسلطات مجلس الأمن بالنسبة للدول التي تمارس أعمال تهديد السلم والأمن الدوليين والعدوان على الدول الأخرى . وهي التي طُبّقت على العراق إعتباراً من عام 1990 بعد قيامه باحتلال أراضي دولة الكويت والعقوبات التي فُرضت عليه آنذاك ، مع شرح مفصّل لتلك العقوبات المؤقتة والعسكرية وغير العسكرية .
ولغرض توضيح تلك العقوبات وآثارها إستعرض الكتاب القرارات ذات العلاقة بالإنسحاب من أراضي الكويت وإدانة إحتلاله ، ثم يستعرض الكتاب القرارات الأكثر خطورة وإيذاء للعراقيين وهي قرارات نظام التعويضات بموجب القرار 687 لعام 1991 والتي تضمّنت تحميل العراق مسؤولية الأضرار التي لحقت بالكويت ورعاياه وبيئته من جراء ذلك الأحتلال ، حيث أُنشأت لجنة للتعويضات ، ووضع لها رصيد مقداره 30% من عائدات النفط ثم خُفّض الى 5% من تلك العائدات فيما بعد . وقد شملت هذه بالتعويض 1,550 مليون مطالبة قُدّرت قيمتها 352 مليار دولار ، وكان حصة الكويت ورعاياه منها 25,400 مليار دولار .
والى جانبها وضعت قرارات بشأن نزع سلاح العراق وتضمنت هذه تشكيل لجان التفتيش والمراقبة على الأسلحة العراقية والتي كانت حصيلة نشاطاتها تدمير كميات هائلة من الأسلحة العراقية ومصانع انتاجها وتحميل العراق مبالغ كبيرة كمصروفات للجان المشرفة على القيام بتلك الأعمال .
وفيما يتعلق بالقرارات التي وضعت بشأن الحدود فيما بين العراق والكويت بموجب القرار 683 لعام 1991 منح الكويت مساحات كبيرة من الأراضي العراقية تجاوزت ما تضمنته اتفاقية الحدود بين هذين البلدين لعام 1963 بكثير حتى شملت منح الكويت العديد من الجزر البحرية وجـزء كبير مـن خـور عبد الله .
وإستثناءاً من قرارات تطبيق الحصار على الأقتصاد العراق سمح هذا النظام بموجب المادة 986 لعام 1995 بتصدير جزء من النفط العراقي بإشراف أجهزة منظمة الأمم المتحدة لغرض توفير الأغذية والأدوية للمواطنين العراقيين تحت إسم ” برنامج النفط مقابل الغذاء ” والذي تميّز تطبيقه بالفساد والشحّة في توفير تلك السلع .
وعلى وجه الإجمال تميزت تلك القرارات بتدمير الإقتصاد العراقي ، والتعسف والقسوة والهدر الكبير في أموال العراقيين وتفشّي الفقر والمرض بين مختلف فئات المجتمع العراقي .
وبرغم أن القرار 1441 لم يخوّل أي دولة بإحتلال العراق بالقوة ، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالفاً من عدة دول ، ثم قام هذا التحالف بإحتلال العراق بحجّة وجود أسلحة الدمار الشامل ، والتي لم يحصل إثبات لوجودها حتى الآن . ويشير الكتاب الى أن المادة 43 من إتفاقية لاهاي عام 1907 قد ألزمت قوات الإحتلال بإدارة المرافق العامة بشكل لا يؤدي الى الإضرار بالممتلكات العامة والسكان في الدولة المحتلة ، وعلى هذا الأساس فإن القوات المحتلة تتحمل كامل المسؤولية عن تعويض كافة الأضرار التي أصابت العراق ومواطنيه من جراء هذا الإحتلال .
وبعد إكتمال إحتلال العراق عام 2003 أصدرت منظمة الأمم المتحدة القرار 1511 لعام 2003 الذي منح سلطات الإحتلال بموجبه كافة السلطات لحفظ الأمن والإشراف على الشؤون الإجتماعية والإقتصادية داخل العراق ، وكذلك القرار 1483 لعام 2003 الذي أنشأ بموجبه صندوق تنمية العراق والمجلس الدولي للمشورة الذي أودعت فيه كافة صادرات النفط والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية المصدرة وكافة الأصول المالية العراقية ، ويشير المؤلف الى أن الأموال المودعة في ذلك الصندوق حتى نهاية عام 2008 بلغت 165,1 مليار دولار والأموال المنقولة الى الصندوق من برنامج النفط مقابل الغذاء 10,4 مليار دولار والأموال المجمدة المودعة لدى الصندوق 1,5 مليار دولار .
ثم يتناول القسم الأخير من الفصل الأول بشكل مفصّل الجهود التي بذلتها الحكومة العراقية للخروج من طائلة القرارات الصادرة بحق العراق وفقاً لأحكام الفصل السابع والتي أسفرت عن صدور قرار مجلس الأمن المرقم 1957 بتاريخ 15/12/2010 والذي أسفر عن إعادة العراق الى وضعه الذي كان عليه قبل إحتلال الكويت .
ولغرض إستكمال القرارات التي تضمن خروج العراق من أحكام الفصل السابع ، أستكملت القرارات حول عدم العثور على دليل على إستخدامه لأسلحة الدمار الشامل منذ عام 2007 وأُغلق موضوع إمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل .
وكذلك أُنهي العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء بتاريخ 15/12/2010 وتم تحويل المبالغ الموجودة في حسابه الى الحكومة العراقية بعد تسوية كافة العقود والمطالبات المتعلقة بهذا البرنامج ، كذلك رُفعت وصـاية الأمم المتحدة على صندوق تنمية العـراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة إعتبـاراً مـن عـام 2011 .
وفيما يتعلق بالعلاقة مع الكويت فقد عولجت مشكلة ترسيم الحدود بين الطرفين بشكل مجحف كما أشرنا سابقاً وكذلك سوّيت ودُفعت كافة المطالبات المالية لصالح الكويت ولم يتبق في ذمّة العراق سوى 4,6 مليار دولار حصل الإتفاق على تأجيل دفعها في المستقبل .
يتناول الفصل الثاني الحديث عن بعض جوانب التمهيد لمفاوضات سحب القوات الأمريكية من العراق . ويبدو أن المصاعب والمشاكل الكبيرة التي تعرّضت إليها القوات الأمريكية بعد عام 2003 بسبب تفاقم الأعمال الإرهابية واقترانها بغياب الأمن في مختلف المحافظات العراقية ، واستعمال القوات الأمريكية للعنف والقتل أزاء المواطنين العراقيين الأبرياء ، فضلاً عن إزدياد حجم الخسائر المادية والبشرية التي تعرضت لها القوات الأجنبية خلال الأعوام 2006 – 2007 قد دفعت السلطات الأمريكية الى تخفيض حجم القوات الأمريكية ، كما أن توجه الرئيس اوباما نحو إتخاذ القرار حول الأسراع بسحب القوات الأمريكية من العراق قد دفع السلطات العراقية نحو المطالبة بإعتماد سحب القوات الأمريكية على إسلوب منظّم يقترن بعقد اتفاقيتين بين الولايات المتحدة والعراق ، الأولى تتناول تنظيم اسلوب سحب القوات الأمريكية من العراق والثانية تتناول اسلوب التعاون الأستراتيجي بين هاتين الدولتين .
وبعد تبادل رسائل التشاور حول هذا الموضوع بين كل من العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، ومنظمة الأمم المتحدة في الوقت ذاته . تقرر تشكيل وفد عراقي برئاسة الدكتور محمد الحاج حمود ووفد أمريكي برئاسة بوب لوفنتز للقيام بعملية التفاوض ، وعقد الأجتماع الأول فيما بين هذين الوفدين بتاريخ 11/3/2008 .
ولغرض البدء بالتفاوض قدّم الوفد الأمريكي مشروعاً لتلك الأتفاقية من أثنين وعشرين بنداً لغرض إعتماده أساساً للتفاوض ، وقد تناول هذا المشروع كافة الجوانب المتعلقة بالقوات الأجنبية المسلحة والمتعاملين والمتعاقدين معها ، وكيفية إجراء عملية الأنسحاب ، وكيفية التعامل مع ما يترتب عليها من آثار ومدى تطابقها أو إختلافها مع القوانين العراقية السائدة ومصلحة العراق وسيادته على أراضيه وما هي صيغ التعاون فيما بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل .
ويُلاحظ بشكل عام على بنود هذا المشروع إن أغلبها لم تنسجم مع مصلحة العراق وسيادته على أراضيه وهي في الغالب لا تراعي القوانين العراقية النافذة .
بل تميزت بإلحاق الضرر بالطرف العراقي في مجالات متعددة ، فهي على سبيل المثال تعتبر أفراد القوات المسلحة الأمريكية وكذلك المتعاملين والمتعاقدين معها يتمتعون بالحصانة ، ولا يخضعون للمحاكمات والعقوبات التي تشير إليها القوانين العراقية في حالة إرتكابهم للجرائم والمخالفات بحق العراقيين .
وقد قام الوفد العراقي بدراسة هذا المشروع وأبدى الرأي حول مواده مادة مادة موضحاً تناقضها مع مصلحة العراق ومخالفتها للقوانين العراقية النافذة ، ومقدما البديل الواضح حول كل منها على الوجه الذي ينسجم مع المصالح والقوانين العراقية .
وقد عقدت فيما بعد عدد من الجلسات فيما بين الوفدين دون أن يحصل الأتفاق فيما بينهما حول العديد من هذه المواد ، وكانت حجّة الوفد الأمريكي هي أنهم لا يستطيعون الموافقة على بعض الأراء التي لا تنسجم مع القوانين الأمريكية السائدة أو دون الحصول على رأي السلطات الأمريكية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية .
وكوسيلة للوصول الى صيغة جديدة للتفاوض ، قام الوفد العراقي بزيارة كل من ألمانيا وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان وهي الدول التي كانت تتواجد فيها القوات الأمريكية والتي عقدت فيما بينها وبين الولايات المتحدة الأتفاقيات حول الموضوع ذاته ، في سبيل التعرف على فحوى تلك الأتفاقيات وصيغ التعاون والتنظيم التي أُعتمدت فيها ، ومدى خضوع نشاطات وأعمال القوات الأمريكية المتواجدة في تلك الدول الى قوانين الولايات المتحدة الأمريكية أو القوانين المطبقّة في تلك الدول ، وقد أُنجزت تلك الزيارات إعتباراً من تاريخ 13/آيار/2008 ويبدو أن تلك الزيارات كانت مفيدة للوفد العراقي وقد ساعدته على صياغة مشروع متكامل للتفاوض مع الوفد الأمريكي يأخذ بنظر الأعتبار مصالح العراق وسيادته على أراضيه .