«انهم يغنون من على كومة الخراب..» هكذا ندد الموسيقار اليوناني تيودوراكيس بمرشحين للبرلمان كانوا قد خربوا ثقافة الشعب اليوناني ، واحتالوا على فطنة الناس، وغطوا للاستبداد العسكري كل جرائمه، الامر وهذا ما يحدث لدينا، بالصوت والصورة: نواب تفننوا في الدجل والترزق على ابواب العواصم، وافتضحوا، وتواروا، ثم يعودون للترشيح الى السباق الانتخابي الجديد.
اخص منهم الذين تربعوا سنوات اربع على اقدار وانفاس الملايين، واخص فيهم مَن أضاع (ولا اقول لطش) ثروتنا الثمينة وعرقنا النبيل، ونسيّ (ولا اقول لطع) الوعود التي قطعها للناخبين عشية آخر انتخابات، فكان «عرقوب» مجنيّ عليه بالمقارنة معهم، إذ أهانوا الدموع التي سفحوها على المحتاجين، فكانت التماسيح ملائكة بالنسبة لهم.
ايها المرشحون، العائدون، الذين يبتسمون لنا من فوق اعلانات انتخابية باهرة، وباذخة، ممن كانت لكم بصمات سود على متاعبنا اليومية الناجمة عن التفجيرات وشحة الماء الصافي وانقطاع الكهرباء، وتردي العناية الصحية والاستشفاء، وضيق السكن، والغلاء، والبطالة، واعمال النصب، والرشوة، والفساد والإفساد، والتهريب، والتجارة باصواتنا وآمالنا الطيبة.. انكم لتحتاجون الكثير من الجهود لاسترداد ثقتنا وكسب(ولا اقول اختطاف) اصواتنا، بعد ان ضُمنت لكم حياة الرخاء وحُرّمت علينا، وتبخترتم بالنعيم وتركتم لنا الجحيم، ولذتم بالبنايات المحصنة والحمايات المتراصة وتركتمونا طعما للتفجيرات وانتقام البرابرة وفلول عصر البعث وقطعان الدشاديش القصيرة والانتحاريات المحشوات بنشارة الخشب والحشيش واغتيالات العصابات الطائفية المنفلتة.
انكم، واقصد المقصرين منكم حصرا، وما اكثركم، مطلوبون لحسابنا وعدالتنا عن مسؤوليتكم عما حصل لنا طوال هذه السنوات العجاف، إذْ قضيناها في تشييّع طوابير الضحايا، والانتظار الطويل لمنّة البطاقة التموينية، وإذلال مكاتب تعيين العاطلين وزجر حراسها، وقضيناها، ايضا، في الظلمات الدامسة، وعلى صفيح الخوف من المداهمات العشوائية، ومن صبيان الجريمة المنظمة، فلم نجد منكم عونا، ولا حضورا، ولا خشبة نجاة او شفاعة، فقدموا صفحاتكم، ايها الاخوان، واعرضوا جيوبكم على الملأ، واكشفوا لنا دليل الحرص والنزاهة والغيرة والشهامة التي تدعون.
وانكم (ولا اشك في مقاماتكم ومنابتكم)قد حولتم المكاتب الى تكيات، وتركتم الادارات والبرامج وخطط التنمية واعادة الاعمار واحياء المشاريع طي الصفقات والكسب الحرام، وكنتم السبب(ولا اقول الوحيد) في وأد المثابرة وفرص العمل على ابنائنا الى حد باتت وظيفة شرطي لأحدهم بعيدة المنال من غير رشوة تصل الى ملايين من الدنانير، ووظيفة معلمة لا تمر إلا عبر وكلاء وُهبوا فنون اكل الاكتاف، أما وظيفة مدير فانها محتكرة للمتحدرين من عظم الرقبة، والكثر من هذا سهلتم لعتاوي الجريمة المهذبة السطو على المليارات و»خطوط» المساعدات الدولية.
كونوا، ايها الاخوان، منصفين معنا لمرة واحدة بالاعتراف باخطائكم.. انظروا الى اي حد نحن مهذبون وطيبون إذ نسمي الخطايا اخطاءا، والى اي حد نحن اوفياء لخيار التغيير والحرية والديمقراطية إذ نتحدى قوى الردة وفلول طبول الحرب وعصابات الجهل والارهاب، فنخرج الى هواء التصويت الحر..
وتذكروا ان اصواتنا، هذه المرة، عزيزة علينا.. معزة دمع العين.
جون شتاينبك:
« الإنسان هو الكائن الطفيلي الوحيد الذي ينصب مصيدته الخاصة ويقوم بوضع الطعم فيها ثم يخطو داخلها».