آنا بورشفسكايا
في 4 تشرين الأول/أكتوبر، غادر العاهل السعودي الملك سلمان إلى روسيا وبذلك يكون الملك السعودي الأول على الإطلاق الذي يقوم بمثل هذه الزيارة. وفي اعتراف ربما بأهمية الزيارة، علّق الكرملين آمالاً كبيرة على هذا الاجتماع الذي أُرجئ عدة مرات، حيث وصف المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف السعوديين بأنهم زعماء في العالم العربي. وأضاف: «أملنا الرئيسي هو في أن توفر هذه الزيارة زخماً جديداً وقوياً لتنمية العلاقات الثنائية، لأن إمكانيات علاقاتنا أغنى بكثير مما يُظهره الوضع الراهن».
ولطالما اعتبر الروس الرياض طرفاً إقليمياً مهماً، ويسعون بلا شكّ إلى تعزيز الاستثمار والتجارة أيضاً. كما تُعتبر موافقة الملك أخيراً على القيام بالزيارة انجازاً بالنسبة لفلاديمير بوتين، مما يمثّل اعترافاً آخر رفيع المستوى بأهمية موسكو المتزايدة في الشرق الأوسط.
وفي معظم تاريخها، كانت العلاقات السعودية-الروسية محدودة أو معدومة أو عدائية بشكلٍ واضح، إذ وجد الطرفان نفسيهما يدعمان قوى متعارضة في المنطقة. ولم تشهد العلاقة سوى لحظات قليلة من التعاون المحتمل في بداياتها. ففي عام 1926 على سبيل المثال، كان الاتحاد السوفيتي البلد الأول الذي يعترف رسمياً بابن سعود حاكماً لشبه الدولة السعودية. وفي المقابل، سمح الملك ببقاء البعثة السوفيتية في جدة. وفي عام 1933، زار الأمير السعودي والملك المستقبلي فيصل الاتحاد السوفيتي، حيث عرض عليه الكرملين قرضاً بقيمة مليون جنيه مقابل رفع الحظر التجاري والتوقيع على معاهدات حول التجارة والصداقة. ومع ذلك، ففي حين رفع ابن سعود الحظر في نهاية المطاف، إلّا أنّه لم يوقّع المعاهدات أو يقبل القرض.
وسرعان ما شهدت العلاقات ركوداً حين رأى السوفيت أن ابن سعود لن يتحدى الغرب بشكل ناشط، فسحبت موسكو بعثتها الدبلوماسية في عام 1938. وبحلول عام 1958، شعر الكرملين أن السعوديين انضموا إلى المعسكر «الإمبريالي»، رغم استمراره في التعبير أحياناً عن التفاؤل حول إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية. وفي عام 1962، بدا أن البلدين على استعداد للقيام بذلك – إلى أن اندلعت ثورة في شمال اليمن في أيلول/سبتمبر من ذلك العام، مما وضع السوفيت والسعوديين على طرفي نقيض في الصراع. وبعدها، تنافست الدولتان على بسط النفوذ في سلطنة عُمان وجنوب اليمن لغاية سبعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، استمر الكرملين بالحديث عن إمكانية تحسين العلاقات، لكن الملك فيصل ظل معادياً لهذه الفكرة إلى حين اغتياله في عام 1975، ليحمل خلفه الملك خالد الشعلة ويواصل المنافسة الثنائية على بسط النفوذ في المنطقة.
وبحلول عام 1979، بدت الرياض منفتحة على مبادرات موسكو المتجددة في سياق تدهور العلاقات السعودية-الأمريكية، ولكن الباب أُغلق مجدداً في كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام عندما اجتاح السوفيت أفغانستان. وسرعان ما برزت السعودية كأحد أبرز معارضي «اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية» في تلك الحرب وساهمت بشكل فعال في هزيمته الفادحة. ولم يوافق البلدان على استعادة العلاقات الدبلوماسية حتى عام 1990.
وفي تسعينيات القرن الماضي، انسحبت روسيا إلى حد كبير من الشرق الأوسط، لكنّ بوتين سعى لاحقاً إلى عكس هذا الاتجاه. وفي عام 2007، التقى الملك عبدالله في الرياض، ليصبح بذلك الرئيس الروسي الأول الذي يزور المملكة. لكن حين اجتاحت روسيا جورجيا في عام 2008، لم يعترف السعوديون بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين المدعومتين من موسكو. ومجدداً، توترت العلاقات بعد اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام في سوريا في آذار/مارس 2011، حيث دعم الكرملين والرياض مرةً أخرى طرفين متعارضين لصراع ما في الشرق الأوسط. وفضلاً عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد ضد المتمردين المدعومين من السعودية، اتهمت موسكو الرياض مراراً بتمويل الإرهاب السنّي داخل روسيا.
ونظراً إلى مجموعة الانتكاسات وحدّة الطبع، لماذا وافق الملك سلمان على عقد اجتماع الآن؟ يتمثل أحد الأسباب الرئيسية في أنّ السعودية غيّرت على ما يبدو موقفها تجاه الأسد في الأسابيع الأخيرة، وتقبّلت أنه سيبقى في السلطة، على الأقل في الوقت الراهن. ومن وجهة نظر عمليّة، ينطوي ذلك على التعامل مع موسكو حول الحرب في سوريا وغيرها من القضايا الإقليمية. ومن الأسباب المحتملة الأخرى أن السعوديين قد يرغبون في البحث عن فرص تعاون بشأن أسعار النفط وصفقات مهمة في مجال الطاقة والتجارة والاستثمار.
من الناحية الجغرافية السياسية، قد تعتبر الرياض أيضاً أن إقامة روابط أوثق مع موسكو يمكن أن يساعد على إبعاد روسيا عن إيران، مما يقلّص بالتالي النفوذ المتزايد للجمهورية الإسلامية في المنطقة. غير أن هذا أمر غير محتمل. فقد سبق أن حاول السعوديون فسخ روابط موسكو مع إيران من خلال الالتزام باستثمار 10 مليارات دولار في روسيا في تموز/يوليو 2015، ولكن بوتين لم يغيّر موقفه من طهران في ذلك الحين ومن غير المرجّح أن يفعل ذلك الآن. وفي هذا السياق، قد تؤدي زيارة الملك السعودي إلى تقارب مع روسيا أو قد لا تؤدي إلى ذلك، لكنها إشارة واضحة أخرى على سطوة بوتين المتزايدة في المنطقة.
*آنا بورشفسكايا هي زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن.