يتفاعل الرأي العام ويستجيب للاحداث في الداخل والخارج اتساقاً مع الحريات العامة وثقافة الشارع في اية دولة من الدول ومثلما تحتاج منظمات المجتمع المدني الى قدر كبير من الوعي والثقافة بالدور الذي تضطلع به يحتاج الرأي العام الى قادة ووسائل اعلام تزيد من بصيرته وتنبهه الى الاولويات والقضايا المصيرية والاستراتيجية التي ينبغي ان يهتم بها الشارع اكثر من غيرها وبرغم ان العواطف والانفعالات جزء مهم وحيوي من المحركات التي يستجيب لها الرأي العام الا ان ضبط ايقاع حركة الرأي العام يتطلب وعياً جماهيرياً قادرًا على تشكيل اغلبية تمكنها من التعبير عن مطالباتها وحاجاتها من دون الطعن بمشروعية حركتها وكلما كانت حركة الرأي العام حركة عفوية غير منظمة كانت مشروعيته اعظم واصدق ..وتولي الحكومات اهمية كبيرة في رصد الحراك الشعبي وهناك مراكز بحوث لاستطلاع الرأي تحاول الاقتراب من الشارع لرصد الرأي العام وهناك من يريد الاستثمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هذا الميدان فمنهم من يريد صنع رأي عام ومنهم من يريد تغيير حركة الرأي العام ومنهم من يريد توليد حركة مضادة لرأي عام شائع وفي العراق بقي الشارع العراقي متأثراً الى حد كبير بطبيعة الانظمة السياسية التي قادت السلطة ففي الانظمة الديكتاتورية تم الاجهاز على حركة الرأي العام بالتضييق والترهيب وبقي الرأي العام العراقي رأيا مستترا لايقوى على الظهور الا عندما تنهار او تضعف مخالب السلطة وماكان يجري التعبير عنه بالتظاهرات والمسيرات والاحتجاجات لا يمثل حقيقة هذا الرأي بل كان تعبيرا مزيفا ويجسد هيمنة السلطة واستحواذها على حركة الشارع ومصادرتها لحق حرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر والاعتصام وتشويهها لهذه الحقوق بممارسة تتسق مع الدولة الشمولية وثقافة الاستبداد ورؤية الحزب الواحد والحاكم الواحد ..وفي اجواء الديمقراطية والتعددية هناك اليوم ثمة احزاب وجهات تريد توظيف حركة الشارع بما ينسجم مع عقيدتها وايدلوجيتها وهناك من يريد توظيف الدين والمذهب في خلق رأي عام او توجيهه من دون ان يترك لفعاليات الحراك الشعبي ان تتمدد مع مساحة الحرية التي منحها الدستور العراقي وتبرز الحاجة في العراق لتثقيف الشارع بطبيعة الدور والمهام التي تقع على الرأي العام في التعبير عن صوته وتعزيز مشاركته في تأسيس الدولة وفي الوقت نفسه تثقيفه وتوعيته بالقضايا التي يجب ان يوليها الاهتمام والمشاركة والتفاعل من دون فرض واملاء من اية جهة ومن المؤسف ان نشهد تحكم احزاب وجهات اقليمية بحركة الشارع العراقي ودفعه للتفاعل مع قضايا خارجية لربما تجلب الضرر للعراق واهله اكثر ماتستجلب النفع وفي كل الاحوال فان فسح المجال لحركة الرأي العام العراقي وعدم التدخل في مساراتها هو حق وطني يجب ان تحرص السلطات الثلاث في العراق على تأمينه من دون تدخل او تشويه.
د.علي شمخي
ثقافة الحراك الشعبي
التعليقات مغلقة