فيرجيل..
عبد الجبار نوري:
المدخل/ إلى حشد الشعراء مصدر الأيحاءات الناطقة !!!
المتن/هو- بوبيليوس فرجيليوس ماروPublius Vergilius Maro باللاتينية ، مواليد شمالي أيطاليا (70 ق م – 19 ق م )ألف ملاحم من ثلاثة أصناف من الشعر: أيكلوك وهي قصص ريفية، ( وجيورجيكون ) : عن فضيلة العمل في الأرض، و( الأينياده) :وهي ملحمة من الشعر الحماسي، تروي رحلة بطل ثانوي من أبطال حرب طروادة هو ( أينياوس وفينوس آلهة الحب ) الذي ينسب لهُ بناء روما، وهو أبن فينوس آلهة الحب والجمال عند الرومان ، وكان ( فيرجيل ) يتأمل عالم الماضي وعالم المستقبل في آنٍ واحد وفي أثناء وقفته بين هذين العالمين ، فأنهُ يجد تعبيراً صادقاً عن ماضي أمتهِ وأبناء جنسهِ، وتحتوي الأنيادة على أثني عشر كتاباً وقد كتبها في عشر سنوات ، وتبدأ بواقعة طروادة وكيفية سقوطها، وزمنها يعود لنحو الألف قبل الميلاد، وهي ليست مجرد قصيدة ملحمية ولكنها مجموعة معتقدات عن الرومان ، ونظم فيرجيل ( رعوياته ) وجمعها في عشرة كتب في أشعار الحقول نحو ألفي بيت شعري مقسمة إلى أربعة أجزاء فيها وصف لفروع الزراعة الأساسية آنذاك، ويظهر عند قراءة فصول الملحمة بدقة وتأمل يجد القاريء اللبيب: أن فيرجيل لم يكن يكتب رواية خيالية بل كان يكتب لروما كتاباً مقدساً في تقديم شريعة دينية واضحة المعالم هو دين الوطنية وتأليه روما والدفاع عن وجودهاعبر بعث الشعب الروماني، أن شعر فيرجيل أبداع وأبتكار مزيج من الواقع المرير والجميل مؤطر بالخيال العميق الذي يسمو بالأدراك الأنساني إلى الذروة في العلو لكونها تمتاز بالقوة والمرونة والعذوبة بنقاء فكري وصفاء ذهني وقوة ألهام، أن أشعارفيرجيل كُتبتْ أسطرها عام 42 ق .م وفرغ منها عام 39 ق م ، ولُقب رومانياً ب(DACTUs )أي العلامة ، من خلال حكمه الفلسفية الأنسانية وهو القائل : {* الزمن يغيّر كل شيء بما في ذلك أذهاننا، ألا ما أسعد الرجل الذي أستطاع أن يتعلم علل الأشياء * الممارسة والفكر قد يشكلان بالتدريج فنوناً}، وعنصرالجمال في شعره قوي للغاية تتمثل في جمال اللغة في سردياته النصية الشعرية وسمات فنية خصبة تسيطر على الخيال وهي ليست من عنديات الشاعر، بل هي نقلة نوعية لجغرافية روما المترفة والخلابة .
ومن مميزاته الشعرية : موضوع القصائد هو وصف الرعي على نمط ( ثيوقريطس )Theocritus بالتوقيع على جمالية الأسلوب بأنغام موسيقية شفافة سداسية الأوزان ، مليئة بالحنان التأملي والحب التخيلي في تحطيم القلب بالحب عند صد الحبيب !، ومجّد فيرجيل المناظر الطبيعية وهي أكثر واقعية من الأشباح الثيوقراطية ، وفي هذه القصائد نرى فناناً عظيماً يعالج أشرف الفنون بأجمعها : فن زراعة الأرض في شعرٍ رقيق مصقول وهو يطرق جميع فروع الفلاحة ويفيها حقها ، ولا ينسى فيرجيل أمراض الحيوانات وطريقة علاجها، ويصف حيوانات المزرعة وصفاً يدلُ على فهمهِ لطباعها وعطفهُ عليها، وتلعب الديانات والعقائد الرومانية القديمة في وصف الطقوس والأعياد الدينية دوراً مهماً في منظومات فيرجيل لأعتقاده الزائد لعنصر الحياة وربما شعوره العميق بالأنسانية المعذبة، وجمع فيرجيل مزايا الأوديسا والألياذة في عمل ملحمي درامي بنصوصه الشعرية أصبحت أساساً في تهذيب الأدب واللغة الرومانية وكذا النثر والشعر، وتلك النتاجات الثرة المتميزة لفيرجيل خُلدتْ باستعمالها في العصور المتأخرة في تدريس التعليم ا
رعويات فيرجيل الشعرية/ أنجز فيرجيل ألفي بيتاً شعرياً ملحمياً صنفها بعشرة أناشيد، كل أنشودة مذيلة بأسم بطل ملحمي من رموز قصائده الشعرية، وأقتصاداً للمساحة المسموحة للبحث أخترت ثلاث لوحات منها (ولا أدري لماذا أخترتُ هذه اللوحات الثلاثة وأن العشرة كلها مبشرة بالحب والتأمل وأيقاض الروح للتمسك بالحياة والسلام العالمي – ربما لا أدري !!! ) :
الأنشودة الثالثة- بالايمون {- وماذا يستطيع أن يفعل أصحاب الأملاك؟، وقد بلغ اللصوص شأواً عظيماً من الجرأة ؟ ألم أرك يا أسوأ الناس طُراً ؟ وأنت تسرق عنزة دامون ! أتريد أن يجرب كلانا ما يستطيع أنشادهُ ؟ سأراهن بهذه البقرة كي لا ترفض أنها تحلب مرتين وترضع عجلتين صغيرتين، خبرني بماذا تراهن على منافستي ؟! } .
الأنشودة الخامسةـ دافنس {– لقد بكتْ الحوريات « دافنس» بعد أن أختطفتهُ يدُ الموت الكريهة !، أشهدي على الحوريات يا أشجار البندق ، وأنت أيتها الأنهارستكون لكِ هذه الطقوس إلى الأبد !، عندما نقدم نذورنا السنوية للحوريات ، وعندما نطهّرْ حقولنا}
الأنشودة الرابعة يوليو{ —أن العذراء تعود الآن، ويرجع حكم ساترون، ويهبط جيل جديد الآن من السماء العالية ، رفقاً بالصبي عند مولده يا « لوكينا « الطاهرة، إذ بمجيئهِ سينمحي العصر الحديدي ويشرق العصر الذهبي على ربوع العالم بأسرهِ } .
أسباب شهرة قصائد «فيرجيل» الرعوية !!!.
1 – تتمتع بقدرة شعرية غير محدودة حيث النظم وسرد النص، وبأضافة فيرجيل المحسنات الموسيقية واللفظية وأحتواء القصائد النفس الطويل والأصرار والتحدي والصمود ، وتمكن أن يعبر عن فكرةٍ هائلةٍ كانت عصيّة على الكثير من السياسيين وهي : « فكرة سيطرة روما على العالم « .
2 – تفوّق على ملاحم هوميروس الذي تغنى بالأمجاد بينما فيرجيل صنع الأمجاد ، والفرق الثاني بين أوديسيوس بطل الألياذة بطل مغامر يخوض الأهوال ثم يقفل راجعاً لوطنه، بينما ( أينياس )بطل الأينياده لفرجل يمتطي المخاطر ويمخر البحار باحثاً عن وطن أثبت حقيقة المسلمات الأخلاقية الأنسانية لأبرز حلقات الروح نبلاً هي ثقافة المواطنة.
3 – أن وطنية فيرجيل في أشعاره السياسية غايتهُ أن يصنع مجداً لدولة فتية لا مجد لها، فلجأ إلى الموروث الشعبي في بعث الروح في أسطورة أينياس التي تدعو خلالها إلى الأفتخار بالسلف والأقتداء بهم وأستلهام أخلاقياته النبيلة في بناء المجتمع على غرار ما فعلهُ سليل أسرتهِ أغسطس حاكم روما آنذاك ، وألهبتْ هذه الأفكار الوطنية نفوس الشباب الروماني وأندفعوا بحماسة لتبني والتمسك بأشاعر فيرجيل .
4 – على عكس ماهو مألوف في الملاحم حين تقدم بطلا فوق مستوى البشر، لكن فيرجيل قدم في ملاحمه الشعرية بطلا سويا من مستوى البشر حنون مؤمن يهتدي بالآلهة ويقدس الحياة الأسرية، أنهُ أبنٌ بار وزوج صالح وأب حنون .
5- عُدتْ أشعار فيرجيل خصوصاً ( أنيادته) الملحمية من أهم الرموز الثقافية والأدبية الثرة في القرن الأول بعد الميلاد عدّت مصدراً للغة اللاتينية عند النحويين، ووضعتْ في المقرر المدرسي، ودفعت الكثير من الأدباء والمثقفين والشعراء الأقتداء به وتستوحي نتاجاته المبدعة مثل : دانتي في الكوميديا الآلهية، وأستعملهاالشاعر الأنجليزي ( تشوسر ) وأقتبس منها الشاعر الأنجليزي ( أدمون سبنسر ) في قصيدتهِ ( ملكة الجن ) .