في احيان كثيرة تدفع اسباب تافهة صناع القرار الى خوض حروب كارثية، تدخل القادة صفحات التاريخ، وتدخل الشعوب الى المقابر والمشافي والمصحات النفسية، فالحرب العالمية الاولى التي كلفت البشرية كوارث مازالت آثارها الى اليوم، نشبت نتيجة حادث اغتيال امير نمساوي في صربيا، وعملية اجتياح الكويت من قبل الحرس الجمهوري العراقي في 2 اب 1990 وقعت نتيجة شجار ارعن بين عزة الدوري وسعد الصباح في اجتماع احتضنته جدة عشية الغزو.
وهذا حال الثورات ايضا، اذ ان لحظات الانقياد للانفعال تحمل صاحبها فاتورة باهضة ربما تكلفه حياته، او سلطته، او استقرار دولته، فالعقيد الليبي معمر القذافي لم يحسن التعامل مع معارضيه بحكمة وعقل بل بصرخة مدوية قالها بغرور وكبرياء: من انتم.
العقيد ربما لايعلم انهم ينفذون اجندة قطرية بثياب ثورية اسلامية شعارها النهاية للقذافي وجماهيريته، ومثل العقيد القذافي طابور من القادة والزعماء الذين حاولت الدوحة والرياض التقاسم على خلعهم، او اخضاعهم بامتلاك حقوق نسختهم المعدلة اخوانيا او وهابيا، الامر الذي ادخلهم نفايات التاريخ، وكلف هذه الدول مئات الالاف القتلى من الابرياء، العراقيين، والسوريين، واليمانيين، والليبيين وسائر العرب، وتشريد الملايين، وتحطيم حواضر ومدن باكملها، والعبث بمنظومة القيم والافكار والاماني والتصورات لشعوب دول عربية شقيقة.
لكن بعد ان انكشف كل شيء ووصلت مسرحية داعش الدموية الى فصلها الاخير، وسقطت الديكورات الاخوانية والوهابية التي زرعها محمد بن سلمان وتميم ووالده حمد بن خليفة، يبدو ان حتمية الصراع فرضت المواجهة المباشرة بين الدوحة والرياض.
وهكذا هي الحرب السعودية القطرية، فبعد اقل من اسبوع من عودة امير قطر من الرياض، وقبل ان تجف اثار القبلات من على الخشوم السعودية والقطرية انفجرت قنبلة التصريحات المزعومة عبر وكالة الانباء القطرية التي اعلنت الدوحة بعد ساعات انها تعرضت للتهكير، لم يشفع لقطر كل مابذلته من جهد لغرض اصلاح الموقف.
بل تصاعد منسوب كرة الثلج عبر ضخ اعلامي لم تتمكن وساطات اقدم حكام المنطقة من جيل العقلاء في الكويت وسلطنة عمان من ايقاف جموح الجيل الجديد من القادة التواقون الى السياحة في مزابل التاريخ عبر دق طبول الحروب.
اذن التهكيير هو من اشعل فتيل الازمة، وماكان من الدوحة الا ان ترد على تهكير بتهكير اخر، وهذه المرة من واشنطن حيث نجحت بتكسير جدران الصندوق الاسود الصغير لسفير الامارات في الولايات المتحدة جمال العتيبة، والخروج باسرار مثيرة عن دور بلاده في ملفات كثيرة تخص الامير الصغير محمد بن سلمان ومساع الدفع به الى المقدمة.
هكذا هو الجنون اذا، جنون الرغبة في دخول التاريخ، حتى وان تلطخت الرغبات باثار الرصاص والدخان وتخضبت بالدماء.
لكن في مفهوم هذا الجيل من امراء الخليج يبدو ان كل شيء مباح من اجل ان يتصدر دائرة النفوذ والاهتمام اسم امير هنا وولي عهد هناك.
عباس عبود سالم
حرب الهكر والجنون
التعليقات مغلقة