سونر جاغابتاي
من وجهة نظر الغرب، يمكن تشبيه الحكومة التركية بأحد الأقرباء المقربين الذي يعاني من مشكلة تعاطي المخدرات: فقد أصبح الرئيس رجب طيب أردوغان مدمناً على السلطوية. وتكون الآثار على الأسرة مدمرة – وفي هذه الحالة الأسرة هي «حلف شمال الأطلسي» («الناتو»)، الذي يضم تركيا منذ عام 1952. لقد حان الوقت لكي يجري الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهما رئيسا دولتين رئيسيتين في «حلف شمال الأطلسي»، حوارا توضيحيا مع أردوغان بشأن تصرفاته العشوائية التي ستؤدي إلى دمار بلاده.
وفي هذا الصدد، لم تكن المحادثة الهاتفية التي جرت في الرابع العشرين من كانون الثاني/ يناير بين ترامب وأردوغان، التي أثارت بعد ذلك خلافاً علنياً بين الرئيس التركي والبيت الأبيض حول ما نوقش، الطريقة التي ينبغي أن تسير بها الأمور على وجه التحديد. من الممكن أن تكون التدخّلات محرجة، وعندما يتحدّث كل من ترامب وماكرون بقوة إلى أردوغان بشأن حالة الديمقراطية التركية، ينبغي أن يجري ذلك بصورة غير علنية، ومن المرجح أن يستمـع أردوغـان إلـى هذيـن الزعيمـين فـي التحالـف.
لقد أظهر الرئيس ترامب قدراً من الصبر حتى الآن مع العملية العسكرية التركية المستمرة ضد الميليشيات الكردية في شمال سوريا، التي يعدها أردوغان بأنها تشكل تهديداً وجودياً بالنسبة إليه. وهذا من شأنه أن يجعل الزعيم التركي أكثر ميلاً للاستماع إلى الرئيس الأمريكي.
غير أن أردوغان يواجه مشكلة. فعلى الرغم من جميع الجهود التي يبذلها لبناء أغلبية مستقرة كأساس لنظامه الجديد، إلاّ أن سياساته المتمثلة في تشويه صورة المعارضة ولّدت مجتمعاً مستقطباً بشكل عميق. فقد أصبح نصف الشعب التركي يحتقره ولن يقبله أبداً كزعيم له. لكن أردوغان فشل في إدراك ذلك، وأصبح أكثر استبداداً منذ استفتاء عام 2017 الذي منحه صلاحيات رئاسية واسعة. وسيسهم مسار أردوغان الحالي في زيادة حدّة الأزمة في تركيا، الأمر الذي قد يزكي نيران النزاع المدني.
لدى تركيا تاريخ حافل من قتال الشوارع بين اليمين واليسار يعود إلى السبعينيات. والخطر الأكبر الذي يواجه البلاد في الوقت الحالي هو أنّ بعض العناصر المعارضة لأردوغان، وخاصة التي تنتمي إلى اليسار المتشدّد، ستتوصل إلى نتيجة بأن التصويت عديم الفائدة، وبالتالي ستتخلى عن الديمقراطية وتندفع إلى التطرف. ومن شأن التطرف اليساري أن يُثير رداً من المعسكر المؤيد لأردوغان، الذي يضم المحافظين والإسلاميين المتطرفين. فخلال الانقلاب الفاشل عام 2016، ضحّى مئات من أنصار أردوغان بأرواحهم للدفاع عنه.
أما روسيا التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع الجهات المعارضة لأردوغان – من بينها «حزب العمال الكردستاني»، وهي جماعة إرهابية – فستعمل على تقويض [سلطة] الرئيس التركي. ولا يرغب فلاديمير بوتين باستبدال أردوغان. فما يريده فقط هو تفاقم حدة الأزمة في تركيا. فهدف موسكو الرئيسي هو إضعاف حلف «الناتو». وسيعزز هذا الهدف كَوْن تركيا مُقعدة جراء الانقسام العنيف بين معسكرات مؤيدة لإردوغان ومعارضة له. ومن الواضح أن هذا الاتجاه لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة.
إن واشنطن وحلفاءها في «حلف شمال الأطلسي» يحتاجون إلى إشراك أردوغان والتحاور معه، مع الاستثمار على نطاق أوسع في مستقبل تركيا واستقرارها. فأردوغان هو الرئيس في النهاية، ولكن تركيا أكبر من أردوغان.
يجب على كل من ترامب وماكرون بناء الثقة مع أردوغان، الذي يتمتع بانسجام شخصي مع كليهما. يجب أن يتحدثا إليه بنحو صريح، كما يفعل أفراد الأسرة مع أقربائهم المشاكسين. ينبغي على ترامب وماكرون وضع إعادة إرساء الديمقراطية شرطاً مسبقاً أساسياً لإقامة علاقات جيدة مع أردوغان في المستقبل. وعليهما أن يخبراه بأنهما يعدان تركيا فرداً من الأسرة، وأنهما قلقان من استقرار تركيا، ولكنهما أيضاً على استعداد للاستماع إلى مخاوفه ومساعدته على تغيير مساره.
ينبغي أن يكون الحافز هنا بأن يَعِد ترامب بدعم اردوغان ضد خصوم تركيا، ولا سيما روسيا وإيران، اللتان تقوّضان مصالح تركيا بدءاً من سوريا إلى شبه جزيرة القرم.
والأهم من ذلك، يجب على ترامب وماكرون أن يتعهدا بالنأي بنفسيهما عن «وحدات حماية الشعب»، الميليشيا الكردية السورية التي تدور في فلك «حزب العمال الكردستاني»، التي اعتمدت عليها فرنسا والولايات المتحدة لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وقبل التزام الرئيس الأميركي بذلك، سيحتاج ترامب إلى التوفيق بين جنرالاته. إذ تختلف آراء بعض عناصر الجيش الأميركي، بمن فيهم أولئك في القيادة المركزية، فيما يتعلق بسياسة البيت الأبيض بشأن «وحدات حماية الشعب»، إذ يتصوّرون قيام علاقة طويلة الأمد مع الجماعة. لذلك، سيتعين على ترامب إصدار توجيهات واضحة إلى شتى قطاعات الحكومة بأن الأمر لن يكون كذلك.
ويعارض الأتراك بصورة عامة تقريباً قيام أي تعاون بين «وحدات حماية الشعب» وحلفاء أنقرة في منظمة «حلف شمال الأطلسي». وتوفر هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» فرصة ملائمة لترامب وماكرون للابتعاد عن الجماعة. ومن شأن هذا الموقف أن يسمح لكل من الرئيس الأمريكي والفرنسي بإبداء إخلاصهما من خلال التواصل مع أردوغان في الوقت الذي يمدان فيه جسور التآزر مع المجتمع التركي الأوسع.
يتعيّن على حلف «الناتو» أن يكون صديق أفضل للديمقراطية التركية. وهذه ليست دعوة لمشروع بناء ديمقراطية معقدة، لأن تركيا هي بالفعل ديمقراطية. ولا ينبغي على حلفاء تركيا «سوى» دعم الحيز السياسي في تركيا ليبقى مفتوحاً وتنافسياً، والمساعدة في حماية حرية تكوين الجمعيات والتجمع والإعلام والتعبير.
على دول «الناتو» أن لا تقلق من رد فعل أردوغان: فهو خائف جداً من روسيا، عدو تركيا التاريخي، ولن ينظر في فكّ التحالف. ففي الفترة التي سبقت استفتاء عام 2017، الذي فاز به أردوغان بفارق بسيط، تفوّقت النسخة التركية من «سبوتنيك»، وسيلة الإعلام الروسية الرئيسة التي تبث معلومات مضلّلة على الإنترنت، إلى حد بعيد على وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى في تركيا في نشر إصداراتها الخاصة من الأخبار. فقد شنت بشكل حصري تقريباً حملات ضد أردوغان.
ومن خلال مساعدة أردوغان حالياً على التخلص من عاداته الاستبدادية، بإمكان كل من ترامب وماكرون منع حدوث السيناريو المرعب وهو إصابة تركيا بالشلل نتيجة ميولها الذاتية التدمير. وهذه هي أسوأ حالة يمكن أن تتعامل معها أسرة أي مدمن.
*سونر چاغاپتاي: زميل «باير فاميلي» ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.