جرجيس كوليزادة
كاتب وصحفي
مقالات عديدة، ودعوات كثيرة من خلال اللقاءات بالفضائيات، دعوت فيها السلطة الحاكمة في اقليم كردستان الى التأن والتفكير العميق والتعقل بخصوص قرار الاستفتاء لتحقيق الاستقلال، وبعناوين صارخة ناديت أياكم أياكم يا شعبنا الكردي التفكير بالانفصال عن العراق، وبتفاصيل موضوعية طرحت مقترحات ومشاريع عملية من خلال هذا المنبر الحر ومن خلال جريدة «الصباح الجديد» البغدادية لوضع خارطة طريق بشأن احترام تطلعات كرد العراق ومعالجة المشكلات والخلافات القائمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الاقليم، وذلك لغرض ارساء تفاهم وتعاون وتنسيق عميق استراتيجي بين الطرفين، ومن أجل تثبيت دعائم شراكة حقيقية في الحاضر والمستقبل.
ولكن مثلما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد جرت احداث الاقليم بما لم يتوقعها المراقبون والمتابعون، وجرى الاستفتاء في يومه المحدد بعيدا عن تأييد العراق والمجتمع الدولي والولايات المتحدة والامم المتحدة، وسجل مظاهر مدنية راقية في حماسة وعنفوان واندفاع الجماهير الكردستانية، وخرجت عملية التصويت بأغلبية حاسمة للمشاركين، وحققت نجاحا باهرا وشكلت صدمة كبيرة لدى الحكومة الاتحادية والاطراف السياسية في بغداد ولدى تركيا وايران، فنتجت عنها ردود فعل بالرفض القاطع وعدم القبول مع الدعوة الى اتخاذ اجراءات وعقوبات جماعية بحق الاقليم مع التهديد بالتدخل العسكري من قبل دول الجوار لافشال الاستفتاء والغاء نتائجه.
وقبل اجراء الاستفتاء بيومين صرحت في لقاء مع فضائية الحرة الامريكية ان «اقليم كردستان والسيد البارزاني من خلال اصراره على اجراء الاستفتاء بدأ بفقد اوراقه السياسية امام الحكومة الاتحادية بفعل تعاون وتنسيق تركيا وايران مع بغداد ضد تمدد الطموح الكردي، وبفعل رفض الولايات المتحدة لفكرة الاستفتاء، وبذلك بدأ الاقليم يفقد الحضانة الدولية التي كان يتمتع بها، وبالمقابل بغداد بدأت اوراقها السياسية تسجل صعودا بالقوة والتأثير والتحكم وتزيد من مكانة ومقام السيد حيدر العبادي سياسيا واقليميا ودوليا، وبعد ان كان مرنا مع بداية دعوة االاستفتاء تحول بالاخير الى طرف متشدد يطرح ويفرض شروطه بدلا من تقبل الشروط والمطالب الكردية، ولا اعتقد ان للقيادة الكردية القدرة على مجابهة الضغوطات العراقية والاقليمية والدولية لان ارضية قرار وعملية الاستفتاء هشة ولا تستند الى مقومات ومرتكزات متينة، وبما ان الساعات القادمة قلقة ومصيرية، لهذا على البارزاني وقيادة اقليم كردستان ترك العناد غير العقلاني والاصرار اللامنطقي واللجوء الى الحكمة وتحمل المسؤولية واتخاذ القرار الصائب بالساعات الاخيرة بالتفاهم مع بغداد وتأجيل الاستفتاء لصالح شعب الاقليم ولصالح العراقيين جميعا وذلك احتراما لرغبات المجتمع الدولي والامم المتحدة والاحتفاظ بالمكانة السياسية التي يتمتع بها كرد العراق».
وحينها ادركت تمام الادراك ان السيد مسعود البارزاني سيقع في ورطة اقليمية كبيرة في حال الاصرار على اجراء الاستفتاء، ومن خلال الخطوة غير المدروسة للقيادة الكردية سيتعرض الاقليم الى مقاطعات وتهديدات سياسية واقتصادية وعسكرية من قبل الحكومات العراقية والتركية والايرانية، وذلك بسبب الاعداد العفوي البعيد عن التفكير والدراسة والتحليل والعقلانية والمنطق لقرار وعملية الاستفتاء، وبسبب عدم الادراك والاحساس النابع بمسؤولية قيادة الشعب بالمخاطر والعواقب الخطيرة التي قد يتعرض لها الاقليم، وعدم الالمام بأمور الادارة والقيادة الحكيمة والرشيدة على مستوى المجتمع والشعب والحكومة.
ولهذا اتخذت ردود الفعل مواقف متشنجة ومتوترة جدا وكأنها مقبلة على فرض حصار شامل وغلق للاجواء والحدود البرية وتطويق كامل لشعب الاقليم، ويبدو ان البارزاني لم يتوقع هذه المواقف والاجراءات وهذا المستوى الخطير من العقوبات والتهديدات الاقليمية الموجهة له ولكردستان وفي وقت واحد من قبل ثلاث دول مجاورة لبعضها، ويبدو أيضا ان القيادة الكردية قد تعاملت وكأن الاستفتاء يجري على مسار طريق ملء بالزهور ومفروش بالسجاد، ولم تتصور قاطبة انها ستعرض حياة شعب الاقليم الى مخاطر كبيرة تهدد حاضره ومصيره ووجودهه، و نتذكر كيف ان دعوات تأجيل الاستفتاء التي قدمت من قبل دول عديدة وعلى مستوى وزراء ورؤساء الى البارزاني كانت تبغي الى تقوية حكومة الاقليم في مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية لتلبية مطالبها، ولكن الغرور الأعمى التي اصابت القيادة الكردية لم تستثمر دعوات التأجيل ولم تستخدم ورقة الاستفتاء استخداما عقلانيا، وعلى سبيل المثال دعوة المملكة السعودية للبارزاني كانت في غاية الحذر عندما دعت الى التحلي بالحكمة والحنكة السياسية لتجنب الاقليم والعراق أزمة كبيرة وخطيرة لا يقدر على تجاوزها دون عواقب وخيمة لا يحمد عقباها.
ونتيجة لهذا التعنت اللاعقلاني تساقطت الاوراق السياسية العراقية والاقليمية والدولية من يد البارزاني، وتقوت بيد العبادي، وباتت التطورات والمواقف والتهديدات الموجهة الى الاقليم تحمل خطورة كبيرة، وبغداد اعلنت رفضها التعامل على اساس الاستفتاء ونتائجها بالرغم من دعوات اربيل لها للحوار والتفاوض، ولهذه الأسباب بدت القيادة الكردية قد وضعت نفسها في نفق مسدود، ودخلت في ورطة اقليمية كبيرة مع العراق ودول الجوار والمجتمع الدولي، ولا ندري كيف تفكر هذه القيادة بالخروج وكيف تفكر بايصال الاقليم والعراق الى بر الأمان !؟.
ورطة القيادة الكردية
التعليقات مغلقة