يوسف عبود جويعد
في جانب من الأحداث التي تضمها رواية ( بستان الياسمين ) للروائي ناطق خلوصي , تشابه غريب يثير التساؤل بين هذا النص ,وروايته السابقة (تفاحة حواء ), ففي الثانية نجد علاقة شبه جنسية تنشأ بين الأب وزوجة الابن , وتصل تلك العلاقة حد إرتكاب الخطيئة , الا أن الأب يقود دفة المبادرة , ويحاول قدر استطاعته أن يتنصل من تلك الممارسة المحرمة , ويتجنبها , رغم الرغبة الملحة لزوجة الابن أن تسير في هذا الدرب المريب الى نهايته , ونجد في هذا النص عودة هذه العلاقة بين ( سهير ) زوجة الابن , وعمها الذي يترك لها الحبل على الغارب , وتكاد ان تكون قاب قوسين او ادنى لإرتكاب هذه الخطيئة , فيوقف عمها هذا الاندفاع ويحد منه , دون أن نجد أي رد فعل من عمها , او غضب أو انفعال, بل أن العلاقة ظلت في مخيلتها , وحلم من أحلامها , التي لايمكن لها أن تتحقق , وكذلك الإشارة الواضحة في اكثر من موضع في النص , والتي تؤكد أن الروائي عمد أن تكون تلك الاحداث متشابهة ومكررة بعض الشيء ,حيث ورد نصاً (أن الحاضر ابن للماضي ) , ونجد إيضاً ورود ذكر رواية ( تفاحة حواء ) في هذا النص ( – ما ذلك الكتاب ؟
– رواية
– سألها وقد جلس على مقعد قريب
– ما عنوانها ؟
– تفاحة حواء
– من أين جاءتكم ؟
– اعتقد أن وائل اشتراها من شارع المتنبي
ضحك
– لماذا لا تقولين أنه أخذها من مكتبتي ؟ ألم تقرأي الإهداء ) ص 49
وأن سهير زوجة أبنه , قرأتها لأن احداثها فيها شبه كبير من حياتها , وهذا أيضاً يؤكد لنا أن الروائي عمد أن تكون بعض احداث هذه الرواية , وخاصة في الجزء الذي يتعلق بزوجة الابن وتعلقها بعمها (الذي هو أب زوجها ) لما يحمل من سمات وصفات وتصرفات واخلاق , تشعر من خلالها بأنه فارس أحلامها التي تتمناه , من هنا نعرف جيداً أن الروائي أراد إيصال رسالة غاية في الاهمية , وهي موجهة للإبناء قبل الاباء , مفادها أن عليهم إملاء مكانتهم كأزواج , ويجب الإهتمام بالمرأة , ومعاملتها بكل رفق وحنان , وتحقيق ما تطمح إليه كل زوجة بأن يكون الزوج هو فارس أحلامها دون سواه , حتى لا تنحرف افكارها وتصاب بخيبة أمل , وتظل تطوف بمشاعرها باحثة عن من يسد هذا الفراغ العاطفي المهم . ومن خلال رسم ملامح شخصية الاب ( مسعود المسعود) الشاعر الكبير والمعروف , وحسن تصرفه , وأناقته وتعامله الصحيح مع النصف الآخر , فهو يعيش أكثر من علاقة عاطفية , ولكن من جانب واحد فقد , وهو يعرف جيداً أن أي إمرأة تتعرف عليه ستكون أسيرة لحبه , وتقع بحبائل العاطفة , وتتمنى أن تعيش معه ليلة حمراء, فليس سهير وحدها من دخلت هذا المضمار , إذ أن سارة طالبة الماجستير , والتي إختارت أن تكون رسالة تخرجها عن الشاعر (مسعود المسعود ) , وتستطيع تلك الطالبة أن تستدل على عنوانه , من خلال إحدى قريباته , وتحاول أن تتقرب إليه , واغراءه بكل الطرق حتى بالمال , من أجل أن تفوز به , إلا أنه ومن خلال خبرته الطويلة , ومعرفته المسبقة بهذا الامر يتنصل منها هي الأخرى , ويجعلها تهتم برسالة الماجستير التي حضرت الى بيته من اجلها , ثم نتعرف على ميس إبنة الغانية ربيعة في بيروت , إلا أنه يسقط في الرذيلة مع ربيعة , وكذلك إبنتها ميس , التي ادعت انها حامل منه , هذه العلاقات العاطفية المرتبكة , يضعها الروائي ناطق خلوصي في أحداث متسلسلة متناسقة , شيقة , متصلة , دون إنقطاع او إنتقالات كبيرة , كما هو شأن اغلب صناع الرواية , كونه لم يكن بحاجة الى تلك الانتقالات الكبيرة في الفصول , كون احداث هذا النص , تتطلب منه , أن تكون الاحداث ملتصقة متقاربة مع بعضها , حتى إنه إذا إحتاج الى إنتقالة فأنه يضمها ضمن الفصل الواحد , إختزالاً وتكثيفاً , مراعاة لإهتمام المتلقي , الذي يفضل مواصلة متابعة الاحداث بنفس متصل , وقد إعتمد على الحوار بإدارة دفة الاحداث , وجعله موازياً للوصف فيها , وبالرغم من تلك العلاقات العاطفية التي مررنا بها , إلا أن الاب يحاول قدر الامكان المحافظة على اسرته وعدم تفكيكها وتمتين روابطها الاسرية , بل أنه يذهب الى أبعد عن هذا بكثير , إذ أنه يعمد ( أي الاب ) أن يجد الحياة البديلة , لما يدورفي هذا البلد من فوضى وتخبط في أن يختار قطعة ارض في حي مبتعد عن تلك الفوضى , ويزرع بستان من ورد الياسمين ويشيد فيه بيت , ويهيأ له كل مستلزمات الحياة الآمنة , رغم فقدانها, وهو رمز كبير للحياة التي يجب أن نعيشها , ونلعن هذا الخراب والى الابدا , ونكون في هذا النص مع مسارات سردية تتشكل لتكوّن المبنى السردي , منها :
علاقة الاب مع طالبة الماجستير وإسرتها , وبالاخص والدها سارق المال العام سميح الوادي , وهو شخصية متنفذة في السلطة
علاقة الاب مع سهير زوجة إبنه وائل
علاقة الاب مع ربيعة وإبنتها ميس
علاقة الاب بإسرته , التي نستشف منها , المعاني الحقيقية لشخصية الاب , وهو يكد ويتعب من اجل توفير حياة رغيدة لإسرته , والاهتمام بهم , كما نعيش تفاصيل خطوبة وزواج إبنه الثاني نائل, من إبنة عمه , والتواصل مع دكتور وائل إبنه الكبير , الذي هاجر الى لندن هارباً من تهديدات ووحشية , بعض القبائل والتي تتقصد أن تلقي اللوم على الطبيب عند وفاة أحد أقاربهم في المستشفى , وهي حالة اصبحت ظاهرة , وصار الاطباء مهددون بها لمقاضاتهم عشائرياً بحجة أنه هو السبب في وفاة هذا المريض , ومحاولة شد إهتمام سهير بإسرتها من خلال الاهتمام بها بدلاً من الدكتوروائل المنشغل بالمستشفى والذي يعيش علاقة هو ايضاً مع ممرضة هندية , إذ يقوم الاب بتذكيرها بإنوثتها وجمالها وجعلها متصلة بحلمها الكبير , ولم يغفل الروائي مهمته بفن صناعة الرواية , بضرورة جعل تلك المحاور دوائر تتسع وتكبر , وتحتدم الاحداث فيها وتتصاعد , فحكاية الطالبة سارة يكتشف أمرها بأن من يساهم في كتابة رسالتها هو الدكتور اشرف والمشرف على رسالتها , وتنتهي بالفشل الذريع وإنهيارها امام لجنة المناقشة (- السؤال موجه الى الباحثة وليس الى الاستاذ المشرف
والباحثة لا تقوى على أن تأتي برد يتوفر على ادنى درجات القدرة على إقناع خمس أساتذة أجلاء , فيختلط الامر على المشرف وتذهب كل جهوده لإنقاذ الباحثة سدى , وها أن وجهها يشحب وتخور قواها ويرتعش صوتها قبل ان تنهار على الارض ) ص 210
, ويلقى القبض على الحوت الكبير سارق المال العام لفساده , وينهي الاب مشكلة ميس التي ادعت بإنها حامل منه , بأن ينتظر لحين ولادتها وعرضه للفحص للتأكد من ادعائها , وترتكب سهير زوجة الابن الخطيئة مع نبيل زوج رفيف إبنة مسعود المسعود , وهو بهذا يشير الى خطورة تلك العلاقة الزوجية , وإهمال الزوجة لزوجته وعدم الاهتمام بها , فأن النتيجة ستكون سيئة , ويحاول الاب ردم كل الهوات التي من شأنها تفكيك تلك الاسرة ,
( قرر أن يسهر أمام الحاسبة حتى وقت متأخر ليتابع ما تنشره الصحف التي تصدر في اليوم التالي من اخبار . وإذ فعل ذلك قرأ في الصفحة الاولى لإحدى الصحف , وبمانشيت عريض : حوت المال العام سميح الوادي يصاب بالشلل قبل حضوره جلسات التحقيق معه بتهم الاستحواذ غير المشروع على المال العام !
إستلقى على سريره ووجد أن عليه هو الآخر أن يبدأ بمحاكمة نفسه الآن .) ص213
رواية (بستان الياسمين ) للروائي ناطق خلوصي , تقدم لنا بستان الياسمين ,بديلاً لهذه الحياة المتخبطة الخربة , بأسلوب رشيق مشذب مختصر مختزل , وبنفس متصل دون إنقطاع , وتواتر وإحتدام وتصاعد , وبلغة سحرية عدت لهذا النص