كيف يمكن أن تنجح العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية؟

ياشينج هوانغ
أستاذ الاقتصاد العالمي والإدارة في كلية سل سلوان للإدارة.
لقد أطق الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ-أون في الأسبوع الماضي صاروخا باليستيا فوق جزيرة هوكايدو
إن آخر تلك العقوبات هي تلك التي تحد من واردات النفط وتحظر صادرات المنسوجات بالإضافة الى معاقبة كيانات حكومية كورية شمالية محددة وعقب ردة فعل كيم تلك يتوجب تشديد تلك العقوبات وذلك بوقف جميع أشكال التجارة مع كوريا الشمالية بما في ذلك وقف جميع واردات الوقود.
تعد كوريا الشمالية واحدة من أكثر البلدان عزلة في العالم حيث أن هذه العزلة هي لعنة للشعب الكوري الشمالي الذي عانى طويلا ولكنها ميزة لاستراتيجية قائمة على العقوبات لأننا نحتاج الى بلد واحد فقط لإنجاح تلك الاستراتيجية وهي الصين.
من الناحية الاقتصادية، فإن الصين هي البلد الوحيد الذي يهم كوريا الشمالية حقا حيث أنها تسيطر على حوالي 90٪ من التجارة الخارجية لكوريا الشمالية وتزودها بكامل إمداداتها من الوقود تقريبا ومع ذلك فإن اقتصاد الصين بالكاد يتأثر من العقوبات الجديدة: فالناتج المحلي الإجمالي السنوي لكوريا الشمالية الذي يبلغ قرابة 28 مليار دولار لا يعني الشيء الكثير بالنسبة لجاراتها العملاقة.
إن الإفتقار إلى البدائل التجارية المجدية وعدم التماثل الكبير في القوة بين كوريا الشمالية والدول التي تفرض العقوبات يعني أن فرض نظام عقوبات أكثر صرامة من شأنه أن يدفع البلد إلى الزاوية والسؤال هو ما إذا كانت المشقة الإقتصادية ستحث كوريا الشمالية على تغيير سياستها النووية وعلى الرغم أن من المستحيل التأكد من ذلك فإن التمعن بالجوانب الإقتصادية لبرنامج كوريا الشمالية النووي يجعلنا نعتقد بإمكانية نجاح ذلك.
وعلى النقيض من الشعور العام فإن الأسلحة النووية هي أسلحة الفقراء فهي رخيصة للغاية مقارنة بالأسلحة التقليدية و كان ذلك هو الأساس المنطقي الذي دفع الإتحاد السوفييتي إلى زيادة الترسانة النووية السوفياتية بشكل كبير إذ إعترف القادة السوفيات بأنهم لا يستطيعون التنافس مع الأسلحة التقليدية للولايات المتحدة الأكثر ثراء حيث ركزوا موارد بلادهم المحدودة على إنشاء ترسانة نووية مدمرة محتملة.
وبالمثل، فإن تركيز كوريا الشمالية على الأسلحة النووية بدلا من الأسلحة التقليدية قد يساعدها في التقليل من إمكانية أن تضطر للإختيار بين البنادق والطعام وهناك تقارير بالفعل عن بعض الحيوية في الإقتصاد الكوري الشمالي مع وجود اسواق مليئة بالسلع ومباني جديدة قيد الإنشاء وبالتالي، هناك حاجة إلى فرض عقوبات أشد لزيادة الثمن الإقتصادي الذي يجب أن يدفعه النظام من أجل برنامجه النووي.
وحتى لو لم تغير كوريا الشمالية سياستها فإن العزلة الإقتصادية الكاملة قد تؤدي إلى إنهاء برنامجها النووي وذلك عن طريق زرع بذور الخلافات الداخلية مما سيؤدي في نهاية المطاف الى إنهيار النظام و تأمل الصين مع ذلك في تجنب هذه النتيجة بالتحديد وهو سبب رئيسي لرفضها حتى الآن تصعيد العقوبات.
تشعر الصين بالقلق من أن إنهيار نظام كيم سيؤدي الى حدوث أزمة كبرى للاجئين حيث يتدفق الملايين من الكوريين عبر الحدود مع الصين بحثا عن الغذاء والمأوى والأمن مما يفرض تكلفة إقتصادية وإجتماعية هائلة على الصين وعلاوة على ذلك يخشى القادة الصينيون فقدان كوريا الشمالية بسبب كونها منطقة عازلة تفصل الصين عن القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية ونظرا للإعتقاد السائد فى دوائر السياسة الصينية بأن الولايات المتحدة تأمل سرا في خوض غمار الحرب الكورية مجددا وإقامة كوريا واحدة متحالفة مع الولايات المتحدة على الحدود الصينية ، فإنه لا ينبغي التقليل من قوة هذا القلق.
تدرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأهمية المركزية للصين في أي إستراتيجية لكبح طموحات كوريا الشمالية النووية ولكن الولايات المتحدة إعتمدت حتى الآن على تهديدات مثل وقف 650 مليار دولار ضمن التجارة الثنائية لإقناع الصين بالتعاون معهم و هذه ليست عصا ولكن عصا مقوسة مرتدة والتي سوف تضرب الصين وتعود فورا إلى صفع الولايات المتحدة.
و المطلوب بدلا من ذلك هو الجزرة حيث أن إقناع الصين بعزل كوريا الشمالية إقتصاديا سوف يتطلب من المجتمع الدولي أن يكون هناك توافق بشأن كيفية معالجة إنهيار النظام بهدف تهدئة المخاوف الرئيسة للصين.
ببادئ ذي بدء ، يجب على المجتمع الدولي بأسره ولا سيما الولايات المتحدة التعهد صراحة بعدم محاولة تغيير طبيعة النظام الكوري الشمالي وهذا يعني أنه إذا إنهار نظام كيم فإن الولايات المتحدة لن تسعى إلى إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية ويجب على الصين بدلا من ذلك ممارسة الوصاية السياسية الأولية على كوريا الشمالية في حالة ظهور فراغ سياسي ومهما يحصل لن تعبر القوات الأمريكية والكورية الجنوبية خط العرض 38 .
كما أن إقناع الصين بفرض عقوبات يحتمل أن تدمر النظام سيتطلب أيضا تعهدات إقتصادية مع إلتزام المجتمع الدولي بأسره – وخاصة الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية – بتقاسم التكاليف الضخمة لإيواء اللاجئين وإعادة بناء إقتصاد كوريا الشمالية وفي حين أن الصين ستغطي حتما جزءا كبيرا من هذه التكاليف نظرا لقربها الجغرافي وروابطها التاريخية مع الشمال فإنها تحتاج إلى طمأنتها بأنها لن تتحمل العبء وحدها.
يذكرنا هذا النهج إلى حد ما وبإعتراف الجميع بالنهج الذي تم تبنيه في مؤتمر يالطا عام 1945 حيث قام قادة الإتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بتقاسم مناطق نفوذ جيوسياسية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية و لذلك، من المتوقع أن تكون هناك إعتراضات اخلاقية وأيدولوجية.
ولكن حان الوقت لنكون أكثر واقعية حيث أن التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية خطير وفوري ويتطلب إستجابة جريئة حيث ان هذا ليس وقت أن نشعر بإننا مقيدون بالإتفاقيات والأيديولوجيا فقد حان الوقت للقيام بكل ما هو مطلوب لنزع فتيل التوترات النووية وحماية أرواح أولئك الذين يعيشون في مرمى نظام كيم.
و الصين هي الدولة الوحيدة التي تملك القوة لإجبار كوريا الشمالية على تغيير سياستها النووية ويجب أن يكون إقناع الصينيين باستعمال تلك القوة أولوية قصوى لقادة العالم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة