بعد تعديلات دستورية لصالح أردوغان
سونر جاغايتاي
في 17 حزيران/يونيو، أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المسيرة الاحتجاجية من العاصمة التركية أنقرة إلى اسطنبول ووصفها بغير شرعية. وتمّ تنظيم هذه المسيرة للمطالبة بالعدالة فيما يخص قمع أردوغان لوسائل الإعلام المحلية التي انطلقت بقيادة «حزب الشعب الجمهوري»، الحزب المعارض الأكبر في تركيا. حتى أنّه هدد بإمكانية اعتقال رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال قليتش دار أوغلو. وقد سبق واعتُقل رئيس «حزب الشعوب الديمقراطي» [ «حزب ديمقراطية الشعوب»] “ القومي الكردي صلاح الدين دميرطاش. يُذكر أنّ «حزب ديمقراطية الشعوب» هو ثالث أكبر فصيل في البرلمان التركي بعد «حزب العدالة والتنمية» بزعامة أردوغان و«حزب الشعب الجمهوري».
وقد أدرك أردوغان، سياسي يميني مثير للخلاف، أنّه لا يمكنه الاستمرار في حكم البلاد كما يحلو له طالما أنّ تركيا دولةٌ ديمقراطية، لذلك بدأ يتّخذ خطوات لإنهاء الديمقراطية في تركيا.
ومنذ وصول أردوغان إلى السلطة عن طريق «حزب العدالة والتنمية» ذو الجذور الإسلامية الذي أُعيد إصلاحه عام 2003، أصبح أكثر استبداداً بشكلٍ تدريجي. وقد تمكّن من تحقيق ذلك من خلال لعبه دور “المتسلّط المضطهَد”، كما أُوضِّح في كتابي “السلطان الجديد”. فمن خلال اعتماده الرواية بأنّ الإسلاميين قد اضطُهدوا من قبل النظام العلماني السابق في تركيا، أصبح أردوغان يصوّر نفسه اليوم على أنه ضحيةٌ مجبرة قسراً على قمع الذين يتآمرون لتقويض سلطته.
فقام اردوغان بتخويف وسائل الإعلام ومجتمع الأعمال من خلال فرض تدقيقات على الضرائب بدوافع سياسية وسجن المعارضين والباحثين والصحفيين. وخلال فترة حكمه تقوم الشرطة بانتظام بقمع المسيرات السلمية للمعارضة. أما الاستفتاء الدستوري الذي فاز به أردوغان في 16 نيسان/أبريل، وإن بنسبة ضئيلة، فيسمح له بتعيين قضاة المحكمة العليا من دون عملية إقرار، فضلاً عن إخضاع فروع السلطة التنفيذية والتشريعية لأمرته.
وحقق أردوغان نجاحاً هائلاً في الانتخابات من خلال تشويه صورة فئاتٍ مختلفة ومهاجمتها سياسياً، ومعظمها من اليساريين، التي لم تكن لتصوت له [بسبب آرائه السياسية]. وكانت النتيجة أنه حظي بمحبّة نصف البلاد في حين استاء منه النصف الآخر استياءً عميقاً. ولأردوغان عدد كبير من الأعداء الذين ينتظرون خروجه من السلطة. وفي جميع الأحوال، يعلم أردوغان أنّ اتهامات الفساد التي وُجّهت إليه ولأفراد عائلته في عام 2013 لم تترك له مجالاً للخروج من الساحة بطريقة محترمة.
وحيث يريد أردوغان البقاء في السلطة، بينما لا تزال الانتخابات حرة في تركيا، فهي تبقى غير عادلة على نحو متزايد. ومن خلال تقييم التصويت في الاستفتاء على الدستور الذي جرى في 16 نيسان/أبريل، أفادت “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” أن حكام المقاطعات المُعيّنين من قبل الحكومة فرضوا قيوداً على “حرية التجمع والتعبير” باستخدامهم “حالة الطوارئ الاستثنائية” التي أعلنها أردوغان في أعقاب الانقلاب الفاشل في تموز/يوليو 2016.
وقد استخدم أردوغان هذا الانقلاب الفاشل لتوطيد سلطته، مما زاد من إبعاد خصومه. وبعد محاولة الانقلاب، استهدفت عمليات التطهير الأولية أعضاء حركة غولن المحافظة – والأخير هو حليف سابق لأردوغان يبدو أنه لعب دوراً في التخطيط للانقلاب الفاشل. ومع ذلك، فقد استخدم الرئيس التركي أيضاً إجراءات الطوارئ في أعقاب الإنقلاب لتطهير واعتقال الآلاف من اليساريين والليبراليين والأكراد. وقد تم سجن 40 ألف شخص منذ تموز/يوليو 2016. وبعد مرور أقل من عام على الانقلاب، لا يمكن اعتبار تركيا ديمقراطية بعد الآن.
وبالإضافة إلى الاستقطاب المجتمعي العميق وسيطرة أردوغان الكاملة على السلطة وإضفائه الطابع الشخصي عليها، أدت هذه التطورات إلى إغراق تركيا في في أزمةٍ مستمرة. وقد أضافت الهجمات الإرهابية لتنظيم «الدولة الإسلامية» و «حزب العمال الكردستاني»، التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص على مدى العامين الماضيين، إلى المزيج السام.
وأدت الاشتباكات مع «حزب العمال الكردستاني» على الصعيد المحلي وفي سوريا أيضاً، حيث تحارب أنقرة «وحدات حماية الشعب» الكردية المتحالفة مع «حزب العمال الكردستاني»، إلى تفاقم الأزمة التركية. وتشير التوترات مع روسيا وإيران ونظام الأسد، الذين يواجههم أردوغان جميعاً في الحرب الأهلية السورية، إلى أنه يملك أعداءً خارجيين أيضاً يريدون سقوطه ويرغبون في دخول تركيا في دوامة من الفوضى.
وسوف تضطلع موسكو بدورٍ رئيسي في إضعاف أردوغان. ففي الفترة التي سبقت استفتاء نيسان/أبريل، شنّ الفرع التركي لوكالة أنباء “سبوتنيك” التابعة للحكومة الروسية حملةً علنية دون أي خجل ضدّ أردوغان. وخلال الحملة التي سبقت الاستفتاء، نشر الموقع التركي لوكالة “سبوتنيك” ضعف كمية المقالات (المعادية لأردوغان بشكلٍ كبير) التي نشرتها وكالة “دويتشه فيله” و”صوت أمريكا” وقناة “الجزيرة” وشبكة “بي بي سي” معاً- وهذه وسائل إعلام أجنبية أخرى لها خدمات باللغة التركية.
فما هو مستقبل تركيا؟ أرى أمام البلاد مسارين محتملين يكون فيهما أردوغان الشخصية المركزية. فمع إنهاء أردوغان للديمقراطية، سوف يرفض خصومه الخضوع لإمرته، وسيعملون بلا كلل لتقويض جدول أعماله. وسيتحول الاستقطاب السياسي في تركيا بشكل متزايد إلى عنف. وهذا ما حدث في واشنطن، من بين كافة مدن العالم، في 16 أيار/مايو عندما عمد حراس أردوغان والأتراك الموالين للرئيس التركي إلى الاعتداء بالضرب على الأتراك والأكراد المناهضين لأردوغان أمام مقر إقامة السفير التركي. فالعنف سيولّد العنف.
وحتى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الانقسام التركي العميق سيعرّض البلاد لمؤامرات أعدائها الخارجيين مثل موسكو ودمشق – الذين سيستغلون روابطهم التقليدية مع الأكراد المتطرفين و «حزب العمال الكردستاني» و «وحدات حماية الشعب» واليساريين الأتراك لإيذاء أردوغان – فضلاً عن الجهاديين الذين سبق وبدأوا يتحدّون الطابع المحافظ لأردوغان من اليمين المتطرف. وعلى مدى العامين الماضيين، شنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» ما يقرب من 12 هجوماً في تركيا، الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.
ومن خلال ترافق أزمة البلاد مع هذه التهديدات، فقد تؤدي هذه الأخيرة إلى وقوع تركيا في حرب أهلية خطيرة ومؤسفة. وفي هذا المسار، سيُذكر أردوغان بأنه الزعيم الذي أدى إلى انهيار تركيا الحديثة.
* زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.