آنا بورشفسكايا
يصادف٣٠ أيلول/سبتمبر الذكرى السنوية الثانية لتدخل موسكو في سوريا الأمر الذي أنقذ الرئيس بشار الأسد من سقوط وشيك. ويعتبر الأسد مسؤولاً إلى حد كبير عن إحدى أسوأ المآسي الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. واليوم، بفضل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدرجة لا يستهان بها، أصبح الرئيس بشار الأسد في أقوى موقف له منذ الانتفاضات الواسعة التي اجتاحت سوريا في آذار/مارس ٢٠١١.
وفي السنوات الست الماضية، قدّمت إيران و«حزب الله» الكثير من الدعم للأسد. وفي أواخر ربيع عام ٢٠١٣، تلقّى الأسد دعماً كبيراً من «حزب الله» حال دون سقوطه. ولكن في أيلول/سبتمبر ٢٠١٥ كانت القوة الجوية الروسية هي من أنقذ الأسد من فقدان سيطرته.
وتجدر الإشارة إلى أن بوتين قد وقف إلى جانب الأسد منذ البداية وقدّم له الحماية بطرق متعددة. فقد قام بتسليحه، وعمل على حمايته في مجلس الأمن الدولي، وحرص على استمرارية الجيش والاقتصاد السوري. لكن، تدخّله في سوريا كان نقطة تحوّل تدل على التصعيد الروسي في سوريا.
وبشكل عام، حقق الرئيس بوتين اليوم كل ما يريده في سوريا. فقد أبقى الأسد في السلطة. ورسّخ الوجود العسكري الروسي في سوريا على الأقل على مدى الـ ٤٩ عاماً المقبلة، وهو أكبر وجود عسكري روسي خارج الاتحاد السوفياتي السابق حتى اليوم. وبذلك، حدّ بوتين من قدرة أمريكا على المناورة العسكرية في المنطقة، وضمن نفوذ روسيا في أحد أكثر البلدان أهمية من الناحية الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
وقد أدّى دعم الرئيس بوتين للأسد إلى تفاقم تدفقات اللاجئين الهائلة والمُزعزِعة للاستقرار في أوروبا. وطالما بقي الأسد أو أي شخص مثله في السلطة، فإن غالبية اللاجئين لن يعودوا إلى ديارهم. وفي هذا الصدد، أصبح خصوم الأسد التقليديين، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتقبّلون وجهة نظر موسكو حول الأسد، وحتى المملكة العربية السعودية قد تُغيّر موقفها لصالح موسكو.
والأهم من ذلك بالنسبة لبوتين أن بإمكانه الآن التعاون مع الغرب وفق شروطه الخاصة. فقد أوجد لروسيا صورة الوسيط للقوة العظمى. وحصل على إقرار دولي بشأن مبادرته الأخيرة لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا والتي أدت إلى إنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد، وذلك بعد اجتماع بوتين مع ترامب في تموز/يوليو من هذا العام. وفي هذا الإطار، تعمل روسيا وإيران وتركيا بمثابة ضامن لوقف إطلاق النار. ولطالما قاوم بوتين المناطق الآمنة المحمية من الغرب في سوريا، بيد أن وقف إطلاق النار بقيادة روسيا سيسمح له بالحفاظ على مصالحه في البلاد.
لدى مناطق وقف التصعيد إطار حماية أضعف من المناطق التي تدعمها الغرب. إذ نشرت موسكو قواتها العسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار ولكن من غير الواضح كيف سيتم تنفيذ هذا الترتيب. كما أن الاتفاقية بالكاد تعترف بالدور الإيراني في سوريا. وفي الوقت ذاته، يتعيّن على حليفين أمريكيين رئيسيين في المنطقة، هما إسرائيل والأردن، التعامل مع روسيا حول قضايا أساسية تخصّ الأمن القومي الأميركي. وكون روسيا شريكة، سيتوجّب على الولايات المتحدة تقاسم العبء المعنوي التي تسبّبه الضربات الجوية الروسية التي قد تؤدّي إلى مقتل المدنيين.
وبعيداً عن إقحام نفسه في ورطة يتعذّر له الخروج منها في سوريا والتي كان قد توقّعها الرئيس أوباما في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٥، تمكّن بوتين من القيام بحملة رخيصة نسبياً، وهو الآن في طريقه إلى إخراج نفسه من الصراع مع ضمان وجود روسيا ونفوذها في الوقت نفسه. وفي الإطار ذاته، عزّز صادرات الأسلحة الروسية باستخدام سوريا كساحة تجارب للأسلحة الروسية. والآن، بعد أن استقر الوضع في بعض المناطق الرئيسية في البلاد، تتطلّع شركات الطاقة الروسية إلى إعادة بناء البنية الأساسية للطاقة في سوريا.
وبينما تشارف الحرب على الانتهاء، لا يُظهر تعاون روسيا مع إيران أي علامة على التراجع. ومن المرجّح أن يكون نذير تعاون استراتيجي أوسع مع انعكاسات أكبر على السياسة الأميركية في المنطقة. وتتجاوز المصلحة المشتركة بين موسكو وطهران في معارضة الغرب كل خلافاتهما.
والجدير بالذكر أن مدّة سلطة الرئيس بوتين باتت أطول من فترة حكم الرئيس السابق ليونيد بريجنيف. ويستعدّ بوتين اليوم للانتخابات الرئاسية في آذار/مارس ٢٠١٨. وفي هذا الإطار، يحرص على إثبات نجاحه وفشل الغرب أمام الرأي العام الروسي. وقد عرضت الصحافة التابعة للكرملين جهود روسيا في صنع السلام، وشدّدت على عودة الحياة إلى طبيعتها في أجزاء من سوريا. وفي ٣١ تمّوز/يوليو، احتفلت موسكو بذكرى يوم البحرية الروسية، ولأول مرة، شمل مكان الاحتفال سوريا.
وقد يأتي الأمر كمفاجأة، أنه في المرحلة الأسوأ في العلاقات الأميركية الروسية منذ الحرب الباردة، قال السفير الروسي الجديد لدى واشنطن أناتولى أنطونوف، المُدرج اسمه على لوائح العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوربي حول قضايا متعلّقة بأوكرانيا، عقب تقديمه وثائق تفويضه للرئيس ترامب في ٨ أيلول/سبتمبر الماضي: «من جهتي قلت إننا نتطلع الى تحسين العلاقات بين بلدينا». من هنا، ترغب موسكو في تقديم نفسها على أنها صوت الحكمة الذي يدعو إلى التعقّل، والإشارة إلى الغرب على أنه مشاكس ومحب للخصام. بالإضافة إلى ذلك تحتاج روسيا إلى الغرب كخصم وشريك. لذلك تسعى إلى الإيقاع بالغرب من خلال عرض التعاون. ويأتي تصديق الكثير من المحلّلين لـ «انسحاب» بوتين المعلَن من سوريا في آذار/مارس ٢٠١٦ كمثال على أخذ التصريحات الرسمية على ظاهرها وليس واقعها.
ومهما شاب وقف إطلاق النار الحالي من عيوب، إلّا أنه لا يزال صامداً حتى الآن. أمّا مستقبله فيكتنفه الغموض جنباً إلى جنب مع مستقبل روسيا. وطالما يستمر الغرب في الإذعان لموسكو في سوريا، سيكون لدى بوتين مناسبات كثيرة تدعوه للاحتفال.
*آنا بورشفسكايا هي زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن.