اذا كانت العدالة الانتقالية تعني ازالة الفوارق الطبقية بين فئات الشعب فان الاهتمام بالفقراء هو صلب هذه العدالة ومنذ تأسيس الدولة العراقية غابت معالم المساواة في الحقوق والواجبات واجتهدت انظمة الحكم المتعاقبة بكل اشكالها الملكية والجمهورية في تطبيق معايير هذه العدالة بين افراد الشعب وبقيت النصوص الدستورية والتعليمات والقوانين النافذة التي شرعها الدستور العراقي وتعديلاته خالية من روح التطبيق وتم توظيف هذه النصوص من قبل انظمة واحزاب ومجموعات سياسية واتخاذها كشعارات قي الحملات الانتخابية او في تكريس مظاهر التأييد والولاء للحكم ولربما تتشابه بعض نصوص القوانين المرتبطة بتحقيق العدالة والمساوة مع نصوص الدساتير في الدول المتقدمة من غير ان يلتفت احد للبون الشاسع بين ماهو متحقق في هذه الدول وماهو على ارض الواقع في العراق وقد استشعرت المرجعية الدينية قبل ايام هذا الفراغ الخطير الذي يعيشه ملايين العراقيين ومعاناتهم من التهميش والحرمان مقابل تنامي وثراء فئات معدودة من الشعب التي اثرت ثراءا فاحشا واستفحلت فيها مظاهر البذخ وتمادت في الامعان بالاستئثار بثروات ومقدرات الدولة ولم يكن هذا الاستشعار متأخرا في اعلانه والتحذير منه ففي كل منعطف من منعطفات الاحداث في العراق يجري تذكير الاحزاب الحاكمة وقوى التأثير بهذا المنزلق الخطير ولطالما اشارت فتاوى وتوجيهات المرجع الاعلى علي السيستاني لتعاضد الدعوات والمطالبات بالاصلاح والتغيير التي تجسدت بالتظاهرات والاعتصامات في ساحة التحرير في بغداد وفي ميادين التظاهر في محافظات العراق لكن المعركة في الارهاب وتداعياتها كانت تفرض تفسها على كل الجهود والتحركات في هذا المضمار وقد آن الاوان ان تقدر الحكومة ومجلس النواب هذا الصبر وهذه التضحية في سبيل توفير الاجواء وتعزيز الجهود لنصرة الجيش والقوات الامنية كي تلتفت اليوم الى الانتهاكات الواسعة في ملف العدالة وتلبية حاجات ملايين المحرومين الذين انتظروا سنين طويلة من اجل الحصول على الحد الادنى من حقوقهم ومشاركة الاخرين في ثروات البلاد واعادة الاعتبار لملايين آخرين ينتظرون المشاركة في ادارة المؤسسات وتقديم خبراتهم والاستفادة من مؤهلاتهم والغاء سياسة التهميش والاقصاء بحقهم التي مورست وتمارس مادام العمل بنظام المحاصصة سيء الصيت قائماً. ولابد من القول ان المعركة المقبلة في العراق هي معركة المحرومين مع الفاسدين الذين يمثلون اليوم وجهاً من وجوه الارهاب وشكلا من اشكال الجريمة.
الإنصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف
الامام علي بن ابي طالب (ع)
د.علي شمخي