الأمير عبدالإله.. صورة قلمية
الحلقة 3
كتاب الأمير عبدالإله، صورة قلمية، بقلم عطا عبدالوهاب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، دار الفارس، عمان ٢٠١٧، الطبعة الثانية الموسعة. عدد الصفحات : 133 من القطع الصغير
عرض له: نجله لهب عطا عبدالوهاب في ندوة الثلاثاء
9- الأمير لا يعرف السيرة الذاتية لرئيس وزرائه :
من الامور التي لفتت نظري هو عدم امتلاك الامير لرؤية كامله لسيرة الذاتية لبعض رؤساء وزرائه والوزراء . حدث ان سافرت مع الامير في شتاء عام 1957 الي لندن , ولاحظت عندما اقلعت بنا الطائرة ان الامير كان مرحاً , فسألني الم تلاحظ في المطار شيئا غير اعتيادي ؟ قلت : كلا , فالمطار يغص بالمودعين من رجال الدولة مثل هذه المناسبات . قال : لا , هذه تختلف فقد تالفت وزارة جديده على ارض المطار الان . ثم اضاف وقد ارتسمت على وجهه اسارير الارتياح , الفها عبدالوهاب مرجان , واظنه اهلاً لها . فقلت : نعم انه رجل طيب , وافكاره كانت تقدمية . فسالني ماذا تعني ؟ قلت : كان من مؤسسي الحزب الوطني الديموقراطي مع الجادرجي , فلما جرت انتخابات اللجنة المركزية للحزب رشح نفسه ففشل فيها تجاه مرشح شاب اخر . لم اقل له اسم ذلك الشاب وكان هو اخي زكي . استغرب كثيراً وقال : لم اكن اعرف مرجان من مؤسسي الوطني الديموقراطي . قلت : هو وعبدالكريم الازري . فلم يجب . وعجبت كيف نسي الامير هذا , وكان ذلك من الانباء التي تنشرها الصحف . (ص 81-82 )
10 – 14 تموز 1958
ان السوال الذي يتبادر الي الذهن هو : هل كان بالامكان احتواء ثورة / انقلاب 14 تموز قبل وقوعها لاسيما وان التحذيرات للنظام كانت تتري دون ان تاخذ ماخذ الجد , كان اخرها انذار جلالة الملك حسين يوم 6 تموز قبل اندلاع الثورة باسبوع . وبحسب ” المؤلف ” يبدو ان الامور كانت قد اختلطت على الامير بين انقلاب قصر يخطط له , حيث يؤتي برئيس الاركان الفريق رفيق عارف رئيسا للوزراء ومعاونه اللواء غازي الداغساتني وزيرا للدفاع , اسوة بالانقلاب الابيض الذي قام به ايوب خان في الباكستان . اما الاسماء التي كانت تقدم له من قبل مدير الامن العام بهجت العطيه والتي ضمت غالبية اسماء الضباط الاحرار فكانت تركن جانباً ضناُ من الامير ان هذه الاسماء كان ” تتداخل ” مع الانقلاب الابيض الذي كان يعد له .
بعد انقلاب 14 تموز تم توقيفي في سجن بغداد المركزي بعد استدعائي شاهدا اما المهداوي في قاعة ” محكمة الشعب ” – قاعة مجلس النواب سابقاً – بعد افادتي التي لم تروق للمهداوي في قضية غازي الداغستاني . ادخلوني الي ماسمي القاووش فرأيت امامي في ذلك القيظ المهلك رجال دولة الامس بملابسهم الداخليه بعضهم على حصيرة على الارض وبعضهم على اسّرة الجنود الحديدية , في ايديهم مهافيف الخوص , وعلى وجوهم جزع المصير المجهول . هبوا يسالوني ماذا يجري خارج الاسوار ؟ كان بينهم الجمالي والسويدي وكنة ز اما احمد مختار بابان فكان يكتب في دفتره , وحين رأني انتفض وقام يحتضنني ويقول من فوره : إنته هم جابوك ؟ ( أي انت ايضاً اتو بك )
بعد أيام , وفي قاووش اخر التقيت بالملازم ثامر الحمداني , الذي كان مرافقاً للامير , واستطاع صباح 14 تموز ان يأتي من بيته الي القصر ويدخل الي هناك ليكن قريباً من الاسرة المالكة . قال : كنت اقف الي جانب الامير وكنا قد تجمعنا في ركن الانتظار ( اي تحت اية مالك الملك ) فرن التلفون وتناوله الامير واخذ يصغي للمتكلم ثم وضع راحة يديه الي الفوهة وقال لي : هذا العقيد طه بامرني ( أمر الحرس الملكي ) ومقره في قصر الزهور قريباً من الرحاب وهو يسالني هل تامورني ان نرمي ؟ فاجابه لا لا ترمو لا اريد ان تسفك قطرة دم واحدة من اجلنا , فاذا كانوا لايريدوننا فنحن نخرج . كان الملازم ثامر من الذين نجو باعجوبة هو وزوجة الامير , الاميرة هيام , كريمة امير بيعة , حين انهمر الرصاص على الهاشميين في عقر دارهم .
كان هناك رأي يقول لو اطلق الحرس الملكي بضع رصاصات لفشلت الحركة . لا ادري ربما كان ذلك سيؤدي الي مذبحة شنيعة تجر ورائها في حالة القضاء على ذلك الخروج على السلطة مجزرة تجز فيها الرقاب . كان كل هذا سيؤدي الي كبت التذمر في اعماق النفوس , والي خنق الاصوات في الصدور فيؤول الوضع مرة اخرى الي حالة شاذة اخرى . لم يكن هذا بالطبع هو الذي املئ على الامير ان يأمر حرسه بعدم اطلاق النار على المهاجمين . كان الرجل مهيناُ منذ تتويج الملك عام 1953 وانحسار السلطة من بين يديه الى عدم المجابهة بالقوة , لذلك كان يردد دائما : اذا كان لايريدوننا نحن نخرج . اما حينا كانت السلطة في يديه , مثلا في احداث 1941 فقد صمد وجابها بحزم , بصرف النظر عمن كان على حق ومن كان على باطل . وقد يقول قائل : انظرو الي نوري باشا السعيد الذي قاتل حتى اخر لحظة وقتل في حين لم يشأ الامير عبدالاله اطلاق رصاصة واحدة فانهال الرصاص عليه وعلى اهله . نعم مقارنة ترد على خاطري ايضاً . ولكن السعيد احد بُناة الدولة منذ تاسيسها وظل يمسك بالسلطة , وهو ايضاً احد ابناء البلد , ولا يعيره احد بانه دخيل . اما عبدالاله, فقد جاء الي الحكم متاخراً وواجه منذ اليوم الاول لتوليه السلطة ملابسات قدر متربص وظروف انشقاق خطير, وظل يسمع مايقال عنه بانه اجنبي طارئ على البلاد وعلى العراش فيحز ذلك في نفسه وتعتريه كأبة امرئ يتنكر له الناس وهو فوق ذلك يحس انه قد وصل الي نهاية المطاف ولا اظنه يلام وهو في هذا الوضع النفساني اذ اثر الخروج من بلد ثائر عليه . (ص 110 – 112 )
الملاحظات الختامية
لعل الصورة التي ارسمها للامير عبدالاله تبدو جديده في اقل اعتبار لكن الصورة التي رايتها بنفسي , واشهد الله انني اكتب ماشاهدت في السنة الاخيرة من النظام الملكي في العراق ومن زاوية عملي وصلتي الشخصية , اما مايطلق من اراجيف على آلسنة العامة فلا يعدو شتائم التشمت , اما مايقوله بعض الخاصة من اراء فلا يعدو التعميم والتبسيط ومجارات التيار دون تنفيد او تحليل . اني اشهد انني لم الاحظ طيلة عملي مع الاسرة المالكة منذ ربيع 1957 تصرفاً يشين الخلق الرفيع ولم اسمع كلمة تنبو عن الذوق السليم . ( ص 112 – 113 )
واني لا ازعم ان النظام الملكي الذي دام 37 عاماً ( 1921 – 1958 ) كان مثالياً , او انه كان يحاكي جمهورية افلاطون الفاضلة , يبد انه كان يحمل في طياته نواة لنهضة اقتصادية – اتفاقية مناصفة الارباح مع شركات النفط الاحتكارية – ونهضة عمرانية – مجلس الاعمار – ونهضة علمية ( نظام البعثات للخارج دون النظر الي الخلفية الطائفية او الاثنية او القومية للمتقدم ) , يعززه نظام مؤسسي , مع أستقلال القضاء المشهود له بالنزاهة . وهو يعد اليوم بنظر العديد من المراقبين , بعد الويلات التي حلت بالبلاد , مع تعاقب النظم الشمولية , بانه , اي النظام الملكي,كان اقل النظم سوءاً على الاطلاق .