ربما احداث الاستفتاء غير الدستوري وعودة كركوك تحت سلطة الحكومة الاتحادية سريعا من دون عملية عسكرية او اراقة دماء بل هي محض اعادة عملية نشر للقوات الاتحادية , ربما يدعو الى مراجعة شاملة لجميع ملفات البلد العالقة ليس فقط فيما يخص القيادة الكردية وبمعنى آخر مراجعة كل ما حصل بعد التاسع من نيسان عام 2003 , ولكن القضية الكردية لا شك لها خصوصيتها ,هذه الخصوصية لها سلبياتها وايجابياتها وقطعا مدار الايجابية يكون اكثر سطوة عندما يكون داخل رقعة الوطن الواحد , وهذا ما دعت اليه المرجعية الدينية في الجمعة القريبة الماضية على لسان معتمدها في كربلاء المقدسة , ولقد قلنا سابقا ان حياد المرجعية هو صمام الامان وان كياستها وحكمتها هي القادرة على التعامل مع كل الاحداث والازمات بالحكمة والراي السديد ذاته , لذا ركز معتمدها في خطبته الثانية وفيما يخص عودة كركوك للسلطة الاتحادية على الامور الرئيسة التالية التي يستشف منها ما يلي : اولا , نفيها ان تعد ما حصل من احداث في كركوك انتصارا لاي جهة بل انتصار لكل العراقيين , وهذا تاكيد ضمني على مواقفها السابقة من وقوفها على مسافة واحدة من كل الاطراف داخل العراق ما عدا الوطن فوقوفها دائما معه , وفي الوقت نفسه وجدت ان لا يعد ما حصل في كركوك انكسارا لطرف من الاطراف , بمعنى ان الاحداث يجب ان توظف لخدمة الوطن ومصلحته دون المصالح الفئوية والشخصية والحزبية , وهذا مفاد دعوى المرجعية الواضح بان قدر العراقيين بشتى مكوناتهم من عرب وكرد وتركمان وغيرهم هو ان يعيشوا بعضا مع بعض على ربوع هذه الارض العزيزة , ثانيا : تحاول المرجعية دائما ربط كل ما يتعلق بالدولة العراقية من مفاصل (حكومة , برلمان , شعب)بالدستور والاحتكام اليه (بالرغم من نواقصه ـ كما عبرت المرجعية) فهي تنظر الى الدستور العراقي بوصفه عقد حظي بقبول اغلب العراقيين حين الاستفتاء عليه , وعندما يحترم الدستور بكل مضامينه ستبقى هيبة الدولة سواء على مستوى الداخل او الخارج , ثالثا : التاكيد المتلاحق للمرجعية على الابتعاد عن اي مظهر عنفي ثأري انتقامي بين ابناء البلد الواحد , فمشروع المرجعية كما انه قائم على التعامل مع ابناء السنة على انهم انفسنا وليسوا اخوتنا فانها تجدد الدعوة مع الاكراد بوصفهم شريكا بالوطن وتدعو الى الحوار والتهدئة وتؤكد عدم سفك الدماء وتدعو الى تخفيف التوتر في المناطق المشتركة وتسهيل عودة النازحين الى بيوتهم والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والدعوة الى منع اي نشاط او فعاليات فيها رائحة عنصرية او طائفية او اعمال لا اخلاقية تضر بالسلم الاهلي والعيش الآمن داخل حدود هذا البلد , رابعا , دعوة الحكومة الاتحادية الى تطمين المواطنين الاكراد بانها الراعية لهم والحامية وانها تتعامل معهم بوجه قائم على اساس المساواة مع بقية كل العراقيين , خامسا , دعوة القيادات الكردية الى تجاوز الازمة الراهنة وهنا اشارة في غاية الدقة الى نظرة المرجعية الثاقبة الى الحالة المعنوية التي تمر بها القيادات الكردية دون ان تمسها بشيء بل هي دعوة في غاية الرقي والشفافية وذلك عبر دعوتها للتعاون مع الحكومة الاتحادية وفقا للاسس الدستورية وان تصرفت كذلك فانها (اي القيادات الكردية) فانها ستحقق ما يلي : اولا , الحفاظ على موقعها ضمن خط القيادة الكردية , ثانيا , لم ترق ماء وجهها لان التعاون مع الحكومة الاتحادية لا يشكل منقصة لهم , ثالثا , البدء في بناء رؤية حوارية ربما تخرج منها آلية للتعامل بين الاقليم وبغداد , وهنا اشارة خفية وفي غاية الدقة والخطورة من قبل المرجعية من ان الوضع في العراق بعد عودة كركوك يختلف عما قبله لانه وببساطة فتح ابوابا جديدة للدولة العراقية ما يستدعي التفكير من قبل رجال الدولة العراقية في بناء خال من عيوب التأسيس .
د. ناجي الفتلاوي
عودة كركوك في ميزان المرجعية
التعليقات مغلقة