لوري بلوتكين بوغارت
في الشهر الماضي، تحدّث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولون آخرون إلى وفدٍ من “معهد واشنطن” في الرياض عن الآلية التي تنتهجها القيادة السعودية في التعبئة ضد التهديد الإرهابي. وفي حين أن مسألة إحباط المؤامرات وردع الدعم الإرهابي داخل المملكة يحتلان الأولوية في السياسات منذ ما يفوق العقد من الزمن، إلا أن هناك تغيراً ملموساً في الطريقة التي تتحدث بها القيادة السعودية عن التحدي الذي يطرحه الإرهاب ومواجهته، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات محتملة وكبيرة على المصالح الاميركية.
الخلفية
هناك تاريخٌ مختلط للجهود السعودية في مكافحة الإرهاب، لكن الرياض أصبحت شريكاً وثيقاً للولايات المتحدة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. وتجدر الاشارة الى ان سلسلة الهجمات الفتاكة التي شنّها تنظيم «القاعدة» داخل المملكة منذ عام 2003 دفعت السعوديين إلى انتهاج سياسات أكثر عدائيةً لمكافحة الإرهاب. واليوم، تتشارك واشنطن والرياض نظرةً واحدة إلى تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية»الذي وقع السعوديون أنفسهم ضحيته. وأصبحت المملكة أيضاً شريكاً متعاوناً في تمويل جهود مكافحة الإرهاب، وهذا أمر مهم بسبب المبالغ الطائلة من الأموال الخاصة التي تم توجيهها إلى التنظيمات الإرهابية من داخل حدودها.
وقد أعربت واشنطن عن رغبة شديدة في رؤية المزيد من الخطوات السعودية عندما يتعلق الأمر بالجماعات المماثلة لتنظيمَي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». ويشمل ذلك المضي بصرامة أكبر في نزع الشرعية عن الإيديولوجية الدينية المتطرفة، فضلاً عن الاعتراف الصريح بضلوع المملكة في مشكلة الإرهاب بحد ذاتها. ولكن حتى في سياق المخاوف الأميركية بشأن بعض السياسات السعودية، من الممكن أن تكون الرياض بصدد تخطي هذه المرحلة الحرجة والمضي قدماً نتيجة تغير نظرتها حول مصالحها الخاصة.
لغة ومبادرات جديدة
في الآونة الأخيرة، أعربت القيادة السعودية عن رغبتها في الابتعاد عن ماضي التطرف الديني، حيث تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال منتدى اقتصادي أقيم في الرياض في تشرين الأول/أكتوبر “بإزالة بقايا التطرف في المستقبل القريب جداً”، مصرّحاً بعد ذلك أمام الجمهور أن “السعودية لن تضيع السنوات الثلاثين المقبلة في التعامل مع هذه الأفكار المدمّرة”. وفي مقابلة له مع إحدى الصحف في أعقاب المؤتمر، أشار الأمير إلى “انتشار المشكلة السعودية في جميع أنحاء العالم”، مشيراً على ما يبدو إلى مسؤولية المملكة في الماضي في إثارة التطرف، وقال “لقد حان الوقت للتخلص منه”.
وقد ردد هذه الأفكار الأمين العام الجديد لـ”رابطة العالم الإسلامي” التي مقرها في مكة المكرمة محمد العيسى في مقابلة أجراها خلال تشرين الثاني/نوفمبر، حيث أعلن أن “الماضي وما قيل من قبل أصبح من الماضي”، وأشار الى ان المهمة الحالية للرابطة هي “القضاء على التفكير المتطرف” و”محو التطرف… الديني الذي يشكل نقطة الدخول إلى الإرهاب.” وفي الواقع أن في هذه اللغة تناقضٌ حاد مع المخطط السابق للرابطة حيث كانت تسعى إلى الترويج للتفسير المتطرف للإسلام في جميع أنحاء العالم، مما اسهم بدوره في تأجيج مشكلة الإرهاب.
وفي كانون الأول/ديسمبر، أطْلَع بعض المسؤولين السعوديين وفد “معهد واشنطن” إلى الرياض عن السياسات المتسارعة التي يتبنّونها لمكافحة التطرف. ووفقاً لأحد المسؤولين المطّلعين، انخفض عدد المتطرفين في المؤسسات الدينية السعودية من أغلبية راسخة إلى أقلية خلال العامين الماضيين، وأن هناك خططاً لتقليص وجودهم إلى درجة أكبر بعد، تمشياً مع الجهود التي تبذلها الرياض منذ سنين طويلة للتخلّي عن رجال الدين المحرّضين.
وإلى جانب اللغة الجديدة وتقارير التقدم المرحلية، أُسند مؤخراً إلى عدة هيئات حكومية مهمة مواجهة التطرف والترويج لتفسير مختلف للإسلام. ومن أكثر الهيئات فاعليةً في هذا الإطار هما “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” (“اعتدال”) و”مركز الحرب الفكرية”.
وقد شارك الرئيس ترامب في حفل الافتتاح الرسمي لمركز “اعتدال” في أيار/مايو المنصرم. وحين التقى بعضُ مسؤولي المؤسسة بوفد “معهد واشنطن” الشهر الماضي، أشاروا إلى أن جذور مشكلة التطرف عقائديةٌ، وأنه لا بد من الذهاب إلى أبعد من مجرد معالجة الأعراض (كالعنف مثلاً) في الحرب على الإرهاب.
ويشار إلى أن “مركز الحرب الفكرية” ينضوي ضمن وزارة الدفاع السعودية، وقد تم تأسيسه عام 2016 بهدف مكافحة إيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي نيسان/أبريل الماضي تم توسيع نطاق صلاحياته ليشمل العمليات الأوسع لمكافحة التطرف.
وتبقى الأسئلة مطروحة حول ما إذا كان يجب النظر إلى هذه التطورات وما يتعلق بها من منظار العلاقات العامة. ومنذ سنوات، كان المسؤولون الأميركيون والأوروبيون قد طلبوا من الرياض مكافحة الفكر الإرهابي بشراسة أكبر وتلقوا تطمينات كثيرة في هذا الشأن. وقد أبدى الرئيس ترامب، الذي سعى السعوديون إلى توثيق العلاقات معه، اهتماماً خاصاً بمكافحة العقيدة الدينية المتطرفة التي تغذي الإرهاب. ويتمثل البند الأول على جدول أعمال “الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين” والمعلنة في أيار/مايو في “مبادرات جديدة لمكافحة خطاب التطرف العنيف.”
التقييم
في الوقت الذي لا ينبغي فيه تجاهل تأثير النداءات الدولية الموجهة للقيادة السعودية التي تهتم بصورتها وسمعتها، يشكّل تغيّر وجهة نظر الرياض بشأن مصالحها الأمنية الخاصة السياق الأنسب لفهم التطورات الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب. فقد أصبحت القيادة ترى في بعض الجوانب الاجتماعية للتطرف الديني وعقيدة الإسلام السياسي تهديداتٍ خطيرة للأمن والاستقرار. وكما أن اهتمام الرياض الشديد بإحباط مؤامرات تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» نابعٌ من تحفيز شخصي، كذلك هو الحال في رغبتها في إضعاف بعض التأثيرات المتطرفة والقوى الإسلامية في الأقل.
ويشكل هذا الاهتمام المتزايد بالتصدي لشتى أشكال التجسيد الاجتماعي للتطرف الديني جزءاً من جدول أعمال أوسع نطاقاً لـ”تطبيع” المجتمع من أجل خلق فرص اقتصادية واجتماعية أكبر للمواطنين. ويُعزى في النهاية إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي في السعودية ليتماشى مع حقبةٍ يقلّ فيها الدخل النفطي المطلوب لتمويل المنافع العامة إلى حدٍّ كبير. أما المكونات الأخرى لهذا الجهد التطبيعي فتضم تقليص صلاحيات الشرطة الدينية والتعهد بالسماح للنساء بقيادة السيارات ابتداءً من شهر حزيران/يونيو المقبل. وكما ذكر ولي العهد في تشرين الأول/أكتوبر، فإن السعوديين “يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية” حتى يتمكنوا من “التعايش… مع العالم”.
وفي الوقت نفسه، شددت الرياض نهجها تجاه الإسلاميين في إطار استراتيجية لمنع التدخل السياسي في مخططها طويل الأمد. فالإسلاميون السّنة، ومن بينهم شركاء جماعة «الإخوان المسلمين»، يشكلون منذ سنوات المجموعة الأكبر من الناشطين في المملكة. واليوم، يحشد مركز “اعتدال” و”مركز الحرب الفكرية” قواهما ضد هؤلاء العناصر، بينما يستهدفان بخطاباتهما «الإخوان المسلمين» إلى جانب تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية». ويأتي ذلك بالانسجام مع تصنيف الرياض لجماعة «الإخوان» كمنظمة إرهابية منذ عام 2014.
التداعيات على السياسة الأميركية
إن التحولات الظاهرة في مقاربة الرياض للتحدي الإرهابي تتيح فرصاً للولايات المتحدة لتشجيع قيام تغييرات أوسع نطاقاً وأكثر عمقاً تتناول المصالح الأميركية القائمة منذ مدة طويلة. ومن بين المجالات التي يمكن دعمها هي مواصلة تشديد الرقابة السعودية على الشخصيات الدينية التي تسافر إلى الخارج للعمل، وعلى المواد الدينية والتعليمية التي ترسلها المؤسسات السعودية إلى الخارج، وعلى الشخصيات الدينية العاملة في مجال الإعلام – وكل ذلك بهدف تقييد تصدير الإيديولوجيا المتطرفة. وثمة مصلحة ذات صلة بهذا الموضوع، وهي تسريع إزالة المحتوى المتطرف الذي ما يزال موجوداً في الكتب المدرسية السعودية. أما المجال الآخر الذي يمكن دعمه أيضاً، فهو الشفافية الإضافية والتقدم القابل للقياس في التدريب الجديد للشخصيات والمدرسين الدينيين، وفي الإشراف عليهم وإعادة تأهيلهم (أو، إذا لزم الأمر، فصلهم). وقد سجلت المملكة بالفعل نجاحات في هذه المجالات وهي الآن تنطلق منهما نحو الأمام. ويمكن مناقشة أي تقدم إضافي في هذا السياق خلال الاجتماع السنوي الأول لـ “المجموعة الاستشارية الاستراتيجية المشتركة” بين السعودية والولايات المتحدة والمرتقب عقده في وقت لاحق من هذا العام. وأخيراً، نظراً للتباين بين وجهتي النظر الأميركية والسعودية بشأن جماعة «الإخوان المسلمين» كتنظيم إرهابي، يتعين على واشنطن أن تعمل عن كثب مع شركائها السعوديين في مركز “اعتدال” من أجل تتبّع كمية ونوعية ومدى انتشار المحتوى المناهض لأكبر التنظيمات المصنفة على لائحة الإرهاب الاميركية على غرار تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة».
* لوري بلوتكين بوغارت زميلة في معهد واشنطن.