عبد علي حسن
استأثر المكان بمفهومه الفينومولوجي باهتمام القصاصيين والروائيين العراقيين بعد التحول في البنية الاجتماسياسية العراقية في نيسان /2003 فظهرت الى الوجود الأدبي جملة من الروايات التي كان موضوعها الأساس هو المدن العراقية وكيف تشكلت ديموغرافيا واجتماعيا وتأريخيا ، ومن الممكن ملاحظة ذلك من خلال الروايات التي صدرت من شمال الوطن الى جنوبه حتى صار لكل مدينة عراقية مروياتها الراكزة في المخيال الجمعي الذي اكسب هذه المدن/ الامكنة خصوصيتها . كل ذلك جرى بتخط للمفهوم الجغرافي والفيزيقي للمكان الى المفهوم الفلسفي الذي يسبر غور الظاهرة المكانية ليكشف عن المسكوت عنه وغير المرئي في كيفية تشكل وتأسيس هذه المدن ارتباطا بالفعالية البشرية الخاصة بهذه المدينة او تلك ..وحقا فقد استطاعت الرواية والقصة العراقية من تأكيد وترسيخ هذا النمط السردي الذي عرف بسرديات السير مكانية .
وبهذا الصدد طرح القاص علي السباعي تجربته السير مكانية في كتابه القصصي ( بنات الخائبات) 2014 / دار ميزوبوتاميا/ الطبعة الاولى . وقد تضمن الكتاب قصتين قصيرتين فقط ، حاول فيها القاص السباعي توكيد صلته بالمكان / مدينته الناصرية التي تشكلت وفق خصوصية ارتبطت بالعديد من المرويات المتجاوزة لتفاصيل الواقع المكشوفة الى ما وراء هذا التشكل الجغرافي ومن وجهة نظر تعكس الجوانب الانسانية حتى لتغدو هذه المدينة كائنا حيا يتم التعامل معه كأنثى معرضة للاغتصاب والانتهاك بشكل دائم.
ووفق اسلوب يحاول القاص السباعي تكريسه في مجمل قصصه القصيرة التي تنأى عن التفاصيل المكشوفة المحسوسة بالنسبة الى المتلقي وبناء النص وفق عجائبية متشظية الى اتجاهات عديدة متخيلة للكشف عن الغامض في مكونات التأسيس لهذه المدينة .معبرا عن مدى عشقه لهذه البئر الأولى في تكونها وتكون شخصيته غير متغافل عن استحضار رمز من رموز هذه المدينة المتمتع بحضور كامل في مخيال الفرد الناصري . وفي كلا القصتين/فرائس بثياب الفرح و سيوف خشبية ، نلمح هذا التوجه لإظهار المدينة ببعدها الحضاري والشعبي والقاص يعتم في ذلك على جملة من المرويات التأريخية والاجتماعية المجاورة لتشكلات المدينة في عهدها الاول والعهود اللاحقة.ويكشف هذا الاسلوب الغرائبي والعجائبي قدرة القاص على بناء النص وفق مدخل العجائبي الى الواقع . على ان اللجوء المستمر الى طرح امثلة محلية او عربية او عالمية كبديل موضوعي او تشبيهي لتوصيف ما قد قطع عملية السرد .فهو يدخل في حدث ما يوصله بحدث جديد قد ينهي به سرده . الا انه في المحصلة يدفع المتلقي الى تجميع خيوط لعبته السردية للوصول الى مبتغى النص في الكشف عن النص الجواني لتشكل المدينة الظاهري .ولعل اللجوء الى هكذا اسلوب او امثلة تشبيهية عديدة اراد منها القاص تحقيق صلة الماضي /المرويات بالواقع المعاصر/الامثلة المعاصرة وان ابتعدت عن التأثير الايجابي في بعضها .
واجمالا فان ( بنات الخائبات) للقاص علي السباعي تعد اضافة نوعية لمنجزه القصصي الذي يحرص على ان يكون له فردانيته المختصة به مضمونا واسلوب. ما ذكرت ليس كل شيء ،اذ هنالك اكثر من مدخل لهذا الكتاب ولعل ما ذكر هو واحد منها .