عدنان الجنابي
تم يوم 5/ 3/ 2018 التصويت على قانون (شركة النفط الوطنية العراقية) ولا ينحصر الانجاز في تمرير هذا القانون على اعادة الحياة الى شركة النفط الوطنية العراقية وتخليص عمليات الانتاج والنقل والتسويق من بيروقراطية وزارة النفط التي تسببت في ارباك وتأخير هذا القطاع منذ ان دمجت بالوزارة في عهد النظام السابق في ثمانينيات القرن الماضي، إذ نص القانون على تأسيس شركة مستقلة ماليا واداريا ومرتبطة بمجلس الوزراء.
الفقرة الاهم في هذا القانون الجديد هو تفعيل المادة (111) من الدستور العراقي التي نصت على ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي “فقد نصت المادة (12- ثالثا) على جعل نسبة من ارباح الشركة تقرر بموجب الموازنة السنوية توزع على اسهم متساوية القيمة لجميع المواطنين المقيمين في العراق “ولا يجوز بيع او شراء او توريث الاسهم، وتسقط عند الوفاة “وتقرر هذه النسبة على ضوء ما تحدده الموازنة الاتحادية لحصة خزينة الدولة”.
وهذا يعني ان كل عراقي مقيم في العراق يصبح عندما يولد مساهما بأسهم متساوية القيمة في ارباح شركة النفط الوطنية المتبقية بعد فرض ضريبة يحددها مجلس النواب عند اقرار الموازنة السنوية الاتحادية. وهذا المبدأ قلب معادلة الدولة الريعية بان جعل الريع لا يذهب مباشرة الى حساب وزارة المالية بل الى المواطن. وللمواطن من خلال ممثليه في مجلس النواب القبول بنسبة “ضريبة” على دخله من ريع النفط.
ويتصارع النواب، ومعهم الفاسدون في السلطة التنفيذية، على النهب من ريع النفط واقتسام “الكعكة”. وغالبا ما يؤدي ذلك الى التسابق واضافة اعباء على الموازنة وتضخيمها باللجوء الى القروض لسد الفجوة المتزايدة في عجز الموازنة.
وهذا بالتحديد ما حصل في موازنة 2018 التي اقرت مؤخرا باضافة اعباء شعبوية وفئوية على الانفاق والتوسع في القروض لسد تلك الرغبات، مما ينتج عنه بشكل حتمي الاستمرار في سوء الادارة المالية والتوسع في ابواب الفساد، وبالتالي تحميل الاجيال المقبلة اعباء اسراف وفساد الدولة الريعية. بفضل القانون فان المواطن (ونوابه) بعد اليوم سوف يتسابقون في زيادة حصة “صندوق المواطن” وتقليل “ضريبة” الحكومة، ومن ثم متابعة ومحاسبة السلطة التنفيذية.
كما ان وجود الاسهم متساوية القيمة يؤدي خلال سنوات قليلة الى القضاء على الفقر الشديد وتقليص الفوارق الصارخة في الدخل من خلال تطبيق مبدأ الدخل الاساسي الشامل.
وفي المادة نفسها تم اقرار مبادئ مهمة منها البدء بتأسيس (صندوق الاجيال) وهو الصندوق السيادي لفوائض عائدات النفط. وكذلك البدء بوضع نسبة لصندوق الاعمار للمشاريع الاستراتيجية. ومن المبادئ المهمة الجديدة في هذه المادة هو حرمان المقيمين في المحافظات التي تمتنع عن تسليم عائدات النفط والغاز فيها الى الموازنة الاتحادية من حصة اسهمهم. وسيؤدي هذا الى ضغط المواطنين في الاقليم على تسليم عوائد النفط والغاز الى الموازنة الاتحادية ليحصلوا على قيمة اسهمهم في ارباح شركة النفط الوطنية العراقية.
هناك مواد اخرى مهمة في القانون ما يجعل شركة النفط الوطنية العراقية مستقلة ماليا واداريا عن وزارة النفط، ولا يكون الوزير عضوا في مجلس ادارتها، وليس له الحق بالتدخل في قرارات مجلس الادارة. واذا وجد الوزير “حيدا” في قرار من قرارات المجلس فان من حق الوزير تقديم مقترح الى مجلس الوزراء لجعل سياسة الشركة منسجمة مع السياسة العامة للدولة، ويكون قرار مجلس الوزراء ملزما لمجلس ادارة الشركة.
والمبدأ المهم الآخر في هذا القانون هو ان تستقطع الشركة مبلغا عن كل برميل تنتجه لتغطية كلفة الانتاج، ويقرر هذا المبلغ بالاتفاق مع وزير المالية ووزير النفط ووزير التخطيط، ويقره مجلس الوزراء، ويستمر هذا المبلغ لمدة ثلاث سنوات. وهذا يعني ان “ارباح” الشركة ستعتمد على كفاءة الاداء وتقليل الكلفة، ولا يكون عملها على اساس الكلفة زائد (Cost Plus) مما قد يتسبب في التسيب والتبذير.
ان نطاق عمل الشركة هو “جميع اراضي جمهورية العراق ومياهه الاقليمية وجرفه القاري”. وهذا يعني ان نطاق عمل الشركة لا يختصر في الحقول “الحالية” بمنطوق المادة (112- اولا) من الدستور.
(*) رئيس لجنة النفط والطاقة النيابية السابق/ عضو مجلس النواب.