متابعة الصباح الجديد:
حاول العلماء طيلة الوقت فهم الأسباب التي تجعل بعض الأفراد يرتبطون مع شريك واحد مدى الحياة، وميل الآخرين إلى نمط العلاقات المتعددة التي لا تستمر عادة فتراتٍ طويلة الأمر الذي لا يحتاج إلى الكثير من البحث هو أنه على الأرجح لا يوجد أحد ينظر في عيني شريكه في ليلة الزفاف ويعده بأنه سيخلص له للأبد، بينما يتوعده في قرارة نفسه بأنه سيكسر قلبه في يوم ما.
تتفق الحضارات الإنسانية الآن على تشجيع نوع واحد من العلاقات، وهو الزواج الأحادي، وترفض أغلبها العلاقات التي تنطوي على التعدد في الأزواج.
وقد ظل التساؤل عن مدى صعوبة الالتزام بشريك واحد مدى الحياة أمرًا محيرًا للعلماء، وأجريت العديد من الدراسات والأبحاث التي تحاول كشف اللثام عن الأسباب الحقيقية للخيانة، فهل تتعلق فقط بلا أخلاقية الشريك الذي يرتكب هذا النوع من السلوك، أم أن هناك أسبابًا جينية يجب دراستها بنحو كامل قبل الحكم في موضوع كهذا؟
فئران خائنة
لدينا أمثلة في الطبيعة على فكرة الزواج الأحادي خيارًا لبعض الفصائل، بينما معظم الفصائل الأخرى لا تعرف هذه الفكرة. هناك نوعان من القوارض الصغيرة يمكن أن تخبرنا طريقتُهم في التزاوج الكثيرَ عن هذا الموضوع، الأول هو فأر حقل البراري، وهو قارض صغير الحجم، يتميز بنمط الزواج الأحادي، فعندما يرتبط الزوجان يظلان معًا للنهاية.
النوع الثاني هو فأر الحقل الجبلي، وهو شديد القرابة من حيث التكوين الجيني للنوع الأول، لكنه يعتمد نمطًا مخالفًا تمامًا في التزاوج، وهو نمط لا يعتمد مطلقًا على تكوين روابط بين الزوجين في المقابل، يبحث الذكر عن أنثى للتزاوج معها، ثم ينتقل لمكان آخر ليعيد الكرة مرارًا وتكرارًا.
أثارت الاكتشافات التي توصلت إليها مجموعة من الدراسات بشأن الاختلافات الجينية بين النوعين دهشة المجتمع العلمي، طبقًا للدراسات على النوعين، فإن فئران حقل البراري لديها مستقبلات أكثر في أدمغتها لهرمون «فاسوبريسين» الذي يُعتقد أنه مسؤول بنحو رئيس عن تكوين الروابط العائلية والاجتماعية.
وليس هذا هو الاختلاف الوحيد بين فئران الحقل «المخلصة» وقريباتها، فالنوع المخلص يمتلك هذه المستقبلات في موقع بالدماغ قريب من مركز المكافأة. هكذا في الوقت الذي ترتبط فيه الفئران المخلصة، فإن أجسادها تطلق هرمون الـ«فاسوبريسين»، الذي يدفع الدماغ لإطلاق مشاعر المكافأة للزوجين، ما يسهم في تقوية الروابط بينهما.
ودماغ فأر الحقل الجبلي لا تعمل بهذه الطريقة، فهي تمتلك عدد مستقبلات أقل بكثير لهرمون الـ«فاسوبريسين»، وهي الحقيقة التي تؤدي إلى نقص واضح في مشاعر المكافأة التي يعتمد عليها بقاء الروابط بين الزوجين. يتحكم التكوين الجيني لكل نوع في عدد مستقبلات هرمون «فاسوبريسين» وموقعها، وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول الدور الذي يلعبه هذا التكوين الجيني في كوننا مخلصين لشركائنا، أو أننا أكثر قابلية لخيانتهم وكسر قلوبهم.
لماذا تخون النساء؟
دراسة أخرى نشرت عام 2016 توصلت إلى فرضية مثيرة للانتباه بشأن نمط العلاقات الذي اعتمده البشر في العصور القديمة، وعلاقته بالنمط الحالي الذي يميل فيه الناس للاعتقاد بأن الزواج الأحادي هو المقبول أخلاقيًا ومجتمعيًا، وقد أجريت دراسة في جامعة تكساس، وقدمت فرضيتها التي تصف الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج من النساء بأنها «خطط بديلة» مغروسة عميقًا في جينات النساء، وذلك في حالة فشل علاقاتهن مع شركائهن الحاليين.
أقام الفريق البحثي الذي أجرى الدراسة فرضية «الانتقال من رفيق إلى آخر» التي طورتها النساء على مر الأزمان للاستمرار في اختبار علاقاتهن، والإبقاء على فرصهن في الحصول على خيارات طويلة المدى تحقق لهن المزيد من الاستقرار.
يقول دافيد باس، المؤلف الرئيس للدراسة: «الزواج الأحادي مدى الحياة لا يصف النمط البدائي لتزاوج البشر، الانفصال عن شريك والارتباط بآخر يصف بنحو أكثر دقة الاستراتيجية البدائية لتزاوج البشر».
وتقول الدراسة إنه بالنسبة لأسلافنا، كانت معدلات العمر قليلة تقترب من 30 عامًا، وذلك لأسباب تتعلق بتفشي الأمراض وصعوبة الشفاء منها، وصعوبة تأمين الموارد الغذائية الكافية للبقاء، من هنا كان الحصول على شريك في أسرع وقت أمرًا حيويًا.
تقترح الدراسة أن النساء كن أكثر معاناة في ظل هذه الظروف، فبينما يعد الرجل بالنسبة لها مفيدًا ليس فقط من الناحية العاطفية، لكن وجوده كان يعني المزيد من الحماية والمصادر الدائمة لمتطلبات الحياة، كان فقدان الرفيق بالنسبة للمرأة كارثة حقيقية يجب التخطيط لعواقبها مسبقًا. من هذه الناحية يكون أي ضرر يتحقق للرجل، أو إثبات عدم خصوبته، أو ميله لنساء أخريات، كان يعد تدنيًا كبيرًا في قيمته بالنسبة للمرأة.
من هذه الزاوية، تكون فرضية «الانتقال من رفيق إلى رفيق آخر» حلًا في حالة فقدان الرفيق. الحالة الثانية التي تصبح فيها الفرضية مفيدة بالنسبة للمرأة هي توفر فرص مع رفقاء أعلى في القيمة، مقارنة بالرفيق الذي يمثل خيارها الأول، يحدث ذلك عندما تندمج مجموعتان من الأفراد فتصبحان مجموعة واحدة، أو في حالة اكتساب المرأة لمهارات جديدة ترفع من قيمتها فتكون أمام فرص أكبر للحصول على رفيق بقيمة أكبر.
يقول دافيد باس: «الخيانة هنا تعد وسيلة المرأة لتأمين نفسها في أمر العلاقات، بوجود رفيق بديل قد يصبح مضمونًا في المستقبل. فالرفيق الحالي قد يخون أو يتعرض لإصابة أو يموت، أو تنخفض قيمته مقارنة بآخر. من هنا تكون سالفاتنا اللاتي لا يملكن رفيقًا بديلًا قد عانين انقطاعًا في الحماية والموارد».